ديبلوماسي وشاعر سوري معاصر، ولد في 21 مارس 1923 لعائلة ثريّة إذ كان والده تاجرًا دمشقيًا معروفًا، ومن أنصار الكتلة الوطنية التي قارعت الانتداب الفرنسي، وبحسب ما يقول في مذكراته، فقد ورث القباني عن أبيه ميله نحو الشعر كما ورث عن عمه أبو خليل القباني حبه للفن بمختلف أشكاله، يقول في مذكراته أيضًا، إنه خلال طفولته كان يحبّ الرسم ولذلك “وجد نفسه بين الخامسة والثانية عشر من عمره غارقًا في بحر من الألوان”، ومن ثم شُغف بالموسيقى، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكنّ الدراسة خصوصًا خلال المرحلة الثانوية، جعلته ينصرف عنها.
درس الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها عام 1945 انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته عام 1966.
وقد أصدر أول دواوينه عام 1944 بعنوان (قالت لي السمراء) وتابع عملية التأليف والنشر، حيث بلغ رصيده خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها “أحبك.. أحبك والبقية تأتي” و”الرسم بالكلمات”.
أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم “منشورات نزار قباني” وكان لدمشق وبيروت حيزًا خاصًا في أشعاره، فمن أجمل ما كتب “القصيدة الدمشقية” و”يا ست الدنيا يا بيروت”، وقد أحدثت حرب 1967 التي أسماها العرب “النكسة” مفترقًا حاسمًا في تجربته، إذ أخرجته عن نمطه التقليدي بوصفه “شاعر الحب والمرأة” لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته “هوامش على دفتر النكسة” عاصفة في الوطن العربي وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.
على الصعيد الشخصي، عرف قبّاني مآس عديدة في حياته، منها انتحار شقيقته عندما كان طفلاً ومقتل زوجته بلقيس خلال تفجير انتحاري في بيروت والتي رثاها بقصيدته الملحمية (بلقيس)، وصولاً إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته “الأمير الخرافي توفيق قباني”، وقد عاش السنوات الأخيرة من حياته في لندن يكتب الشعر السياسي ومن قصائده الأخيرة “متى يعلنون وفاة العرب؟” و”أم كلثوم على قائمة التطبيع”، وقد وافته المنية في 30 أبريل 1998 ودفن في مسقط رأسه، دمشق.
خلال طفولته انتحرت شقيقته، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ولم يكشف عن القصة باكرًا بل قال إنها توفيت بمرض القلب، إلا أن الأديبة السورية كوليت خوري كشفت عكس ذلك، وهو ما ثبت في مذكراته الخاصة أيضًا، إذ كتب: “إن الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره”. كما ارتبط بعلاقة خاصة مع والدته، التي لم تفطمه حتى بلغ السابعة وظلّت تطعمه بيدها حتى الثالثة عشر من عمره.
عام 1939 كان نزار في رحلة بحريّة مع المدرسة إلى روما، حين كتب أولى أبياته الشعريّة متغزلاً بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها، وله من العمر حينها 16 عامًا، ويعتبر تاريخ 15 أغسطس 1939 تاريخًا لميلاد نزار الشعري، كما يقول متابعوه، وفي عام 1941 التحق نزار بكلية الحقوق في جامعة دمشق، ونشر خلال دراسته الحقوق أول دواوينه الشعريّة وهو ديوان “قالت لي السمراء” وقد قام بطباعته على نفقته الخاصة، وقد أثار موضوع ديوانه الأول، جدلاً في الأوساط التعليمية في الجامعة.
العمل الدبلوماسي
تخرج نزار عام 1945 والتحق بوازرة الخارجية السوريّة، وفي العام نفسه عيّن في السفارة السوريّة في القاهرة وله من العمر 22 عامًا، كانت القاهرة حينذاك، تشهد نهضة ثقافية وصحفيّة مميزة، وفيها طبع نزار ثالث دواوينه، الذي لم يكن جريئًا في عنوانه فحسب بل في لغته الشعريّة التي لم تكن مألوفة في ذاك الوقت.
ولما كان العمل الدبلوماسي من شروطه التنقل لا الاستقرار، لم تطل إقامة نزار في القاهرة، فانتقل منها إلى عواصم أخرى مختلفة، فعمل في السفارات السوريّة في أنقرة ولندن (1952 – 1955) ومدريد (1955 – 1959) وبكين (1959 – 1961) وبيروت حتى استقال عام 1966، ليتفرغ للعمل الأدبي.
التفرغ للعمل الأدبي
بعد استقالته انتقل إلى بيروت حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم «منشورات نزار قباني»، وبدأ أولاً بكتابة الشعر العمودي ثم انتقل إلى شعرالتفعيلة، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير، وقد تناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة، ثم تحوّل إلى الشعر السياسي بعد حرب 1967، وأصدر عدة قصائد لاذعة ضد الحكومات والأنظمة العربية عمومًا ومن أبرز قصائد تلك المرحلة (هوامش على دفتر النكسة)، (عنترة) و(يوميات سياف عربي).
آخر سنواته ووفاته
في عام 1982 قتلت زوجته بلقيس خلال تفجير السفارة العراقية في بيروت، فغادر نزار لبنان وكان يتنقل بين باريس وجنيف وأخيرًا في لندن حيث قضى الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حياته، واستمرّ بنشر دواوينه وقصائده المثيرة للجدل خلال فترة التسعينات ومنها (متى يعلنون وفاة العرب؟) و(المهرولون).
في عام 1997 كان قباني يعاني من ترد في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في لندن بسبب أزمة قلبية في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا، وقد أوصى في وصيته أن يتم دفنه في دمشق التي قال عنها: (دمشق.. هي الرحم الذي علمني الشعر، علمني الابداع وعلمني أبجدية الياسمين).
تم دفن قباني في دمشق بعد أربعة أيام، حيث كانت جنازته حاشدة شاركت فيها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب.
الذكرى والانتقاد
قال النقاد عن نزار أنه (مدرسة شعرية) و(حالة اجتماعية وظاهرة ثقافية) وأسماه حسين بن حمزة (رئيس جمهورية الشعر)، كما لقبّه بـ (أحد آباء القصيدة اليومية)، إذ قرّب الشعر من عامة الناس، الأديب المصري أحمد عبد المعطي حجازي وصف نزار بكونه (شاعر حقيقي له لغته الخاصة، إلى جانب كونه جريئًا في لغته واختيار موضوعاته)، لكنه انتقد هذه الجرأة (التي وصلت في المرحلة الأخيرة من قصائده لما يشبه السباب).
الشاعر علي منصور قال أن نزار قد حفر اسمه في الذاكرة الجماعيّة وأنه شكل حالة لدى الجمهور “حتى يمكن اعتباره عمر بن أبي ربيعة في العصر الحديث”، وعن شعره السياسي قال حسين بن حمزة: (أذاق العرب صنوفًا من التقريظ جامعًا بين جلد الذات وجلد الحكام، في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم).
من ناحية ثانية، كانت قصيدته «خبز وحشيش وقمر» سببًا بجدال ضخم انتشر في دمشق ووصل حتى قبة البرلمان، نتيجة اعتراض بعض رجال الدين عليه ومطالبتهم بقتله، فما كان منه إلا أن أعاد نشرها خارج سوريا، وقبل ذلك عام 1946 كتب الشيخ رفاعة الطهطاوي في القاهرة عام 1946، مقالة جاء فيها: (كلامه مطبوع على صفة الشعر، لكنه يشمل على ما يكون بين الفاسق والقارح)، وقال أيضًا: “عنده تجديد في بحور العروض، يختلط فيه البحر البسيط والبحر الأبيض المتوسط، وتجديد في قواعد النحو لأن الناس ملّوا من رفع الفاعل ونصب المفعول”، رغم ذلك قررت محافظة دمشق تسمية الشارع الذي ولد فيه على اسمه، وقد قال نزار إثر قرار المحافظة:
(نزار قباني هذا الشارع الذي أهدته دمشق إليّ، هو هدية العمر وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنّة. تذكروا أنني كنت يومًا ولدًا من أولاد هذا الشارع لعبت فوق حجارته وقطفت أزهاره، وبللت أصابعي بماء نوافيره).
في عام 2008 وبمناسبة الذكرى الخامسة والثمانين لمولده، وتزامنًا مع احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية واليوم العالمي للشعر، طاف محبّو نزار وشخصيات من المجتمع المدني وألقوا في الشوارع والساحات قصائداً له عن عشق دمشق، كما قامت الأمانة العامة للاحتفالية بطبع كتاب تذكاري يؤرخ له بعنوان «نزار قباني قنديل أخضر على باب دمشق» وهو من تأليف خالد حسين.
نماذج شعرية
قصيدة “خبز وحشيش وقمر” التي أثارت رجال الدين في سوريا ضده، وطالبوا بطرده من السلك الدبلوماسي، وانتقلت المعركة إلى البرلمان السوري وكان أول شاعر تناقش قصائده في البرلمان، ومن هذه القصيدة (عندما يُولدُ في الشرقِ القَمرْ.. فالسطوحُ البيضُ تغفو… تحتَ أكداسِ الزَّهرْ.. يتركُ الناسُ الحوانيتَ.. ويمضونَ زُمرْ.. لملاقاةِ القمرْ..)
هوامش على دفتر النكسة
أثارت هذه القصيدة عاصفة شديدة في العالم العربي، وأحدثت جدلاً كبيراً بين المثقفين العرب، ولعنف القصيدة صدر قرار بمنع إذاعة أغاني نزار وأشعاره في الإذاعة والتلفزيون، ومن هذه القصيدة: (إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ لأننا ندخُلها..بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابة.. بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ.. لأننا ندخلها.. بمنطقِ الطبلةِ والربابة).
حرب تشرين
في عام 1974 كتب نزار قصيدته الشهيرة التي يتفاخر يها بنصر حرب تشرين التحريرية وحبه لدمشق ومن هذه القصيدة: (شمس غرناطةَ أطلت علينا… بعد يأس وزغردت ميسلون… يا دمشق البسي دموعي سواراً…..وتمنّي.. فكلُّ شيء يهونُ… وضعي طَرحَةَ العروس لأجلي… إنَّ مَهْرَ المُناضلات ثمينُ.. نحنُ عكا ونحنُ كرمل حيفا… وجبال الجليل.. واللطرونُ.. كل ليمونة ستنجب طفلاً… ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ).
شعره الغنائي
على مدى 50 عاماً كان أهم المطربين العرب يتسابقون للحصول على قصائد نزار قباني ومنهم:
ـ أم كلثوم : غنت له قصيدتين (أصبح عندي الآن بندقية، رسالة عاجلة إليك).. من ألحان محمد عبد الوهاب.
ـ عبد الحليم حافظ غنى له قصيدتين أيضاً هما (رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان من ألحان محمد الموجي).
ـ نجاة الصغيرة غنت له خمس قصائد هي (ماذا أقول له، متى ستعرف كم أهواك، أسألك الرحيل، سيد الكلمات وأيظن)، لحنها جميعاً محمد عبد الوهاب.
ـ فايزة أحمد غنت له قصيدة واحدة هي (رسالة من امرأة) من ألحان محمد سلطان.
ـ فيروز غنت له قصيدتين هما (وشاية) و (لا تسألوني ما اسمه حبيبي) من ألحان عاصي رحباني.
ـ ماجدة الرومي غنت له مجموعة من القصائد (بيروت ست الدنيا)، (كلمات)، (مع جريدة)، (أحبك جدا)، (طوق الياسمين) و(وعدتك).
ـ كاظم الساهر غنى له الكثير من القصائد منها: (إني خيّرتك فاختاري)، (زيديني عشقاً)، (مدرسة الحب)، (قولي أحبك)، (أكرهها)، (أشهد)، (هل عندك شك)، (تقولين الهوى)، (كبري عقلك)، (بريد بيروت) (الحب المستحيل)، (يدك)، (وإني احبك)، (صباحك سكر)، (حبيبتي والمطر)، (التحديات)، (ممنوعة أنت)، وجميعها من ألحان كاظم الساهر.
ـ عاصي الحلاني غنى له قصيدة (القرار).
ـ لطيفة التونسية غنت له قصيدة (يا قدس) و(تلوموني الدنيا).
دواوينه الشعرية
قالت لي السمراء، سامبا، أنت لي، قصائد، حبيبتي، الرسم بالكلمات، يوميات امرأة لا مبالية، قصائد متوحشة، كتاب الحب، مئة رسالة حب، أشعار خارجة على القانون، أحبك أحبك والبقية تأتي، إلى بيروت الأنثى مع حبي، كل عام وأنت حبيبتي، أشهد أن لا امرأة إلا أنت، اليوميات السرية لبهية المصرية، هكذا أكتب تاريخ النساء، قاموس العاشقين، قصيدة بلقيس، الحب لا يقف على الضوء الأحمر، أشعار مجنونة، قصائد مغضوب عليها، سيبقى الحب سيدي، ثلاثية أطفال الحجارة، الأوراق السرية لعاشق قرمطي، السيرة الذاتية لسياف عربي، تزوجتك أيتها الحرية، الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق، لا غالب إلا الحب، هل تسمعين صهيل أحزاني؟، هوامش على الهوامش، أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء، خمسون عاما في مديح النساء، تنويعات نزارية على مقام العشق، أبجدية الياسمين.
خاتمة
لم يكن نزار قباني شاعراً عادياً مر مرور الكرام في تاريخ سوريا والعرب الحديث، وإنما كان صرخة مدوية في سماء الحب والمرأة والوطن ما زال الزمن يردد صداها وسيظل مردداً لها إلى أمد بعيد، فنزار قباني كان يكتب الشعر برقة ماء الياسمين وعنفوان الغضب العربي الأمر الذي جعل من جمهوره يمتد من المحيط إلى الخليج، وعلى ما يبدو سننتظر طويلاً قبل أن يجود لنا الشعر بقامة عملاقة كقامة هذا الأمير الدمشقي العظيم.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)