يختلف الأدباء عن باقي فئات المجتمع بنظرتهم غير التقليدية للواقع والحياة والعلاقات بين الناس، ومصطلح (غير التقليدية) لا يعني أن نظرتهم قد تكون ميتافيزيقية أو سوريالية أو متبحرة في الأخيلة والفضاءات اللامنطقية، بل على العكس تماماً، قد تكون هذه النظرة مغرقة في التفاصيل العادية، والاصطلاحات اليومية ولكن مع إدراك ووعي عميق لكل تلك الحيثيات التي تغيب عن بال الكثيرين ممن لا يدركونها ولكن بطريقة مبسطة للغاية، او ربما بطريقة غير دقيقة وغير مكتملة الجوانب، فيأتي الأديب من خلال رصيده المعرفي وأسلوبه المتميز ليضيء هذه الجوانب من الأمكنة والأزمنة الحياتية، فيجعلنا قادرين على تفهمها بشكل أعمق.
والأدب لا كما يتصوره البعض على أنه قفز فوق الوقائع بشكل رومانسي، أو ابتعاد عن تصوير الحقيقة في إطر بلاغية، بل هو إعادة تشكيل للواقع على الورق ضمن منظومة فكرية تساعد القارئ على فهم حيثيات غيّبتها زحمة الحياة وتلافيف الهموم اليومية فيأتي دور الأديب ليسكب من معينه في دورق الكتاب شرط أن يكون إبداعه هذا ملامساً لمكنونات القلب والعقل بعيداً عن التهويل أو المبالغة غير المقبولة إلا إن كان ما يخطه مندرجاً بشكل كامل في إطار (أدب الخيال)، ولهذا حديث آخر قد نتطرق إليه يومأً ما.
وقد لعب الأدب دوراً كبيراً منذ أن ابتكر الإنسان الأوغاريتي في سوريا الأبجدية الأولى قبل سبعة آلاف عام، وكانت الكتابة ساعتذاك تتم على الألواح الفخارية وتسمى (الرُقم)، فقام الإنسان الأوغاريتي بتسجيل أمور مملكته وعلاقاتها وحروبها بطريقة أقرب إلى الرواية الأدبية، ولعل من أبرز الاكتشافات التي تمت في القرن الحادي والعشرين هو ذلك اللوح الفخاري الذي تم عليه تدوين أقدم مقطوعة موسيقية في أوغاريت السورية وقام الموسيقار السوري العالمي (مالك جندلي) قبل عام ونصف بتقديمها على مختلف مسارح العالم وهي بعنوان (أصداء من أوغاريت).
كما اكتشفت العديد من الرقم المسمارية في بلاد ما بين النهرين (العراق) فيها العديد العديد من القصص والروايات الأدبية الساحرة والتي تصور لنا كيف كان الإنسان يعيش ويفكر قبل خمسة آلاف عام، ولعل أبرز تلك المكزونات الأدبية الخالدة (ملحمة جلجامش) التي تروي قصة الملك جلجامش وصديقه أنكيدو في رحلة البحث عن أكسير الخلود، وما يمران به من مصاعب و حكايات تعتبر إلى الآن من أهم ما أنجبه الأدب الإنساني على مر العصور.
ومن منا لم يسمع بألف ليلة وليلة هذه التحفة الأدبية الخالدة والتي تمت ترجمتها إلى مختلف اللغات الحية، ومن لم يسمع بشهريار وشهرزاد وقصصها التي لا تنتهي والتي تركت أثرها في كبار الفنانين وصناع السينما والتلفاز، ولعل أبرز تلك الشخصيات التي أثر بها كتاب ألف ليلة وليلة هو الموسيقار الروسي العالمي نيكولاي ريمسكي كورساكوف الذي أبدع سيمفونيته الشهيرة (شهرزاد) جراء التأثير الكبير الذي خلفته قصص ألف ليلة وليلة في نفسه فكانت من أروع ما قدمته الموسيقا العالمية.
برع العرب أدبياً في الشعر وقد ظل حتى مطلع القرن العشرين (ديوان العرب) يحمل أخبارهم وقصصهم ورواياتهم التي لا تنتهي، وقد بز العرب جميع الشعوب شعرياً فالعرب لم تعرف فن الرواية او القصة إلا مع بداية حركة الترجمة قبل مائة عام أو أكثر بقليل، لذا فقد كان الشعر تحفة العرب الأدبية وسيبقى على الدوام فقد تفردوا بأوزانه وبحوره وحملوه من المعاني ما تعجز اللغات الأخرى عنها نظراً لمرونة لغة الضاد وقدرة أحرفها على الحركة بعكس اللغات الأخرى التي تحددها الحركة والسكون فقط، ففي حين قد ترد كلمة (كَتَبَ) في اللغة العربية وفيها ثلاثة أحرف متحركة دون سكون، لا يمكن أن نجد هذه الخاصية في أي لغة أخرى وما سنجده فقط حركة وسكون وهنا يصح كمثال أي كلمة في أي لغة أجنبية.
إن هذا الغنى الذي تتمتع به اللغة العربية والرشاقة الحركية ـ إن جاز التعبيرـ جعلها وعاء ولا أروع بالنسبة للشعر فظهرت المعلقات وقصائد الجاهلية وقصائد العصر الإسلامي والعصر الأموي والعباسي فكانت درراً تفخر بها المكتبة العربية فها هو امرؤ القيس يناجي عنترة، وحسان بن ثابت يقول لأبي تمام، والمتنبي وأبو فراس الحمداني يتسيدان السيف والقلم، وغيرهم المئات من فحولنا الشعراء الذين تركوا للبشرية أجمل المعاني وأبدع القصص بأسلوب يكاد يكون معجزاً، فبحور الشعر العربي لا تختلف عن البحار الحقيقية، إذ أنها صعبة وقاسية ومن لم يكن بحاراً وسباحاً ماهراً تغرقه في لججها.
وفي العصر الحديث لم يعد إبداع العرب الأدبي مقتصراً على الشعر وحسب بل برز في مختلف أرجاء الوطن العربي مجموعة من الروائيين وكتاب القصة القصيرة وغيرها من الفنون الأدبية التي قدمت صورة ناصعة عن المرحلة حيث استمر هذا الازدهار الأدبي حتى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ومن أبرز الروائيين وكتاب القصة في تلك المرحلة نذكر حنا مينا، نجيب محفوظ ، الطيب صالح، حيدر حيدر، زكريا تامر، سعيد حورانية، أنيس منصور، وليد إخلاصي، وغيرهم الكثير من الأدباء العرب الرائعين الذين استطاعوا أن يقدموا صورة عن المجتمع العربي في تلك المرحلة وقد ترجمت رواياتهم وقصصهم إلى مختلف اللغات الأجنبية.
ولو أردنا أن نسهب في الحديث عن الأدب وانعكاس أثره الكبير على الفرد والمجتمع بشكل عام لأخذ الحديث منا وقتاً طويلاً جداً ولدخلنا في حيثيات متعددة ومتشعبة قدر ما للأدب من فروع غزيرة ومتنوعة غير أننا سنكتفي بالتذكير أن رقي الأدب وارتقاءه دليل واضح على نهوض المجتمع وتبؤه مكانة مرموقة بين المجتمعات والعكس صحيح، فعندما ينحط مستوى الأدب فهذا دليل على أن المجتمع يعاني من تخلف في مختلف المجالات.
ختاماً لا بد من القول إننا وعلى الرغم من أننا أمة إقرأ..ولكن وللأسف الشديد فإن واقعنا الراهن لا يسر سوى الأعداء، فنسبة الأمية منتشرة في ارجاء الوطن العربي بطريقة مرعبة وقد تصل إلى أكثر من ثلاثين بالمائة، وحركة التأليف والترجمة في أدنى المستويات العالمية، وما هذا سوى انعكاس صارخ لواقعنا المؤلم الذي يتجه بسرعة قياسية نحو المجهول في غياب التخطيط والإدارة.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)