إنهم حيروني!!!!!
أهم يعرفون الفرح؟ أم لم يدركوا معانيه ودلالاته؟ أو حتى أصوله؟ وهل يتعمقون في العيش بأسمى معانيه؟ أتراهم قادرين على صنعه أو إفساده أو حتى وأده قبل أن يبدأ؟ أيحسون بطعم الفرح ونشوته؟ وهل ينتظرون متى يحين موعد الفرح؟ وهل هم قادرون على أن يبدعوا فيه وان تفاعلوا معه ومع من صنعه؟ أيحسبون كم مقدار الوقت الذي يقضونه في سعادة غامرة؟ أيتذكرونه حين يدلف الناس من حولهم؟
تلك كانت أسئلة حائرة تدور في مخيلتي استقيتها من تساؤلات الناس وأفراد المجتمع لسنوات طويلة كانوا يعرضونها علي وهم حيارى عن فئة المعاقين عقليا، كنت أتذكر تلك التساؤلات في إحدى ليالي صيفنا الفائت في احد أفراحه، قد يكون الناس سعداء بفرحهم أو حتما هم سيكونون كذلك لكن فرحتي كانت كبيرةً جداً ليس لحضوري هذا الفرح بل لما وجدت فيه من عمق آخر كنت أترقبه حين رأيت ذلك الشاب الذي يجوب صالة الضيوف ويسلم على هذا وذاك ويضحك مع من يقابله أو من يستحسنه.
لكي أكون أكثر وضوحاً، هذا الشاب كان أحد طلابنا المعاقين عقليا وهو يلبي دعوة زواج معلمه… وحين انتهى من السلام عليه قّبل رأسه وبارك له بالزواج ثم أخذ يسلم على بقية الحضور وخاصة المعلمين وأعجبني منه تلك القبلة على رأس معلمه والتي قد لا يقوم بها طلابنا من غير المعاقين مع معلميهم وحين أقبل كانت تعلو على محياه ابتسامة لطيفة، سلم علي وأيضا طبع قبلة على رأسي من فم ملؤه الطهارة وروح تسكنها البراءة ونفس فيها كثير من الانشراح والانبساط وسلوك فيه كثير من العفوية والتلقائية غير المنمق كما يفعل المتحذلقون من غير المعاقين في المناسبات العامة وهنا الفرق واضح بين هاتين الفئتين.
وبعد أيام قليلة وتحديدا بعد صلاة الجمعة وإذ بشاب معاق عقليا كان أحد طلابنا سلم علي وحدثني أنه أتى إلى منزلي لإعطائي بطاقة فرح شقيقته وسألني إن كنت قد حصلت عليها فقلت له: نعم وجدتها تحت باب المنزل وأردف يقول: آمل أستاذي ألا تنسى وأن تحضر الحفل وسأكون سعيدا لرؤيتك، ثم بدأ يسأل عن بقية المعلمين عناوينهم لإيصال بطاقات الدعوة لهم.
واتصال آخر من طالب كان قد تخرج من التربية الفكرية أوصل بطاقة زواج أخيه مع أحد معلميه إلى منزلي.
تلك الأفعال والسلوكيات الاجتماعية الرائعة من هذه الفئة بعدم نسيان أو تجاهل معلميهم وقت الفرح إنما هي مؤشر على إحساسهم ومشاعرهم تجاه الآخرين وتقديرهم للعشرة والمودة… وهنا أتساءل: أيتذكرها أيضا طلابنا من غير المعاقين؟
حين أسوق مثل تلك المواقف هي للرد والتأكيد على من يطرحون تساؤلاتهم عن هذه الفئة في كثير من الأمور أعتقد أن هذه الفئة وخاصة البسيطة منها تعيش أسمى معاني الحياة وتتذوق الفرح وتتعايش معه ومع من يعيشونه على الرغم أنهم يختلفون عن غير المعاقين في الغوص في أعماقه والتعبير عنه أو التفاعل معه… فنحن من غير المعاقين قد ننظم خيوط الفرح بسلوكنا وأفعالنا ومشاعرنا وقد نوثقها شعرا أو في ذاكرتنا بعيدة المدى ونسترجع تلك الأحداث الجميلة متى أردنا، ولكن أفراد تلك الفئة قد لا يكونون مثلنا تماما ولكنهم يعرفون معنى الفرح والعيش فيه حتى أنهم قد يكونون أكثر سعادة منا حين تصدح الآلات الموسيقية وتعلو الأهازيج .
هنا أسأل إذا كانت تلك الفئة تعرف للفرح معنى فهل نحن قادرون على خلق ابتسامة على شفاهها أو سعادة في نفوسها؟ أم سنتذكرها حين موعد الفرح ونعطيها اهتماما كغيرها؟ أم ستظل منسية ما لم نراها ونبتسم في وجهها وحين يولي أفرادها يعود غبار الذاكرة تجاههم فيصبحون في ذاكرة النسيان؟ وإن فعلنا فقد نقوم بذلك من باب الرحمة والعطف بحالهم أكثر منه تقديرا لذواتهم وإنسانيتهم حتى وان كانت لهم الأحقية في الحياة الاجتماعية كما من حقنا .