الاستماع إلى الرسائل غير اللفظية
تطرقنا في العدد السابق (346) لملخص عن الفصل الرابع الذي ربط الاستماع مع العوامل التي تؤثر على قدراتنا على الاستماع الفعال وأهم المهارات التي يمكنها مساعدتنا لتطوير الاستماع. ونستعرض خلال الفصل الخامس مهارة الاستماع للرسائل غير اللفظية:
الاستماع إلى الرسائل اللفظية
يهدف هذا الفصل إلى توضيح مفهوم الرسائل غير اللفظية، وكيف أن الانتباه إلى مثل هذا النوع من الرسائل يقوي قدرة الفرد على تشخيص الحالة الانفعالية التي يمر بها الآخرون بشكل صحيح وبشكل يساعدنا على فهم نواياهم الحقيقية حيث يتضمن الاستماع أموراً أكثر من مجرد فهم ما يصل الأذنين. إن الكلمات المنطوقة ليست هي الطريقة الوحيدة التي يتبعها البشر لإيصال المعلومات إلى الآخرين فسرعة الحديث، ونبرة الصوت كلها تحتوي على معلومات تعطي معاني مختلفة للكلمات المنطوقة كما أن لطريقة اللباس والرموز التي تعطيها والاتصال البصري وحركات الجسم معاني في غاية الأهمية. إن الشخص الذي يستمع فقط إلى الكلمات المنطوقة دون الالتفات إلى الرموز غير اللفظية أو خصائص الصوت سوف يفقد الكثير من المعلومات المهمة، وسوف يكون فهمه للرسائل اللفظية منقوصاً.
العلاقة بين الرسائل اللفظية وغير اللفظية
أشار كل من أرجايل وكندون (1967 Aregyle & kendon) إلى أن طريقة نطق الكلمات تعتمد بشكل كبير على الإشارات غير اللفظية والتي تعمل على ديمومة الانتباه بين المستمع والمتكلم والتعاقب المتناغم في الحديث بينهما، وتضيف معلومات غنية إلى الكلمات التي يتم تناقلها بين الطرفين ثم توضيح العلاقة بين الرسائل اللفظية وغير اللفظية أيضاً من خلال ما بيّنه ناب (1978 knapp) الذي أشار إلى ستة أنواع مختلفة من الاستخدامات للرسائل غير اللفظية أثناء الحديث هذه الاستخدامات هي:
- التكرار: إن الإشارات غير اللفظية تعمل في كثير من الأحيان على تكرار ما تم قوله لفظياً على سبيل المثال أثناء إخبار أحد الأشخاص عن مكان محطة الباص فإن المتكلم عادة ما يشير بيده إلى اتجاه المحطة.
- التناقض: في بعض الأحيان يتم استخدام الرسائل غير اللفظية لتناقض الرسائل اللفظية على سبيل المثال الشخص الذي يضرب بيده بشدة على الطاولة، ويقول أنا لست غاضباً.
- التعويض: في بعض الأحيان يتم استخدام الرسائل غير اللفظية بدلاً من الرسائل اللفظية فمثلاً للإجابة عن سؤال زميلك كيف كانت المقابلة معك؟ قد تستخدم حركة الابهام المرفوع إلى أعلى أو إلى أسفل لتعبر عن الكيفية التي سارت بها أمور المقابلة دون أن تتكلم وعندما تفشل الإشارات غير اللفظية فإن الشخص يلجأ إلى الكلمات اللفظية لكي يوضح رسالته، لذلك يمكن أن تكون الرسائل غير اللفظية طريقة لطيفة لأخبار الشخص بأمور قد يكون من الصعب أن يتم إخباره بها لفظياً.
- التكميل: يمكن أن تقوم الرسائل غير اللفظية بتوضيح الرسائل اللفظية أو تعديلها على سبيل المثال، انحناءة بسيطة للجزء العلوي من الجسد مع ابتسامة لطيفة من قبل مديرك قد توحي لك بأنه راض عما قلته لفظياً بينما إذا كانت استجابة المدير باردة وفيها الكثير من النقد فإن انزعاجك سوف يظهر عليك دون أن تقول وذلك من خلال تعبيرات وجهك ووضع الجسم عندك.
- التشديد: تستخدم الإشارات غير اللفظية في بعض الأحيان للتأكيد أو التشديد على جزء من الكلام لإثارة انتباه المستمع إليه مثلاً قد يتم هز يتم الرأس، أو إعطاء رمز معين للتأكيد على جزء من الكلام المنطوق.
- التنظيم: تستخدم الرسائل غير اللفظية في بعض الأحيان لتعمل على تنظيم تدفق الحديث بين الأفراد. إن مهارة تنظيم الحديث هي مهارة مهمة بالنسبة للمستمع والمتكلم، لأنها تعمل على زيادة فهم الرسائل اللفظية كثيراً ما يتم استخدام ألفاظ شعبية لتعبر عن امتعاض الشخص من عدم استخدام إشارات لتنظيم تدفق حديثه مثل: (فلان لا يضع فواصل في حديثه / أو فلان عندما تتكلم معه كأنك تتكلم مع حائط).
إن كثيراً من الإشارات غير اللفظية يمكن أن تستخدم لتعطي المستمع إشارات أين يجب أن يتوقف، ومتى يكمل، ومتى يجب عليه الانتباه وهكذا أشار ارجايل (1971Argule,) بناءً على تجارب مخبرية قام بها آخرون إلى بعض النقاط المهمة في عملية استخدام الإشارات غير اللفظية لتنظيم الحديث، هذه الإشارات هي:
- إشارات تستخدم لإفهام المتحدث أن المستمع يرغب في أخذ زمام الحديث على سبيل المثال، تعبيرات المستمع التي توحي بعدم الصبر، مثل هز الرأس مرات متتالية.
- إشارات تستخدم لإظهار أن المتحدث يرغب في البقاء في التحدث، مثلاً: رفع درجة الصوت، وضم اليد وهزها في نهاية الجملة.
- إشارات تستخدم لإظهار أن المتحدث يرغب في التخلي عن زمام الحديث على سبيل المثال المتكلم الذي ينظر إلى المستمع ويقول في نهاية الجملة: (كما تعلم) توحي بأن المتكلم يرغب من المستمع بإكمال الحديث.
- إشارات تستخدم عندما يريد المستمع أن يرفض محتوى الحديث على سبيل المثال هز الرأس مع ضحكة عندما يتوقف الآخرون قد توحي أن المستمع لم يعجب بما قاله المتحدث.
التعبير عن المشاعر
على الرغم من أن بالتون أشار إلى وجود تداخل كبير بين المعلومات التي تقدم لفظياً أو غير لفظي إلا أنه أشار إلى أن الكلمات المنطوقة هي أفضل وسيلة للتعبير عن المعلومات التي تتعلق بالحقائق بينما المعلومات غير اللفظية هي أفضل وسيلة للتعبير عن الانفعالات.
ويلجأ بعض الناس إلى اظهار مشاعره بقوة لكي يؤثر في الآخرين فيظهر على سبيل المثال حزنه أو غضبه الشديدين، لكن العديد من الأشخاص يعملون على إخفاء مشاعرهم والعمل على عدم اظهارها.
ويتجلى هذا الامر بوضوح عندما يعتقد أولئك الناس أن التعبير عن مشاعرهم سيكون ذا تأثير سلبي عليهم على سبيل المثال ربما يعتقد المرشح لوظيفة إدارية عليا أن إظهار سرعة انفعاله أو غضبه أو مزاجه سيؤدي إلى عدم اختياره لتلك الوظيفة.
يجد معظمنا أن عملية التحكم في الكلمات المنطوقة أسهل بكثير من عملية التحكم بالسلوك أو الرسائل غير اللفظية حيث أن الإشارات غير اللفظية التي تظهرها أثناء الحديث تعد مصدر معلومات غنياً عن الحالة الانفعالية (مثل الغضب) أو اتجاهاتنا نحو الأفراد الآخرين (مثل أن يكون شخص غاضب من شخص معين). إن أصعب الإشارات غير اللفظية في التحكم هي تلك الإشارات التي تظهر علينا بطريقة آلية، مثل احمرار الخدود عند موقف محرج أو تغير لون البشرة عند الغضب مثلاً.
إن ملاحظة الإشارات غير اللفظية التي تظهر على المتكلم هي من صفات المستمع الجيد لأنها توفر له العديد من التلميحات حول ما يشعر به المتكلم في تلك اللحظة. علق دي باولو (1992 (Depaulo,على هذا الأمر، وقال يمكن للأفراد التزام الصمت وعدم النطق بأية كلمة، لكنهم من الصعب عليهم أن يخفوا تعبيراتهم غير اللفظية وعلى الرغم من أن الإشارات غير اللفظية تعد مصدراً غنياً للمعلومات إلا أنه يجب أخذها بعناية فائقة خصوصاً عند محاولة تفسيرها، لأن كثيراً من الناس يخطئون في تفسير المعنى الحقيقي هذه الرسالة.
تحديد معنى الإشارات غير اللفظية
إن على المستمع أن ينتبه إلى كل من الكلمات اللفظية والإشارات غير اللفظية حيث إذا تم أخذهما بشكل منفصل فإن المستمع يجد صعوبة كبيرة في تحديد معنى الرسالة غير اللفظية لأن الإشارة غير اللفظية قد تحمل أكثر من معنى، ولها أكثر من استخدام كما أشار إلى ذلك ناب (Knapp, 1978) على سبيل المثال الابتسامة قد تكون جزءاً من رسالة لفظية ذات معان مختلفة، فقد تكون جزءاً من حالة انفعالية (أنا سعيد)،، أو رسالة تعبر عن اتجاه معين (أنا أحبك)، أو جزءاً من تقديم الذات (أنا نوع من الأشخاص الذين سيعجب به زبائنك)، أو وسيلة من وسائل المستمع لديمومة التواصل بينه وبين المتكلم والتي تقول (أنا مهتم بما تقوله).
تمييز الانفعالات
يعطي الفرد منا الكثير من الاهتمام لتعبيرات وجوه الآخرين، نظراً لما تزودنا به الوجوه من معلومات غنية عن التعبيرات الانفعالية وإشارات التفاعل. والعديد من الدراسات حاولت تحديد التعبيرات الانفعالية التي تظهر على الوجه والتي يمكن لأي شخص أن يميزها ويميز معناها.
في واقع الأمر إن قراءة تعبيرات الوجه أصعب مما يظنه كثير من الناس، وتعود هذه الصعوبة إلى أن الفرد يستطيع إعطاء أكثر من تعبير في الوقت نفسه، مما يؤدي إلى تداخل التعبيرات، وبالتالي صعوبة تفسيرها مثل (التعبير عن خيبة الأمل والغضب في اللحظة نفسها).
تخيل هذا السيناريو. قمت بإجراء الحديث مع زميل لك في العمل، ولكنه لم يجبك. سوف تميز هنا أن هذا السلوك غير طبيعي، لأنك تتكلم معه في العادة لفترات طويلة ولم يحدث أن لم يستجب لك (مرحلة تمييز السلوك). سوف تبدأ هنا بالبحث عن إشارات أخرى لتعرف من خلالها أن عدم استجابة، فإذا لاحظت أن زميلك عندما كلمته أدار وجهه وأغلق درج المكتب بعصبية وخرج من المكتب دون أية كلمة، فإن ذلك سوف يساعدك بشكل كبير على تكوين صورة أولية عن الموقف، والذي يمكن لك أن تفسره على أن زميلك غاضب منك بسبب شيء قمت به.
يتبع في العدد القادم،
(*) صدرت الطبعة الأولى للكتاب سنة 2011، والثانية 2016 عن دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة بالأردن بدعم من الجامعة الأردنية وأتت في 488 صفحة من القطع العادي (17 في 24 سم) والتجليد فني فاخر بالورق المقوى.
هشام محمد كتامي،
الجنسية: مغربي ،
الإقامة: الشارقة ،
الإمارات العربية المتحدة المتحرك:00971503078161،
البريد الالكتروني: [email protected]،
حاصل على دبلوم معهد خاص إشراف فرنسي في مجال التربية الخاصة بالمملكة المغربية سنة 1999.
دراسة جامعية علوم اقتصادية، قانونية وإنسانية في جامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية.
التحق ببرنامج تدريبي لتأهيل الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في جامعة الشارقة (من 7 سبتمبر 2010 إلى 4 مايو 2011).
سكرتير تنفيذي في الإدارة العامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية منذ 2006 حتى تاريخه.
سكرتير تحرير مجلة المنال الالكترونية.
عضو الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2011 حتى أغسطس 2020.
عضو ناشط في فريق الإعلام الاجتماعي ومهتم بمجال الإعلام والتسويق.
عضو بمنظمة الطفل العربي.
عضو متطوع بمؤسسة تكاثف.
عضو فريق الصحة والسلامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
عضو متطوع في اكسبو 2020 الإمارات العربية المتحدة.
ملتحق بدورة تدريب مدربين وحاصل على شهادة مدرب معتمد من جامعة عجمان بالإمارات العربية المتحدة وعضوية تدريب صادرة من American east coast university
خبرة عملية سابقاً في التنسيق والاستقبال والتنظيم لمدة خمس سنوات في تلفزيون القناة الثانية بالمملكة المغربية وخبرة عملية في الاستقبال بفندق قصر المامونية بمدينة مراكش بالمملكة المغربية.
منسق عام لرابطة التوعية البيئية لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2008 حتى أغسطس 2020.