لا تكف دار أصالة للنشر والتوزيع من تقديم كتب تعنى بالتعريف بالإعاقة وبالأشخاص ذوي الاعاقة، وتسعى الدار دائماً بالتقاط الأفكار والاتجاهات المختلفة حول قضية الاعاقة، وفي العام 2012 وضمن سلسلة اقرأ بقلبي، صدرت الطبعة الأولى من رواية لليافعين بعنوان (حكاية نديم: التوحد)، من تأليف الدكتورة سناء علي الحركة ورسومات غدي غصن.
جاءت الرواية في كتاب صغير مكون من 50 صفحة من القطع الصغير، وبغلاف يميل إلى الزرقة، في إشارة واضحة إلى الغموض الذي يرافق فكرة التوحد في أذهاننا، بالإضافة إلى صورة الفتى (نديم) المرسومة بعناية وخطوط جميلة ولافتة الحقيقة، ولكن بحركة تعمق مفهوم التيه والغموض المحيط بالتوحد.
وعند تناول هذا الكتاب في قراءة نقدية، تقع في مأزق البحث عن نقطة إيجابية لتنطلق منها، والنقطة الإيجابية المذهلة هي النية الحسنة، ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع كتابا، والعنوان بحد ذاته هي إحدى المشكلات ( حكاية نديم: التوحد) وهو الأمر الذي طالما دار أصالة تجنبته، ولكن الإشارة للإعاقة في العنوان بحد ذاتها سبب كاف لتجنب الكتاب، فالكتب التي تتحدث عن الإعاقات بذلك الشكل المباشر مسألة كفيلة بأن يتجنب القارىء اليافع الكتاب، وهو في عمر البحث عن حكايات البطولة والمغامرات.
لا أعرف إن كانت الكاتبة، وهي التي أصدرت كتباً مختلفة للأطفال، هي أم لطفل من ذوي التوحد، أم أنها سمعت شهادة أم لطفل من ذوي التوحد، ولكن في الحالتين أن تكون سرد شهادة أم لم تتصالح مع قبول ولدها، وبكل تفاصيلها الموجعة ومشاعرها الصادقة في كتاب لليافعين، لن تمنح بأي شكل من الأشكال حالة من التقبل لدى أي قارىء، فالكتاب بمجمله مجموعة من المشاعر المرتبطة بالحالة الطبيعية التي تمر بها من حالة الرفض والإنكار والتسوق واللوم وأكثر من مرحلة يمر بها أهالي الأطفال ذوي الإعاقة عادة، وقد يكون من المناسب بمكان أن يتعرف اليافع او الطفل القارىء إلى تلك المشاعر، ولكن كمية الوجع والسلبية التي تحتويها تلك الحكاية تمنحك شعوراً كبيراً برغبة القارىء بالتخلص من الطفل من ذوي التوحد لتنتهي تلك الحكاية المؤلمة.
(دعوت الله بحرقة الإنسان العاجز أن يأخذني ونديم إلى السماء حيث للملائكة والأنبياء قدرة على احتماله لا نملكها نحن البشر…)!
وعلى الرغم من كمية التبريرات التي ساقتها الكاتبة في جملتها تلك؛ من الإنسان العاجز وقدرة البشر وقدرة الملائكة وتلطيفها لفكرة الموت بالاستعاضة عنها بكلمة السماء، فإن القارىء لو لم يكمل الكتاب سيدرك تماماً أن الأمهات أنفسهن لا يستطعن تحمل أطفالهن من ذوي التوحد فهل سيكون لنا نحن البشر طاقة على ذلك؟!
لست أنكر على الكاتبة حقها في سرد مشاعر الأم، وسرد شهادتها حول التعامل مع طفلها من ذوي التوحد، ولكن لا شك هناك فارق كبير بين رواية توضح وتعرف بالتوحد، وبين شهادة أم فيها من القسوة ما فيها ومن المعلومات الغامضة ما فيها.. وقد لوحظ خلال الحكاية مراحل الرفض المتكررة والتي يبقى أثرها في كافة المراحل.
أما الطفل الذي بدأ الحكاية وهو الأخ الأكبر للطفل (نديم) ذي اضطراب التوحد، الذي سأل إن كان يجب أن يروي تفاصيل الحكاية أو يترك الدور لوالدته، فقد جاء سؤاله بصيغة تفرض على القارىء تصنيف (نديم) إما كحكاية مشكلة أو حكاية حب، وهذا التصنيف في الأساس خطأ، فتمرير مفهوم التصنيف بأن شخصاً ما أيا كان وضعه أو إعاقته أو إنتماؤه، هو أمر مرفوض تربويا، كما أن التعامل مع الأشخاص بمفهوم الأسود والأبيض بمطلقهما هو أمر ليس واقعياً، بل ويكاد يكون مفهوما عنصريا إلى حد كبير، والكتاب بدأ بسرد الحكاية من خلال مقدمة على لسان الأخ (نبيل) ومن ثم الأم التي قررت سرد تفاصيل حكايتها مع (نديم) وتركت الحكم للقراء بأن يقرروا إن كانت حكاية (نديم) مشكلة أم حب… والسؤال الآن ماذا لو قرر أي قارىء أنها حكاية مشكلة، سيكون التعميم بالتالي مؤكداً بأن (التوحد) مشكلة، وهذا أمر غير حقوقي.
من جهة أخرى فإن (نبيل) الطفل الذي بدأ الحكاية قد أراد بعض المساعدة من أمه في سردها، لتحكي على مدى 40 صفحة الحكاية المليئة بالإحباطات والحكايات الموجعة… ليختم (نبيل) بطريقة أكثر وعيا وتقبلا من والدته، من جهة تجلى رفض الأم المبطن، ومن جهة أخرى فقد حرمت الأم ولدها (نبيل) من حقه بسرد حكايته مع أخيه (نديم) من ذوي التوحد، وهو الأمر الذي غفل عنه معظم من يكتب للأطفال عن الإعاقة، فهم يحملون الطفل القارئ مخاوفهم وانطباعاتهم الخاصة، بينما الطفل بطبيعته أكثر تقبلا للإختلاف من الكبار.
وعلى الرغم من السلبية ووقوعها في فخ المصلحات غير الحقوقية في التعامل مع الإعاقة التي حملتها تفصيل الحكاية، فهي مكتوبة بلغة سليمة وسهلة وواضحة، وجذابة في القراءة كلغة، أما رسومات (غدي غصن) كانت جذابة بكل تفاصيلها وجسدت أفكار الكاتبة بشكل متقن وتصف إلى حد كبير تصرف الأطفال من ذوي التوحد دون مبالغة أو تطرف.
هذا الكتاب أراد أن يفرض على القارىء ـ بغض النظر عن مستوى وعيه ومعرفته في اضطراب التوحد ـ أن يصنف الحكاية التي رويت بكثير من عدم التقبل، وأن يحكم بالضرورة أن حكاية نديم هي حكاية مشكلة أو أنها حكاية حب؟!
ولكننا ببساطة نستطيع أن نصف الحكاية بأنها مشكلة حكاية… أو مشكلة كتاب لم تقم كاتبته بالبحث الكافي أو الصحيح للحديث عن التوحد، لفئة من القراء تبدأ في تكوين مفاهيمها.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”