هل يمكن للكتب أن تغبّر العالم حقاً؟ قد يبدو هذا التساؤل غريباً لمن يعشق قراءة الكتب، ولا يتصور حياته من دونها. ولكن ثمة من يقول، أن الكتب لا تغيّر شيئاً، وهؤلاء في العادة لا يقرأون الكتب أصلاً، وربما يجهلون أن ثمة عشرات الكتب التي غيّرت حياة الأفراد والمجتمعات ومسار التأريخ، ولعبت الدور الحاسم في التقدم الحضاري للبشرية.
لم نكن نولي هذا الموضوع اهتماما لو كان جل من يستهين بدور الكتب في الحياة هم الناس البسطاء، ولكن ثمة بعض العظماء الذين أصيبوا بخيبة أمل بعد الكوارث التي شهدتها البشرية في العصر الحديث. قال الشاعر الإنجليزي و. هـ. اودن (1907 ـ 1973) إن الكتب لا تلعب أي دور في الحياة. بدليل أن كل كتاباتي عن هتلر لم تنقذ حياة إنسان واحد.
ولكن اودن لم يأخذ في الإعتبار أن فكرة (العرق النقي) ظهرت عند هتلر تحت تأثير أعمال فريدريش نيتشة (1844-1900).
لقد نشرت مئات الكتب القيمة والرائعة في منطقة الشرق الأوسط خلال المائة عام الماضية. ولكن عند النظر إلى ما يحدث في منطقتنا هذه الأيام من وحشية وحروب من الصعب العثور على أي علامة تشير إلى أن الكتب تغير المجتمع نحو الافضل. ربما ينبغي الانطلاق من أن الكتب تغير الناس ومن ثم المجتمع.
تأثير الكتب في حياة الأفراد
إن تصورالإنسان للعالم وتشكيل شخصيته يعتمدان على عوامل كثيرة وبضمنها الكتب التي قرأها، ولكن ثمة كتب تؤثر ليس فقط على تصور الإنسان للعالم ولكن يمكنها أن تغيرحياته أيضاً. كلمات المؤلفين العظماء يمكن أن تغير وجهة نظر الشخص حتى إلى الأشياء البسيطة والمألوفة. والكتاب – مصدر لا ينضب للمعرفة و للإنطباعات الجديدة، غير المتوقعة في بعض الأحيان.الكتب الجيدة تعمق ادراكنا وفهمنا للعالم الذي نعيش فيه وتصقل ذائقتنا الجمالية، وترسخ القيم الأخلاقية في ذواتنا، وتكون مصدر إلهام لنا ولو لبعض الوقت.
الكاتب التركي أورهان باموك الحائز على جائزة نوبل في الآداب لعام 2006 يقول في مفتتح روايته (حياة جديدة): (قرأت ذات مرة كتاباً غيّر حياتي).
الفيلسوف الألماني أرتور شوبنهاور (1788 ـ 1860)، تحدث عن الناس الضالين إلى الأبد في الحياة بعد قراءة رواية (دون كيشوت) لسرفانتس.
وكما تقول الروائية الإنجليزية ماري آن إيفانس المعروفة بجورج اليوت (1819 ـ 1880) إن الكتاب هو الأقرب إلى الحياة.
الكاتب الأرجنتيني كارلوس دومينغيز (ولد عام 1955) يستهل روايته الشهيرة (البيت الورقي) بالمقطع التالي: (في ربيع عام 1998، اشترت بلوما لينون من محل لبيع الكتب في سوهو نسخة عتيقة من مجموعة قصائد للشاعر إميلي ديكنسون، وعندما وصلت إلى السوناتا الثانية، عند أول نقطة عبور للمشاة صدمتها سيارة أودت بحاتها). الكتب تغيّر مصائر البشر حقاً.
إن التطلع إلى التغيير نحو الأفضل، هو الذي يدفعنا لقراءة الكتب، وإذا لم نكن نؤمن بالتغيير، لما كنا خسرنا الوقت والجهد والمال في إقتناء الكتب وقراءتها أو كتابتها..
الكتب الأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية
الكتب شكلت وعي الإنسانية حتى في تلك الأيام، عندما لم تكن ثمة أشكال أخرى لحفظ حكمة الأجيال. الكتب عموماً والكتب السماوية المقدسة خصوصاً (القرآن، الأنجيل، والتوراة) – التي تحفظ حكمة العصور، وتشكل عاداتنا الإجتماعية وتنظم المعايير الأخلاقية للأفراد والمجتمعات – أصبحت منهجاً ومرشدأً للعمل ولتحريك الجماهير الغفيرة، وهي من دون أدنى شك أهم الكتب التي غيرت حياة البشرية ولا يزال تأثيرها عظيماً في عالم اليوم:
- القرآن الكريم مرشد ومنهج لحياة المسلمين في أنحاء المعمورة، وأساس الحضارة الإسلامية.
- الكتاب المقدس هو أساس الحضارة الأوروبية، التي تشكلت في رحم المسيحية. وهذا الكتاب ـ أو مجموعة الكتب على نحو أصح – لا تزال مصدراً للإلهام وتفسير معنى الحياة لمئات الملايين من الناس. وقد ترجم إلى حوالي 2000 لغة، وهو الكتاب الأكثر انتشاراً في العالم.أقدم نسخة من الكتاب المقدس كانت بحوزة العائلة القيصرية الروسية (آل رومانوف). وبعد ثورة اكتوبر تم بيع هذه النسخة في عام 1920 بنصف مليون دولار وكان هذا مبلغا خياليا ـ في ذاك الوقت – ثمناً لكتاب مخطوط.
- العهد القديم الذي ما يزال تأثيره قوياً على اليهود في كافة أنحاء العالم.كما أن الكتب الدينية الأخرى التي نبعت منها الفلسفات البوذية والكونفوشوسية في الهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا حددت ثقافات شعوب تلك المناطق.
وإضافة إلى الكتب الدينية، ثمة كتب علمية واقتصادية وسياسية وفلسفية أسهمت على نحو فاعل وحاسم في التقدم الحضاري للبشرية. وتقوم الصحف والمجلات الشهيرة في الدول الغربية بين حين وآخر باعداد لوائح بأهم (عشرة أو خمسين أو مائة) كتاب في التأريخ البشري، ومهما كان عدد الكتب التي تحويها كل لائحة، فإنها تتضمن حتماً الكتب الدينية الرئيسية الثلاثة التي أشرنا إليها فيما تقدم.
أما بالنسبة للكتب غير الدينية فإن الكتب العشرة التالية هي القاسم المشترك بين معظم تلك اللوائح:
- (الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية) اسحاق نيوتن (1687): وضع هذا الكتاب الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية ولمعظم مبادئ الميكانيكا الكلاسيكية.صاغ نيوتن قوانين الحركة وقانون الجذب العام التي سيطرت على رؤية العلماء للكون المادي للقرون الثلاثة التالية. كما أثبت أن حركة الأجسام على الأرض والأجسام السماوية يمكن وصفها وفق نفس مبادئ الحركة والجاذبية. وعن طريق اشتقاق قوانين كبلر من وصفه الرياضي للجاذبية، أزال نيوتن آخر الشكوك حول صلاحية نظرية مركزية الشمس كنموذج للكون.وبفضل هذا الكتاب، غزا الأنسان الفضاء الكوني ووصل إلى القمر، وصنع الصواريخ التي تطلق الأقمار الصناعية إلى الفضاء وتؤمن اليوم الأتصالات بين البشر. ولو لم يظهر هذا الكتاب في حينه لتغير حياة البشر ومسار التأريخ، أو في الأقل ربما تأخر تحقيق هذه الأنجازات إلى زمن غير معلوم.
- (ميثاق الحرية العظيم)، ممثلو الطبقة الحاكمة الإنجليزية (1215)أصبح أساساً لوضع الدستور الإنجليزي ودساتير عدد من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية والهند.
- (براءة اختراع آلة الغزل)، ريتشارد آركرايت (1769)كان هذا الاختراع حاسماً في الثورة الصناعية الأولى، ومهد لظهور مكائن أكثر تطوراً لشتى الأغراض الصناعية والحياتية .
- (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم) آدم سميث (1776)
الاقتصادي الإسكتلندي آدم سميث (1723 ـ 1790) هو الأب المؤسس الحقيقي للاقتصاد الكلاسيكينشر الكتاب في بداية فترة الثورة الصناعية ويعتبر أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي. نادى سميث بالرأسمالية فرفض تدخل الحكومة في الاقتصاد ونادى بوجوب تركه لقوى العرض والطلب. - (دفاع عن حقوق النساء: القيود السياسية والأخلاقية) ماري ولستونكرافت (1792)يعتبر هذا الكتاب من أوائل الأطروحات في الفلسفة النسوية. ردت ولستونكرافت في هذا الكتاب على المنظرين والمفكرين السياسيين والاجتماعيين في القرن الثامن عشر والذين لم يكونوا يؤمنون بحق المرأة في التعليم. دافعت ماري عن حق النساء في التعليم بما يتناسب مع وضعهم في المجتمع، قائلة إن دور المرأة أساسي لا يمكن الاستغناء عنه للأمة لأنها ستثقف أبناءها وستكون رفيقة لزوجها تعينه على تحمل أعباء الحياة، بدلاً من أن تكون مجرد زوجة. وبعكس النظرة السائدة في المجتمع آنذاك للمرأة بأنها مثل الحلي أو الممتلكات التي يتم تبادلها عن طريق الزواج، أصرّت ولستونكرافت على أن المرأة إنسان تستحق نفس الحقوق الأساسية التي يمتلكها الرجل.
- أصل الأنواع لتشارلز داروين (1859): إن الأهمية الكبرى لهذا الكتاب تكمن في الكشف عن العامل المحرك للتطور وهو (الإنتقاء الطبيعي) وتحديد أسباب حدوث التطور البيولوجي.
- رأس المال لكارل ماركس (1867):نشر ماركس الجزء الأول من الكتاب في عام 1867، وهو العمل الرئيسي له وفيه تحليل معمق لتطور الرأسمالية وحدودها التأريخية. أما الجزءان الثاني والثالث من (رأس المال) فقد نشرا بعد وفاته من قبل فردريك انجلس. وللإبانة عن مدى تأثير هذا الكتاب في صنع التأريخ الحديث يمكن الإشارة إلى ظهور الحركات والأحزاب الشيوعية والإشتراكية في أنحاء العالم واندلاع ثورة اكتوبر 1917 البلشفية في روسيا والثورات الشيوعية في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، رغم الإختلاف الشديد في تطبيق المبادىء التي نادى بها ماركس وتكييفها لظروف كل بلد أو الاستفادة الإنتقائية من الآراء الواردة فيه.
- (بحث تجريبي في الكهرباء) لمايكل فارادي: في ثلاثة مجلدات، صدرت تباعاً في أعوام 1839، 1844، 1855، ولا أعتقد أنني بحاجة إلى بيان أهمية هذا الإختراع في تطو الحضارة الإنسانية، حتى بات استخدام الكهرباء أحد المعايير الأساسية لمدى تقدم الأمم.
- (عن الغاء تجارة الرق)، ويليام ويلبرفورس، 1789: هذا الكتاب للسياسي وقائد الدعوة إلى إلغاء تجارة الرق الإنجليزية، ويليام ويلبرفورس، الذي كان أحد الأعضاء المستقلين البارزين في البرلمان البريطاني، ولعب دوراً كبيراً في إقرار قانون تجارة الرق في عام 1807.
- كتاب (كفاحي) لأدولف هتلر:كتب هتلر الجزء الأول من الكتاب في سجن (لاندسبرغ)، حيث كان يقضي حكماً بالسجن لمحاولة انقلاب. كان العديد من رفاق هتلر وبضمنهم غوبلز، وروزنبرغ، ووغوتفريد، قد نشروا كتباً أو مقالات عن النازية، مما أدى إلى ظهور رغبة جامحة لدى هتلر في إثبات قدرته على الإسهام في الفلسفة السياسية رغم افتقاره إلى التعليم. وقد ذاع أمر هذا الكتاب وفحواه، حتى قبل نشره. أما الجزء الثاني من (كفاحي) فقد كتبه هتلر بين عامي 1925 ـ 1927، بعد تأسيس الحزب الأشتراكي ـ القومي.وبعد وصول الحزب إلى السلطة أصبح (كفاحي) الكتاب المقدس أو دستور الحزب ولكل الحركات الفاشية في العالم وخاصة في ايطاليا في ظل حكم موسوليني الفاشيستي وفي إسبانيا في عهد فرانكو الفاشي.
جودت هوشيار، مهندس وباحث وكاتب عراقي معروف، أصدر العديد من الكتب الفكرية والأدبية القيمة، منها (ذخائر التراث الكردي في خزائن بطرسبورغ) وبموازاة نشاطه الهندسي، كتب مئات الدراسات الفكرية في الصحف والمجلات الرصينة في العراق والعالم العربي. متفرغ حالياً للدراسات الفكرية. نتاجاته تنشر في الصحف والمجلات العربية والعراقية والكردية ومنها (الإتحاد) و(التآخي) و(كل العراق) و(صوت الآخر) وغيرها.. يتقن اللغات العربية والكردية والتركية والروسية والإنجليزية.