الحصول على المعلومات من خلال المقابلة
يتناول هذا الفصل السادس من مهارات التواصل بين الأفراد في العمل الطريقة التي يتم من خلالها الحصول على المعلومات من الاَخرين في سياق ما يسمى بالمقابلة إحدى التعريفات الشائعة للمقابلة حيث تقول إن المقابلة هي حوار ذو هدف إلا أن مشكلة هذا التعريف تكمن في عموميته العالية، فالحوار الهادف يمكن أن يضم العديد من الأشياء غير المقابلة مثل جلسات الإرشاد والاستشارات أو حتى جلسات المفاوضات.
تم في هذا الفصل تبنى تعريف أكثر تحديداً للمقابلة وتم تعريف المقابلة على أنها موقف تفاعلي وجهاً لوجه يقوم فيه فرد ما بالحصول على معلومات من فرد آخر وتكون المقابلة في الغالب ذات أهمية وتساعدنا في الحصول على معلومات مهمة مثل:
- تقدير مدى ملاءمة شخص معين لوظيفة ما
- تحديد السبب من وراء عدم رضا عميل عن منتج ما
- بناء توقعات حول ردود فعل الموظفين نحو قانون جديد سيتم إصداره مثل تعليمات العمل الإضافي
- التأكد من إحدى المطالبات المالية غير المبررة
عندما نخوض في الحديث في مثل هذا الموضوع من التفاعل فإننا غالباً ما نكون غير مهتمين بالحصول على معلومات يرغب الآخرون بإعطائها لنا نظراً لاعتقادنا أنها لا تخدم الهدف من المقابلة أو لأننا لا نملك الوقت الكافي للاستماع. لذلك فإن المقابل المحترف هو الشخص الذي يدير موقف المقابلة بطريقة تمكنه من تقليل إعطاء المعلومات غير المفيدة إلى أقل قدر ممكن ورفع إعطاء المعلومات ذات العلاقة إلى أقصى حد ممكن وفي أقل وقت متاح. فالعديد منا خاض في محادثات طويلة وغير محددة وكثيراً ما وجدنا أنفسنا غير قادرين على إدارة مقابلة بشكل فعال بحيث يؤدي ذلك إلى أن يقوم المستجيب بالحديث بشكل مطول عن أشياء ليس لها علاقة بموضوع المقابلة. حيث أن المقابلة التي تهدف إلى الحصول على المعلومات ليست بالضرورة أن تكون محصورة فقط في البحث عن الحقائق، حيث يوضح نادلر (1977) أن المقابلة يمكن أن تكون مفيدة للحصول على معلومات مختلفة مثل:
- مقابلة بغرض الوصف: على سبيل المثال، قد يعقد أحد اخصائيي تحليل الأنظمة مقابلات مع موظفي قسم معين من أجل إجراء وصف للطريقة التي يعمل بها القسم.
- مقابلة بغرض التشخيص والتقييم: وهنا قد يعقد أخصائيو تحليل الأنظمة مقابلات مع أفراد معينين بهدف تحديد درجة فاعلية الإجراءات المتبعة.
- مقابلة بعرض تحديد الردود الانفعالية (كالاتجاهات والقيم): فمثلا قد يستنتج أخصائي النظم السابق أن إجراءات النظام فعالة، ولكنه يرغب بإجراء مقابلات لتحديد ما إذا كان الأفراد يحبونه أم لا، وهنا يهدف الشخص الذي يقوم بهذا النوع من المقابلات إلى معرفة المشاعر الإيجابية أو السلبية أو الرضا أو عدم الرضا أو الإحباط أو الشعور بالتحدي، وما شابه ذلك من المشاعر التي ترافق الأنظمة أو الإجراءات.
يمكننا أن نقول وبكلمات أخرى إن المقابلات يمكن أن تستخدم لأهداف عديدة ولجمع معلومات مختلفة بدءاً بالحقائق المجردة، وانتهاءً باتجاهات الناس وأحوالهم ومخاوفهم كما تتضمن المقابلات في بعض الأحيان الطلب من الأفراد الكشف عن أفكارهم واتجاهاتهم التي لم يصرحوا بها في السابق أو لا يشاركون بها الأفراد الاَخرين في العادة.
المقابلة كموقف اجتماعي
تعد المقابلة من المواقف الاجتماعية الصعبة المعقدة، نظراً لكونها تهدف إلى الحصول على معلومات كاملة وصحيحة من طرف آخر وهو أمر يعد في غاية الصعوبة، فإحدى الأساليب التي تستعمل بكثرة في المقابلات هي أن يقوم المقابل بسؤال المستجيب عن بعض النقاط دون أن ينتبه المقابل أن هذا الموقف هو موقف اجتماعي ويجب أن يكون تفاعلياً، وعادة ما يعي المستجيب أثناء المقابلات أن جميع أقواله وأفعاله هي تحت المراقبة وأنه من خلال تصرفاته يتم تكوين أفكار عنه وكردة فعل قد يميل المستجيب إلى عدم ادعاء معلومات كاملة وصحيحة لذلك نجد أن الأفراد الذين يتم مقابلتهم يميلون إلى توجيه الموقف الاجتماعي بطريقة تضمن لهم تحقيق أعلى المكاسب غير آبهين بمساعدة المستجيب لهم على تحقيق هدفه في أن يحصل على أكبر قدر من المعلومات الصحيحة عنهم.
الأخطاء والتحيزات أثناء المقابلات
تستخدم المقابلات في كثير من الأحيان للحصول على معلومات حول موضوعات مختلفة مثل:
- الرغبة في تحديد إذا كأن مشروع معين يسير حسب الخطة أم لا، وإذا لم يكن كذلك فما هي الأسباب المعيقة؟
- أخذ فكرة عن اتجاهات الموظفين ومشاعرهم نحو شيء معين أو شخص ما.
- التنبؤ بالأداء المستقبلي المتوقع لشخص معين كما يحدث أثناء مقابلات التوظيف.
- إن درجة تحقيق المقابلة بالأهداف المتوقعة من وراء اجرائها تتحدد على الأقل بشكل جزئي من خلال دقة المعلومات التي تم الحصول عليها.
أشار كل من خان وكانل قبل خمسة عقود من الزمان في كتابهم الكلاسيكي (ديناميات المقابلة) إلى أن هناك كثيراً من الأخطاء والتحيزات التي تحدث أثناء المقابلات وقدم الباحثون ثلاثة أدلة تشير إلى وجود الأخطاء حيث وجدوا ما يأتي:
- وجود اختلاف حقيقي بين المعلومات المستقاة من المقابلات وتلك المعلومات المستقاة من مصدر أخر حول الموضوع نفسه فعلى سبيل المثال في إحدى الدراسات حول المعونات التي تقدمها الدولة للأسر المحتاجة أشارت النتائج إلى أنه عند سؤال أفراد العائلات من خلال المقابلة عما إذا كانوا يحصلون على معونات من الدولة أم لا امتنع العديد منهم عن إخبار المقابل بهذا الأمر، وذلك رغبة منهم في الحفاظ على ماء الوجه كون الحصول على معونة من الدولة ليس من الأشياء التي يرغب الناس بإظهارها للآخرين. وأشار الباحثون إلى أن البيانات سوف تتغير لو أن السؤال كان يدور حول معلومات أقل حساسية مثل الجنس أو المهنة.
- اختلاف المعلومات المستقاة من مقابلتين مختلفتين للشخص وللموضوع نفسه وقد وجد كنزي في دراسته التي تناولت السلوك الجنسي أنه عندما قام بإعادة المقابلات لمائة وخمسين مستجيباً اختلفت بعض الاستجابات بشكل جذري عند كثير من المستجيبين، وفسر كنزي ذلك بأن المعلومات المستقاة من بعض أسئلة المقابلة الأولى لم تكن دقيقة كباقي الإجابات التي تعود إلى الأسباب التي ناقشناها سابقاً وأن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل السبب في ذلك يعود إلى عدم إعطاء المستجيبين إجابات صحيحة بشكل مقصود ربما بسبب الإحراج أو أنهم فشلوا في استدعاء المعلومات الصحيحة في المقابلة الأولى ونجحوا في المقابلة الثانية.
- اختلاف المعلومات المستقاة من المستجيب نفسه باختلاف الشخص الذي يقوم بالمقابلة.حيث قام شخصان بإجراء مقابلات لثلاثة وعشرين مرشحاً لوظائف معينة وكان الهدف تقييم خبرة الأشخاص والتاريخ العائلي والسمات الشخصية والاجتماعية وأشارت النتائج إلى وجود اختلاف ذي دلالة بين تقييمات المقابلين وبلغ معدل الثبات بين التقييمات (0.71) فقط، ويعود التفسير المحتمل لهذه النتيجة إلى أن المستجيبين كانوا مدفوعين لإعطاء معلومات أكثر لبعض المقيمين. وعلى كل حال وجد بعض الباحثين مثل خان وكانل أن السبب لا يعود دائما للمستجيب فمثلاً في احدى الدراسات حول أسباب عدم الانتظام في العمل والتغيب وجدا أن أحد المقيمين كان ميالاً إلى تقييم الأشخاص بطريقة متشابهة لجميع المستجيبين فكانت النتائج أن أحد المقابلين خرج بسبب يعود إلى الكحول كمسبب رئيسي بينما استنتج مقابل اَخر أن السبب يعود إلى أسباب اجتماعية وحضارية وهذا الأمر يشير إلى أن المقابلين يقومون بإجراء المقابلات ولديهم مبادئ ومفاهيم مسبقة والتي يمكن أن تؤثر على تفسيرهم لما يقوله المستجيبون.
مما سبق نستنتج أن هناك أخطاء وتحيزات يمكن أن تؤثر على المقابلات وأن أسباب هذه الأخطاء والتحيزات تعود إلى أسباب متعددة والتي يمكن تصنيفها بنقطتين:
- تحيزات ناجمة عن أسباب تعود إلى الخصائص الديمغرافية
- تحيزات ناجمة عن أسباب تعود إلى عوامل نفسية
العوامل النفسية
هناك أربعة عوامل نفسية تؤثر على التحيز وعلى نوعية المعلومات المستقاة من المقابلة وهي: الدوافع، الاتجاهات، المعتقدات والحالة الانفعالية:
أولا – الدوافع
قمنا في الفصل الرابع من هذا الكتاب بالإشارة إلى دور الدافعية في التأثير على نوع المعلومات التي ننتبه إليها كمستمعين (مقابلين) وبالطريقة نفسها تؤثر دافعية المستجيب على نوعية المعلومات التي يرغب بإيصالها إلينا وتؤثر دافعية الطرفين في أي موقف اجتماعي على نوعية المعلومات ولكنها تؤثر بطريقة مختلفة على كل طرف فعلي سبيل المثال المدير الذي يقوم بإجراء مقابلة تقييم الأداء السنوي لأحد الموظفين قد يكون مدفوعاً نحو الرغبة في مساعدة الموظف على اكتشاف نقاط ضعفه وقوته والعمل على تطويرها بينما من الممكن أن يكون الموظف الذي يتم تقييمه مدفوعاً نحو هدف اَخر وهو الحصول على زيادة فورية في الأجر وليس تطوير ذاته. ولذلك فإن الموظف في هذه الحالة ربما يكون مدفوعاً نحو تضخيم نقاط قوته وإخفاء نقاط ضعفه قدر الإمكان وهذا التفاوت في الدوافع قد يؤثر على نوعية المعلومات المعطاة ويؤثر على هدف المقابلة الحقيقي وهو اكتشاف نقاط الضعف وتطويرها.
ثانياً – الاتجاهات
حتى لو افترضنا أن المستجيب لديه دافعية للإجابة بشكل صريح وواضح فسوف نجد أن المستجيب لديه اتجاهات مسبقة نحو الأشياء كما أن لديه توقعات وتفضيلات والتي يمكن أن تؤثر على ما يسمعه وتفسر أقوال المتحدث، فعلى سبيل المثال الصحفيون الذين يعدون أنفسهم من دعاة السلام سيجدون أنه من الصعب عليهم عدم تأثير اتجاهاتهم السلمية في تفسير ما يقوله متحدث رسمي باسم أحد مصانع الصواريخ الحربية.
ثالثاً – المعتقدات
كما في المثال السابق سوف نجد أن معتقدات الشخص تؤثر على طريقة تفسير الشخص لما يسمعه من الاَخرين فمثلاً المدير الذي يعتقد أن الموظف لا يعمل بفعالية إلا إذا كان عليه مراقبة حثيثة فسوف تؤثر عليه المعتقدات أثناء مقابلته مع أحد الموظفين لإجراء التقييم السنوي.
رابعاً – الحالة الانفعالية
إن الحالة الانفعالية تؤثر على قدرة الشخص على الانتباه إلى كل المعلومات التي يعطيها المستجيب وقد أشار أوستل (1999) إلى بحث بيّن فيه أن عضو لجنة التقييم السنوي يميل إلى تقييم الموظفين بشكل إيجابي إذا كأن في حالة سعادة، بعكس المقيم الذي يكون وقت المقابلة في حالة اكتئاب أو مزاج سيء.
مهارات المقابلة
تم تعريف المقابل الجيد على أنه الشخص الذي يستخدم مهاراته ويتصرف بطريقة تزيد من فرص إعطاء المستجيب له معلومات صحيحة وكاملة ويقلل قدر الإمكان من إعطاء معلومات مشتتة أو ليست لها علاقة بموضوع المقابلة، لتحقق المقابلة الهدف الأساسي من وراء عقدها، وإن المقابلة الجيدة يجب أن تحتوي على مجموعة من الخطوات الضرورية لضمان نجاحها. وهذه الخطوات تتضمن تحديد الهدف الأساسي من وراء المقابلة ثم مهارات التنظيم والعرض للأسئلة وأخيراً مهارة إنهاء المقابلة.
يتبع في العدد القادم،
(*) صدرت الطبعة الأولى للكتاب سنة 2011، والثانية 2016 عن دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة بالأردن بدعم من الجامعة الأردنية وأتت في 488 صفحة من القطع العادي (17 في 24 سم) والتجليد فني فاخر بالورق المقوى.
هشام محمد كتامي،
الجنسية: مغربي ،
الإقامة: الشارقة ،
الإمارات العربية المتحدة المتحرك:00971503078161،
البريد الالكتروني: [email protected]،
حاصل على دبلوم معهد خاص إشراف فرنسي في مجال التربية الخاصة بالمملكة المغربية سنة 1999.
دراسة جامعية علوم اقتصادية، قانونية وإنسانية في جامعة الحسن الثاني بالمملكة المغربية.
التحق ببرنامج تدريبي لتأهيل الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في جامعة الشارقة (من 7 سبتمبر 2010 إلى 4 مايو 2011).
سكرتير تنفيذي في الإدارة العامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية منذ 2006 حتى تاريخه.
سكرتير تحرير مجلة المنال الالكترونية.
عضو الفريق البحثي لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2011 حتى أغسطس 2020.
عضو ناشط في فريق الإعلام الاجتماعي ومهتم بمجال الإعلام والتسويق.
عضو بمنظمة الطفل العربي.
عضو متطوع بمؤسسة تكاثف.
عضو فريق الصحة والسلامة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
عضو متطوع في اكسبو 2020 الإمارات العربية المتحدة.
ملتحق بدورة تدريب مدربين وحاصل على شهادة مدرب معتمد من جامعة عجمان بالإمارات العربية المتحدة وعضوية تدريب صادرة من American east coast university
خبرة عملية سابقاً في التنسيق والاستقبال والتنظيم لمدة خمس سنوات في تلفزيون القناة الثانية بالمملكة المغربية وخبرة عملية في الاستقبال بفندق قصر المامونية بمدينة مراكش بالمملكة المغربية.
منسق عام لرابطة التوعية البيئية لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية من 2008 حتى أغسطس 2020.