قد لا نبالغ إن وصفناها (نبيهة محيدلي) بالشغوفة بشكل مطلق في أدب الأطفال، فهي السيدة التي لا تكف عن العمل في هذا المجال رئيسة تحرير مجلة (أحمد) للأطفال، ومجلة (توتة توتة)، وأسست (دار الحدائق) التي تهتم بكتب الأطفال في المقام الأول، وهو ما جعلته (نبيهة محيدلي) ميدانها الأوسع لتوصل إبداعاتها إلى الأطفال، والتي تتفاوت مستوياتها ما بين المقبول والجيد والرائع الذي حاز جوائز مختلفة، ومن بين كافة الكتب التي تكتبها وتنشرها (نبيهة محيدلي) يعتبر كتابها (منقوشة مريم) لعبة ذكية ومحبوبة للتعريف بمتلازمة داون.
تدور أحداث كتاب (منقوشة مريم) عن كيفية صناعة المنقوشة وهي إحدى المأكولات الشهيرة في بلاد الشام، وهي عبارة عن معجنات مخبوزة مع إضافة مكونات مختلفة كالزعتر والجبن وغيرها، وكيف أن (مريم) بطلة الحكاية تقوم بصناعة المناقيش باستقلالية تامة وبمساعدة بسيطة من والدتها في إعداد الفرن، و(مريم) التي لم تظهر منها طوال صفحات الحكاية إلا يداها تظهر في الصفحة الأخيرة كفتاة من ذوي متلازمة داون وتدعو أصدقاءها إلى مشاركتها تناول المناقيش.
إن تناول الكتاب هذه الحكاية البسيطة بأسلوب سهل وسلس، واستخدام الكاتبة بعض الكلمات الخاصة بعملية العجين وإعداد المناقيش، محاولة إعادة السحر الصوتي للكلمات العربية ككلمة (نقش) وتقريبها من أذن المتلقي من خلالها ربطها بفعل نقش المنقوشة.
وبهذا تكون الكاتبة قد استطاعت من خلال الحكاية المقروءة تحقيق كتاب مبسط للأطفال في مجال الطهي، وحكاية بسيطة وشيقة تحمل قيماً مختلفة منها المشاركة بدعوة الأصدقاء، والعمل من خلال تعلم الخبز، واستثمار الوقت المفيد، وغيرها من القيم التي يستطيع الأطفال سردها وتوظيفها في حكاية متعددة الجوانب، ورغم كل تلك القيم قد ينسى الطفل أن بطلة الحكاية من ذوي متلازمة داون، وهو ما يحسب للكاتبة بالطبع، فقد أرادت الكاتبة أن تقدم حكاية بطلها من الأشخاص من ذوي الاعاقة ولكن دون الإشارة إلى الموضوع، وأن ما يقوم به هو ما قد يقوم به أي شخص آخر دون الالتفات إلى لونه أو طوله أو حجمه أو جنسه… أو إعاقته.
ومن جانب آخر جاءت الحكاية عبر 30 صفحة مزينة برسومات الفنانة (لينا مرهج) المعروفة برسوماتها الكرتونية وحكاياتها المصورة، إذ استطاعت (لينا مرهج) العمل بالتوازي مع الكاتبة في تمرير شخصية (مريم) الفتاة من ذوي متلازمة داون من خلال الصور الفوتوغرافية لأيدي مريم وأصدقائها ومن ثم صورهم الشخصية، وهو الأمر الذي تعاملت معه الفنانة والكاتبة بذكاء، فالكاتبة أرادت أن تحكي عن بطلتها من ذوات متلازمة داون دون الاشارة إليها بشكل واضح، والفنانة أرادت رسومات توضح إعاقة (مريم) وسمات الإعاقة دون اخفاق، فكان الحل الذكي بالمشاركة الشخصية للأطفال من خلال صورهم، وحتى لا تكون صور الأطفال وأيديهم مقحمة لوحدها في عالم من الألوان والرسومات، جاءت أيضاً صور مكونات المناقيش حقيقية أيضاً.
وبهذا يكون كتاب (منقوشة مريم) قد حقق وظيفة أخرى فهو كتاب يعرف بمتلازمة داون ممرراً بعض المفاهيم الحقوقية، فصورة يد مريم التي جاءت لتزين غلاف الكتاب تحمل سمات أيدي الاشخاص من ذوي متلازمة داون بقصر أصابعها، وهي إحدى الصفات الجسمانية للأشخاص من ذوي متلازمة داون، بالإضافة إلى الصورة الشخصية لفتاة من متلازمة داون أدت دور مريم.
من جهة أخرى ومن خلال الصور أيضاً ركزت الفنانة على مفهوم المساواة فكما وضعت صورة يد (مريم) وضعت صور أيدي الأصدقاء وصورهم الشخصية في نهاية الحكاية، فجاء توظيف الصور توضيحياً وليس تمييزاً.
ومحور الحكاية بشكل عام جاء ليوضح أن الاشخاص من ذوي متلازمة داون لديهم القدرة على أداء الكثير من المهام بشكل كامل ومستقل، بالإضافة إلى التركيز على الجانب الاجتماعي من خلال دعوة الأصدقاء إلى تناول المناقيش، فالأشخاص من ذوي متلازمة داون اجتماعيون بطبعهم.
كما يحسب للكتاب خروجه في مرحلة التنفيذ من إطار الطاولة والمرسم، وتواصله مع المجتمع المحلي من خلال (جمعية أصدقاء المعوقين… إعداد) ومشاركة الأطفال في أداء أدوارهم في الحكاية والتقاط الصور الفوتوغرافية لتفاصيل الحكاية.
إن كتاب (منقوشة مريم) هو من النماذج المثالية لكتب الأطفال التي تناولت موضوع الإعاقة بشكل ذكي، وغير مقحم بمعلومات علمية جامدة أو حكايات محزنة أو أخرى تعظم ما ينجزه الاشخاص من ذوي الاعاقة دون مبرر.
حكاية بسيطة يومية تمرر معلومات مختلفة وقيم متعددة…
منقوشة مريم… وجبة خفيفة وغنية في كتاب.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”