ترجمة: هاشم كاطع لازم
الرواية واحدة من الأشكال القصصية النثرية العديدة وهي تشترك مع الأنماط القصصية الأخرى مثل الملحمة والرومانس بخاصيتين أساسيتين هما:
- وجود قصة ؛ (ب) وجود راوي.
تتناول الملحمة قصة تقليدية هي مزيج من الأسطورة والتاريخ والقصة الخيالية وأبطالها من الآلهة والرجال والنساء الاستثنائيين، بينما تتعاطى قصص الرومانس مع شخصيات مغايرة لبني البشر، وهي تهتم على نحو خاص بالمغامرات وتتضمن في الغالب بحثاً عن مثل أعلى أو تعقّب عدو ما.
وتبرز الأحداث على نحو رمزي رغبات العقل البشري وأماله ومخاوفه وهي بذلك تماثل أدوات الأحلام أو الأساطير أو مجموعة طقوس معينة.
ورغم أن مثل هذا الأمر ينطبق على بعض الروايات أيضا فإن ما يميز الرواية عن الرومانس هو معالجتها الواقعية لحياة وسلوك الإنسان، كما أن أبطالها من الرجال والنساء لا يختلفون عنا، أما اهتمامها الرئيسي فينصب كما أشار نورثروب فراي (على الشخصية الإنسانية التي تتضح خواصها في المجتمع).
تطور الرواية
تطلق معظم اللغات الأوربية تعبير (رومان) على الرواية وهذا يدل على صلتها برومانس القرون الوسطى.
والتسمية الإنكليزية مشتقة من المفردة الإيطالية (نوفيلا) التي تعني (شيئاً جديداً إلى حد ما) وتعتبر كل من قصص الرومانس والنوفيلا بمثابة أصل الرواية مثلما ينطبق الأمر على القصص المعروفة ب (البيكاريسك) الإسبانية الأصل حيث أن كلمة (بيكارو) الإسبانية تعني (متشرد) وقصة البيكاريسك النموذجية تتناول الأعمال الطائشة لشخص وغد يكسب عيشه بأساليب بارعة لكنها ليست شريفة على الدوام!
وفي هذا السياق تدين الرواية الواقعية بالكثير لمثل هذه الأعمال ذات الطابع الأدبي التي كتبت حتى تخفف من وطأة الأشكال القصصية الرومانسية وتلك المنسوجة في قالب مثالي.
ومثالاً عن ذلك فإن رواية دون كيشوت (1605 – 1615) لكاتبها سيرفانتس هي قصة رجل مجنون جذاب يسعى للعيش وفق مثل الرومانس الفروسية وهي تتحرى الوهم والواقع في الحياة الإنسانية وكانت في الواقع المنبع الأهم المفرد للرواية الحديثة.
لقد انبثقت الرواية من تلك الأصول القصصية التي استخدمت قصصاً خالدة تعكس الحقائق الأخلاقية الثابتة، وكانت نتاجاً لبيئة فكرية أسس قاعدتها فلاسفة القرن السابع عشر العظام وعلى رأسهم ديكارت وجون لوك اللذين شددا على أهمية التجربة الفردية وارتأيا إمكانية قيام المرء باكتشاف الواقع عبر الحواس. وهكذا أكدت الرواية على تفاصيل محددة وملموسة.
كما أنها ميزت شخصياتها من خلال تحديد وضعهم في الزمان والمكان على نحو دقيق أما مواضيع الرواية فقد تناولت الاهتمام بالبنى الاجتماعية للحياة اليومية.
ويذهب الرأي السائد إلى أن الرواية ظهرت للعيان مع صدور روايتي دانيال ديفو الموسومتين روبنسن كروزو(1719) ومول فلاندرز(1722) ، وكلا الروايتين من نمط قصص البيكاريسك حيث أن كل واحدة منهما تدور حول سلسلة أحداث مترابطة لكونها لا تحصل لشخصية واحدة فحسب.
غير أن الشخصية المركزية في الروايتين تبدو مقنعة كثيراً وتعيش في عالم متماسك للغاية ومحدد مما يجعل الكثيرين ينظرون إلى ديفو على اعتباره أول من كتب الرواية الواقعية، أما أول رواية شخصية أو رواية نفسية فهي رواية باميلا (1740 – 1741) لكاتبها صاموئيل ريتشاردسون وهي رواية مكتوبة بشكل سلسلة رسائل تتصف بعناية تخطيط الكاتب للحالات العاطفية.
ولعل رواية ريتشاردسون الثانية الموسومة كلاريسا (1747 – 1748) تفوق روايته الأولى من حيث الأهمية. ويعتبر كل من ديفو و ريتشاردسون أول كاتبين بارزين في تاريخ الرواية لأنهما لم يعتمدا في حبكة رواياتهما على الأساطير أو التاريخ أو الخرافات أو الأدب السابق، أنما وضعا الأساس للرواية باعتبارها وصفاً أميناً لخبرات الأفراد الحقيقية.
دواعي شعبية الرواية
منذ القرن الثامن عشر، وخاصة منذ الفترة الفكتورية، أصبحت الرواية أكثر الأشكال الأدبية رواجاً بعد أن حلت محل الشعر والمسرحية لربما لأنها تمثل عن قرب حياة غالبية الناس.
وقد تزايدت شعبية الرواية بعد ذلك لأن مجالها الاجتماعي بدأ بالاتساع ليشمل شخصيات وقصصاً حول الطبقتين الوسطى والعاملة.
أضف إلى ذلك، بدأت الرواية تتعاطى مع الاهتمامات العائلية والاجتماعية لأفراد الطبقتين المذكورتين يضاف إليهما أعداد متزايدة من القراء من النساء والخدم.
التجريب: تطور دور الراوي
مع حركة تطور الرواية بدأ شكلها يتسع ويتفرع حيث شرع الكتاب بتجريب أنماط طرح مختلفة.
وقد شكل دور الراوي محوراً مركزياً لعملية التجريب.
ترى من المتحدث مع القارئ في الرواية؟
هل تمثل القصة وجهة نظر معينة؟
هل الراوي متماثل مع المؤلف؟
هل يجسد الراوي إحدى شخصيات الرواية أو شخصية أخرى تراقب بكل بساطة أفعال الآخرين في القصة؟
هل الراوي شخص يمكن الوثوق به؟
هل نثق به / بها؟ أو أنه / أنها يمكن أن يكون شخصاً لا يمكن الوثوق به وغير قادر على نقل القصة دون تشويه؟
كيف يتسنى لأداة الراوي أن تصوغ القصة؟ وكيف يقر القارئ مدى صدقية الأحداث الجارية؟
وقد عمد روائيو القرن التاسع عشر من أمثال ثاكيري وديكنز في الغالب إلى سرد قصصهم من خلال راوي قدير عارف بمجريات الأحداث بأكملها وكذلك بدوافع سائر شخصيات الرواية.
ومن خلال مثل هذا الأسلوب يتمكن المؤلف من الكشف عن أفكار أية شخصية دون أن يبين كيفية الحصول على مثل هذه المعلومات.
استخدم هنري جيمس، الذي بدأ بكتابة الرواية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، أسلوب السرد التام المعبّر عن وجهة النظر بحيث أصبحت عقول شخصياته تشكل أساس الاهتمام الحقيقي للرواية.
وفي مثل هذه الأعمال الأدبية تتحدد معرفتنا بالأحداث ذاتها بمحددات هذه الشخصية أو الوعي المركزي.
وقام الكثير من الكتاب ممن عاصروا هنري جيمس بتجربة نقل تركيز الرواية نحو الداخل لدراسة الوعي الإنساني واتجه كتاب من أمثال فرجينيا وولف وجيمس جويس ووليم فوكنر إلى استخدام طريقة سرد عرفت بتيار الوعي، فالمدركات الحسية والأفكار والأحكام والمشاعر والتداعيات والذكريات يقدمها الكاتب على حالها دون صياغتها بجمل صحيحة من الناحية القواعدية أوعبر تسلسل منطقي.
وبموجب السرد المرتبط بتيار الوعي فإن سائر الرواة لا يمكنهم الاتكال عليهم إلى حد ما، وهذا يعكس استغراق القرن العشرين بنسبية الخبرة والمعرفة والحقيقة وطبيعتها الذاتية.
انتشار الأنواع
ما تزال الرواية تستحوذ على الاهتمام الكبير في وقتنا الحاضر، وقد ابتعدت عن التوجه الواقعي الأساسي لتتطور إلى شكل متمدد يضم الأنماط القصصية كافة.
وهناك اليوم على سبيل المثال الكثير من الأشكال الروائية، فهناك الرواية الرمزية التي تستخدم الشخصية والمكان والحدث لوصف الأفكار المجردة والبرهنة على بعض الفرضيات.
وهناك رواية الخيال العلمي التي تعتمد على الآلات العلمية أو العملية الزائفة لخلق مجتمع مستقبلي يشبه مجتمعنا.
وهناك أيضا الرواية التاريخية التي تتشكل في الزمن الماضي وتستقي شخصياتها من التاريخ، والرواية الاجتماعية التي تتناول تأثير المؤسسات المجتمعية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على كل من الشخصية والأحداث.
وتتصف أنواع الرواية أعلاه بكونها تعليمية المنحى didactic حيث يتعلم المتلقي من خلالها ضرورة تغيير أخلاقياته وحياته ويشمل ذلك أيضاً مؤسسات المجتمع.
والرواية المحلية تسلط الضوء على تأثير مكان معين على الشخصية والأحداث أما الرواية البوليسية فهي مزيج من كل من رواية البيكاريسك والرواية النفسية لأنها تكشف عن الأحداث ودوافعها.
وهناك بالطبع العديد من الأنواع الأخرى.
المرجع :
قصة من قصص القرون الوسطى أو الحب العذري أو مغامرات الفرسان. (المترجم)
http://academic.brooklyn.cuny.edu/english/melani/cs6/novel.html
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.