دعاء
دعا الله أن يكون المولود ذكراً يشد أزره ويقف إلى جواره عندما يغزو الشيب رأسه.. دعت الله هي الأخرى أن يكون ذكراً من أجل رجلها رغم أنها كانت تريده أنثى ترث جمالها.
أحلام
وهي في طريقها إلى غرفة العمليات راقدة على ظهرها بعد أن آن الأوان لقطف ثمرة نضجت، حلمت أن يكون وليدها رجل أعمال كجده.. أما هو فقد حلم أن يكون ضابطاً مثله، فالسلطان عنده أهم من المال الذي وفره زواجه من ابنة عمه.
فرحة
بدل صراخه هدوء المكان ضجيجاً فرحاً، فقد جاء أخيراً، أخذته إلى صدرها تطعمه حليبها الذي سال وحده، أما هو فقد انشرح صدره وعلت السعادة وجهه وأخذت نقوده تتناثر على العاملين في المستشفى الذين أسرعوا لتهنئته طمعاً في نفحاته.
صدمة
كانت عينا الوليد جميلتين ولكنها اكتشفت فجأة أنه لا يرى بها! ذعرت وانكمشت الفرحة داخلها، وبعد أن تأكدت ضاعت زغاريد قلبها وسط الظلام الذي حل فجأة، نقلت ملتاعة الخبر إليه، لم يصدقها وظن أن خبلاً قد أصابها! أخذ يحرك أمام عيني طفله لعبه التي أعداها له، والطفل لا يحرك ساكناً إلا إذا صدر صوت منهما أو من ألعابه! استدعى الطبيب بسرعة وبعد فحص متأن قرر أن الطفل لا يبصر رغم أن العينين سليمتان.. انشرخ قلباهما وإن كان هناك أمل أن يكون الطبيب قد أخطأ. دارا على عيادات حكماء العيون ولكن الظلام لم ينقشع.
أيام الألم
اجتاح الغضب قلباهما ومعه الحزن يظلله وصارا يبحثان عن عدل السماء.. وخيم عليهما عجز لن يبدد الظلمة التي تسربل طفلهما، وهو عنهما لاه بمناغاته لكائنات نورانية يراها وحده دونهما.. ومع الغضب كان الخوف والقلق على مستقبل أيام صعبة قادمة سيعشها وليدهما وحده قد سيطر على إرادتهما التي كبلها اليأس وضياع الأمل. شعرا وكأنهما قد اصطدما بإرادة صخرية صلبة نافذة لا محالة لم يشعرا من قبل أنها كائنة بمثل هذا الشموخ.. وضاع الأمل في أن يتزحزح ذلك الجدار.
كراهية وحب
كاد كل منهما يجن.. يريد كل منهما أن يلقي تبعة ما كان على كتف شخص أو شيء ما.. ووجدا ضالتهما فيما قاله طبيب من بين الأطباء الكثيرين الذين داروا عليهم بالوليد: إن الوراثة أو قرابتهما هي سبب ما حاق بالطفل.. صار لا يطيق النظر إليها وصارت لا تريد أن تراه.. لم يعد يرى واحدهما في الآخر إلا جينات نجسة هي التي وأدت آماله وأسلمته لعذاب ستتلوه عذابات!
هجر فراشها ويسرت هي الأمر له، كرهت كلمات الغزل التي فتحت الطريق لكي يحمل رحمها بذور التعاسة، وكره جمالها الذي ناداه وغطى الحب ستار كثيف من اللوم.. شقت ظلام عقله فكرة عجيبة: أليس هو الساعي لكي يرتبط بإبنة عمه الجميلة الثرية وظن وقتها أنه قد نال الدنيا وما فيها.. تعجب، وسأل نفسه: أفي الفرح يوجد الشقاء!! وملأ نفسه أمل أن يجد في شقائه ما قد يفرحه.
رفض وقبول
صار لا يذهب لصلاة الجمعة بالمسجد، وتعمد أن يحول مؤشر الراديو عن القرآن الكريم، وتجاهلت هي عاداتها في تخصيص يوم من كل شهر لإخراج الصدقات وإطعام الفقراء، ونسيا أن هناك مصلاة في المنزل كأنهما بهذا يقولان: لقد ظلمتنا فلن نعبدك طالما تلك هي إرادتك!
ولكنهما لم يجدا إلا الله عندما مرض الكفيف وارتفعت حرارته وكاد ماء جسده يجف.. عرفا وقتها أن هناك ما هو أشد من المرض: الموت، تعالت تلاوة آيات الذكر الحكيم وامتلأت بطون المساكين وعلا نحيبهما وهما ساجدان يبتهلان للمولى عز وجل أن ينعم على الصغير بالشفاء وأن يعطيهما القوة ليرعياه في أيام صعبة قادمة.