عرضنا في العددين السابقين (343) لشهر أكتوبر و (344) لشهر نوفمبر ملخصاً عن الفصل الأول والثاني لكتاب مهارات التواصل بين الأفراد في العمل والذي يهدف إلى فهم طبيعة مهارات التواصل بين الأفراد من منظور تاريخي، تقديم صورة متكاملة عن الطرق التي تم تبنيها لدراسة التفاعل الاجتماعي بين الأفراد وكيفية تعلم مهارات التواصل والطبيعة الهرمية لمهارات التواصل بين الافراد.
وسنتطرق في هذا العدد لملخص عن الفصل الثالث الذي يبحر فيه الكاتب حول طرائق الوعي بالذات والأخرين وعلاقتهما بتطوير كفاءة التواصل بين الأفراد
الوعي بالذات والأخرين وعلاقتهما بتطوير كفاءة التواصل بين الأفراد
يهدف الفصل الثالث من الكتاب إلى توضيح الكيفية التي تؤثر فيها المعتقدات والقيم والافتراضات والنظريات الذاتية أو الشخصية حول التفاعل الاجتماعي على مهارة التواصل بين الأفراد ويتضمن هذا الأمر إدراك الكيفية أو الطريقة التي يؤثر بها الوعي بالذات على قدرة الفرد على قراءة سلوكيات الأخرين وتحديد ما يجب القيام به لكي يحقق الفرد الأهداف التي يريدها حتى تنعكس على أدائه الاجتماعي بشكل عام لاحقاً.
لماذا الوعي بالذات مهم؟
الوعي بالذات مرتبط بشكل قوي مع الطريقة التي نقرأ فيها سلوكيات الأخرين مسببة تصرفاتنا تجاههم وأداءنا الاجتماعي عامة والأفراد الذين لديهم وعي عال بذاتهم يعرفون بشكل جيد كيف توجه قيمهم، أفكارهم، أقوالهم وتصرفاتهم وهذه المعرفة بالذات تمنح هؤلاء الأفراد القدرة على معرفة نقاط ضعفهم وكيف تؤثر انطباعاتهم الأولية وبالتالي محاولة تلافيها واستخدام أساليب بديلة في التصرف.
وعندما ننظر للأفراد نجد أن بعضهم ليس على وعي كبير بذاته وقد أشار أرجاريس (Argyris, 1982) إلى أن الأفراد ومن خلال الخبرة الاجتماعية يكتسبون نوعين من النظريات للتعامل مع الأخرين وهما:
النظرية المتبناة:
تشير هذه النظرية إلى تلك المعتقدات والقيم الأعلى الموجودة لدينا ونطالب الطرف الأخر باتباعها ونكون على وعي عال بهذه المعتقدات كونها دائمة الحضور في التعليم الذي نتلقاه أو الكتب التي نقرأها وغالبا ما تكون هذه الأفكار والمعتقدات موجودة وتتم ممارستها من قبل الأشخاص الذين نحترمهم. ولذلك فإن هذه الأفكار او المعتقدات مصدر توجيهنا ويتم تنفيذها بدون تفكير وبدون أي شك في مدى صحتها في طريقة التعامل مع الأخرين.
النظرية المستخدمة:
يشير هذا النوع من النظريات إلى تلك الأفكار والمعتقدات التي تقف خلف سلوكياتنا وليست المثالية والتي نكون على غير وعي بها في الغالب وتنتج هذه النظريات نتيجة زمن طويل من الاشتراطات الاجتماعية والذي غالبا ما نكون غير مدركين لحجم تأثيرها على سلوكياتنا الاجتماعية مع الأخرين.
ونجد أن الأفراد الذين لديهم تناغم كبير بين نظرياتهم المتبناة والمستخدمة في واقع الأمر لديهم قدرة أعلى على قراءة سلوكيات الأخرين واختيار التصرف المناسب. لكن الأفراد الذين لديهم تباعد بين النظريتين نجد أنهم يعانون من عدد من المشكلات فمثلا قد يقتنع أحد المدراء نموذج القيادة التشاركية إلا أنه في واقع الأمر لا يأخذ برأي الأخرين أو بردود أفعالهم بعين الاعتبار وقد يعتقد أنه قد قام باستشارة من حوله لكنه في واقع الأمر كان فاشلا في الاستماع إليهم بالشكل الصحيح
الوعي بالأخرين:
حتى نكون ماهرين في قراءة سلوكيات الأخرين، علينا في البداية أن نفهم ” من نحن ” وماذا نعتقد، ما هو الشيء المهم بالنسبة لنا وكيف يؤثر ذك على الطريقة التي نرى بها العالم المحيط بنا بما فيه من علاقات وأفراد نقابلهم ونتفاعل معهم وعلينا أيضا أن نفهم الطريقة التي يدركنا بها الأخرون وكيف يؤثر هذا الإدراك على الطريقة التي يتصرفون بها معنا.
قراءة سلوكيات الأخرين:
إن الطريقة التي ندرك بها الأخرين تتأثر إلى حد كبير بانتباهنا الانتقائي والذي ننتبه من خلاله إلى بعض العناصر في الموقف ونهمل العناصر الأخرى .وهذه الانتقائية تتأثر بعوامل عديدة داخلية وخارجية وما نريد التركيز عليه في هذ الجزء هو العوامل الداخلية ودورها في الحكم على الأخرين وأحد هذه العوامل الداخلية هو معتقداتنا و قيمنا على سبيل المثال قد تكون أحد معتقداتنا تدور حول رفع مكانة الأشخاص القادرين على الفعل وتحقيق الأمور كما يمكن أن نعتقد أن مثل هؤلاء الأشخاص يتميزون بقدرة عالية على تأكيد الذات يحتاجون دائما إلى السيطرة والأخذ بزمام الأمور وتكون أساليبهم في القيادة موجهة نحو إنجاز المهمات.
وإن مثل هذه الاعتقادات سوف تؤثر على الطريقة التي تدرك فيها الناس الأخرين كما انها تؤثر على نوع الأسئلة التي تطرحها حول من هم الأفراد الأكثر فعالية وهذه المعتقدات قد تؤثر على نوعية المعلومات التي نتنبه إليها أثناء محاولة تقييم الأخرين بحيث نتنبه فقط إلى تلك الخصائص التي نعتقد أنها الأهم في المفاضلة بين الناس. وسينتهي بنا الأمر هنا إلى التركيز على الخصائص التي نرغبها، ونهمل السمات أو القدرات الأخرى كأن يكون هؤلاء الأشخاص لطيفين أو أنهم يعطون أتباعهم الثقة للتصرف بالطريقة التي يرغبونها.
الطريقة التي ندرك بها الأخرين تؤثر على الطريقة التي نقرأ بها سلوكياتهم كما انها تؤثر على الطريقة التي نتصرف بها معهم فمثلا إذا كلفنا بمسؤولية الإشراف و إدارة مجموعة مبرمجي حاسوب و لاحظنا أن شخصا يضع وشماً على ذراعه فإن الصورة النمطية عن مثل هؤلاء الأشخاص تقفز إلى أذهاننا ونبدأ بأخذ انطباع مغلوط عنه أنه يمكن أن يكون شخصا لا يعتمد عليه وبالتالي سوف تتأثر ردود فعلنا تجاهه بهذه الأفكار وتؤثر على سلوكياتنا نحوه ، وتبعات هذا الاعتقاد ستكون كبيرة فإذا أخذنا انطباعا بان هذا الشخص هو أقل أفراد المجموعة اعتمادا، نبدأ في مراقبته بشكل دقيق وإذا كان هذا النوع لا يحب المراقبة فإن ردة فعله قد تكون في فقدانه الحماس والدافعية للعمل وإن الاستجابة السلبية منه تم استثارتها بالأصل من سلوكياتنا معه التي بنيت أصلا على صورة نمطية مغلوطة وقد تكون هذه الصورة مختلفة تماما عما لو أننا أدركناه بطريقة مختلفة ولم نعتمد على انطباع نمطي خاطئ .وحتى نستطيع تحسين قدراتنا على قراءة الأخرين و استخدام هذه الانطباعات بشكل جيد في تصرفاتنا فإن علينا أن نعرف ما المعلومات التي يجب أن نهتم بمعرفتها عن الأخرين كما يجب أن نعرف الافتراضات التي نبنيها حول الطريقة التي ترتبط بها السمات الشخصية مع بعضها البعض و التصنيفات التي نضع فيها الأشخاص بناءً عليها .
الوعي بالطريقة التي يدركنا بها الأخرون:
وحتى نرى صورة كلية عن الموقف التفاعلي فإننا نحتاج لمعرفة الطريقة التي يدركنا بها الأخرون والناس المختلفون يستخدمون مناهج مختلفة لإدراك الأخرين وأن الأشخاص الذين نتعامل معهم قد يسألون عنا أسئلة مختلفة عن تلك التي نسألها نحن عنهم. وبمعنى اَخر فإن المعلومات التي يهتم الأخرون بمعرفتها عنا قد تختلف عن المعلومات التي نهتم بمعرفتها عنهم. وكذلك فإن معرفتنا بأفكارهم وقيمهم واتجاهاتهم قد تساعدنا بشكل كبير على تفهم مقاصد سلوكياتهم وكيف يدركوننا وكيف يمكن ان تكون الطريقة المثلى للاستجابة لهم قولاً وفعلاً.
تطوير القدرة على الوعي بالذات:
كلما كان وعي الفرد بقيمته ومعتقداته أعلى كلما زادت قدرته على قراءة سلوكيات الأخرين الحقيقية أو المتوقعة، كما أنه يكون ذا قدرة على اختيار التصرف المناسب حسب معطيات الموقف.
إن إحدى الطرق الأكثر فعالية لتطوير مهارات التواصل مع الأخرين هي مراقبة الطريقة التي نتصرف بها في المواقف اليومية ويتم ذلك من خلال مراقبة سلوكياتنا التفاعلية مع الأخرين وتسجيلها بشكل دقيق وقد يحتاج هذا الأمر إلى طرق مراقبة فوقية لسلوكياتنا.
اعتبر نفسك في موقف تفاعلي تحاول فيه تقديم مساعدة إلى شخص اَخر
- ماهي طريقتك في تقديم المساعدة؟ هل تبدأ بالاستماع للشخص الاَخر وهو يعرض المشكلة حتى تصل إلى الدرجة التي تكون واثقاً فيها أنك أنت والطرف الأخر لديكما فهم كامل للمشكلة وما يجب عليه عمله لكي بقوم بحل هذه المشكلة حلاً عملياً.
- ما هو السبب الذي يجعلك تتصرف بالطريقة التي اخترتها؟ عندما تحدد الطريقة التي تعتقد أنها الأفضل، وضح السبب الذي من الممن أن يقف خلف هذه الطريقة.
- أعط بعض النتائج التي من الممكن أن تحصل عليها وإذا كنت تعتقد أن هذا السبب هو الذي يدفعك للتصرف بطريقة معينة، بين ماذا يمكن أن تحصل عليه من نتائج من خلال هذا التصرف.
- ما هو الانطباع الذي بنيته عن الشخص الأخر؟
- ما المعلومات التي اعتمدت عليها لبناء هذا الانطباع؟
- حاول ألا تأخذ الانطباع الذي بنيته كحقيقة ثابتة بل اعتبرها أنها احتمال وأنك تريد فحصه ماذا ستعمل للحصول على معلومات إضافية؟
- راقب نفسك هل كنت تبحث عن معلومات إضافية لتؤكد صحة انطباعك الأولي أم أنك تسعى للحصول على معلومات مختلفة نوعياً.
يتبع في العدد القادم،
(*) صدرت الطبعة الأولى للكتاب سنة 2011، والثانية 2016 عن دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة بالأردن بدعم من الجامعة الأردنية وأتت في 488 صفحة من القطع العادي (17 في 24 سم) والتجليد فني فاخر بالورق المقوى.
هشام محمد كتامي،
الجنسية: مغربي ،
الإقامة: الشارقة ،
الإمارات العربية المتحدة المتحرك:00971503078161،
البريد الالكتروني: [email protected]،
حاصل على دبلوم معهد خاص إشراف فرنسي في مجال التربية الخاصة بالمملكة المغربية سنة 1999.
دراسة جامعية علوم اقتصادية، قانونية وإنسانية في جامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية.
التحق ببرنامج تدريبي لتأهيل الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في جامعة الشارقة (من 7 سبتمبر 2010 إلى 4 مايو 2011).
سكرتير تنفيذي في الإدارة العامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية منذ 2006 حتى تاريخه.
سكرتير تحرير مجلة المنال الالكترونية.
عضو الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2011 حتى أغسطس 2020.
عضو ناشط في فريق الإعلام الاجتماعي ومهتم بمجال الإعلام والتسويق.
عضو بمنظمة الطفل العربي.
عضو متطوع بمؤسسة تكاثف.
عضو فريق الصحة والسلامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
عضو متطوع في اكسبو 2020 الإمارات العربية المتحدة.
ملتحق بدورة تدريب مدربين وحاصل على شهادة مدرب معتمد من جامعة عجمان بالإمارات العربية المتحدة وعضوية تدريب صادرة من American east coast university
خبرة عملية سابقاً في التنسيق والاستقبال والتنظيم لمدة خمس سنوات في تلفزيون القناة الثانية بالمملكة المغربية وخبرة عملية في الاستقبال بفندق قصر المامونية بمدينة مراكش بالمملكة المغربية.
منسق عام لرابطة التوعية البيئية لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2008 حتى أغسطس 2020.