التحديات التي تواجه المعاقين بصريا في سوق العمل
مقدمة الكاتب
اسمي محمد عبد المجيد خان، تخرجت من كلية نظم المعلومات سنة 2004 وعملت في وظائف مختلفة مرتبطة بدراستي الاكاديمية في تقنية المعلومات وأعمل في مجال التدريب والتأهيل للمكفوفين وذوي الاعاقات البصرية المختلفة منذ 3 سنوات. وقد وجدت في هذا المجال ضالتي بعد قصة غريبة حصلت معي.
كنت أعمل في شركة تعمل لمصلحة الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في مدينة جدة كاختصاصي شبكات. وكنت أتعاطف مع صديق ضعيف البصر يزورني دائما في مقر عملي بحثا عن وظيفة. وكنت بالطبع أرأف بحاله، ولضعف معلوماتي كنت على يقين خاطئ أن صديقي لن يستطيع أن يؤدي عملا مهما في حياته بسبب إعاقته البصرية. كان مصابا باعتلال الشبكية الصبغي، ويواجه صعوبة في سواقة السيارة أو قراءة الحروف حتى وإن كانت كبيرة. وتعاطفاً معه كنت أساعده رغم ما كان يبديه من طموح للاستقلالية ورغبة جامحة لعيش حياة كريمة… وفوقها أحلامه (التي حسبتها وهمية) بعمل ورشة خاصة به لصيانة السيارات وبيعها.
متلحفاً بحيرتي ورغبتي في ايجاد علاج لإعاقته زرت جمعية أهلية تعنى بالإعاقة البصرية وتأهيل وتوظيف المعاقين بصريا (ابصار)، وفي المقابلة الاولى قابلت أمين الجمعية وطبيبا صيدليا متخصصا في صرف المعينات البصرية وعرفت كما عرف هو عن هذه التكنولوجيا الشيء العجب. في كل مرة يشرح فيها الطبيب عن حل تكنولوجي لإعاقته اندهش اكثر لجهلي التام بما هو متوفر كحلول تقنية لذوي الاعاقات البصرية.
خرجت مشدوها، ومصمما على ايجاد حل أكثر جدية لصديقي، وبدأت أبحث عن كل المعلومات المتعلقة بالمرض وأمراض العيون عامة والتكنولوجيا المساندة والحلول التقنية المتوفرة لضعيفي البصر. وخلال بحثي وجدت كوكبة من المبدعين لم تثنهم الإعاقة عن الوصول إلى أهدافهم وتحقيق أحلامهم، لقد تحققت أمانيهم بفضل اصرارهم على النجاح وعزمهم على وضع تعريف مختلف للإعاقة عن التعريف الذي نتداوله نحن المبصرون.
وفي مقابلتي الثانية مع أمين عام الجمعية الاستاذ محمد توفيق بلو (وهو أيضا لديه كف بصر)، كتبت قصة صديقي على ورق (كما رواها لي هو بنفسه) لكي أقرؤها له.
وفي المقابلة سكت صديقي عن الكلام وبدأت أقرأ، ولاحظت أن الامين العام انخرط مستمعا بكل حواسه للقصة، لقد استمع بجد لأنه لاحظ أن من كتبها يحمل في طيات كتابته الجد والعزم والاصرار على النجاح.
لقد وجد صديقي عملا في شركة كبيرة في المجال الذي يحب، وهو قطع غيار السيارات، خلال اسبوعين من المقابلة، فتضاعفت عزيمته وزادت قوته وتجددت ثقته في الله حين علم وعلمت معه أن إعاقته لن تثنيه عن أداء الأعمال، لقد عرف أنه يمكنه عمل شيء مهم، مثله مثل الشخص المبصر. إن مجرد ادراكك لحقيقة قدراتك يغير تصرفك كليا، كما حصل مع صديقي هذا.
لقد قطع صديقي نصف الطريق نحو هدفه، وهو يكافح الآن لتحقيق النصف الآخر. فدعوه يحلم، فما كانت الابراج التي شيدت في الصحراء يوما ألا حلما.
… آه كدت أنسى أن أقول لكم، لقد عرض علي الأمين العام للجمعية وظيفة مدرب تقنيات مساندة، وقبلتها، ولم أندم أبداً.
الإنسان سر من أسرار الله سبحانه وتعالى
قصة ادريس حسين فاروق كما يرويها بلسانه
ولدت في عام 1981م في مدينة جدة الساحلية الجميلة وترعرعت في حواريها وأحيائها الشعبية، كنت أسكن مع أسرتي في بيت جميل وواسع مكون من 3 غرف، كانت عالما كبيرا بالنسبة لي. كنا 9 أخوة تجمعنا المحبة والالفة.
كانت حياتي سعيدة جدا قبل أن يعلم والداي بالمشكلة التي أواجهها منذ أن كان عمري 5 سنوات وذلك عندما أمرتني والدتي احضار كأسى ماء في الظلام ولم استطع رؤيته. لقد واجهت أمي المشكلة ذاتها مع اثنين من أخوتي سابقا وكانت عالمة بما يجب عمله.
لقد كنت مصابا بعوارض العشى الليلي (والتي تسمى في المصطلح الطبي retinitis pigmentosa) والتي تتسبب في عدم قدرة العين على رؤية الأشياء في الليل أو عندما تكون الإضاءة ضعيفة (في الضوء الخافت). ويرجع سبب الإصابة بالعشى الليلي إلى خلل يصيب خلايا شبكية العين المسؤولة عن الرؤية في الضوء الخافت، وكلما زاد عمر الانسان، زادت الأعراض ومن الممكن أن تتسبب بالعمى الكامل، وتزداد شدة هذا المرض في المرحلة العمرية من 25 إلى 30 سنة.
بدأت والدتي تنشئتي وتربيتي بطريقة خاصة جدا. توفي والدي بعد سنة من ذلك، وجاءتنا بعدها أيام صعبة ماديا. وتغيرت حياتنا تماما واضطررنا أن ننتقل من بيت واسع إلى غرفة وحيدة نقضي فيها كل وقتنا. ولكن الله كان رحيما بنا واستطاعت والدتي اكمال تعليمنا إلى أن انتهيت من الثانوية العامة.
أثناء دراستي قامت والدتي بتربيتي على الاعتماد على الذات وعدم الاعتماد على الآخرين ولم تكن تتقبل أعذاري المتعلقة بقصور النظر لدي، وكانت تصر على أن أجمع المعلومات عن المدينة التي أنا فيها ولقاء الناس. ذلك كله ولد لدي قدرة داخلية على هزم الاعذار والاعتماد على النفس.
لقد تدربت تدريبا ممتازا على الاعتناء بما اقتنيه وحفظه في مكان آمن حتى أحصل عليه في الوقت المناسب (مثل الجوال، المحفظة)، فرشاة أسناني أيضا تكون مميزة الألوان، وعندما أذهب إلى المسجد أضع حذائي في مكان مميز… وإلى آخر الأمثلة التي كنت أتعلمها من وقت إلى آخر حسب احتياجي.
كذلك شجعتني والدتي على ممارسة الرياضة، مثل الهرولة، وكنت أحب السباحة فكانت أمي تشجعني على ذلك وتعطيني عشرة ريالات لكي أسبح في نادي الاتحاد، حتى مع حالتنا المادية الصعبة.
وكانت والدتي تحثني أيضاً على عدم الاعتماد على الأسباب، بل الاعتماد على الله. ولقنتني آيات من القرآن الكريم متأملة شفائي من القرآن الكريم حيث أن الشفاء من الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) سورة ق الآية 22. وحثتني على قراءة هذه الآيات ثلاث مرات بعد كل صلاة وتحثني كذلك على الدعاء بأسماء الله الحسنى (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأعراف الآية 180.
وعلمتني أسماء ادعو بها كاسم الله (النور) و(البصير) وأيضا العلاج بماء زمزم والعسل.
إن ذلك التدريب والتربية الدينية التي رضعتها من والدتي لم تجعلني يوما أشعر باليأس أو العجز.
بعد الدراسة بدأت أبحث عن وظيفة ووفقني الله سبحانه وتعالى وحصلت على عمل في إحدى شركات الدعاية والاعلان. ومع ذلك كانت والدتي تشجعني على عمل تجارة مناسبة. وجمعنا مبلغا من المال لذلك الغرض. ولكن في تلك الايام وفي عام 2002 م أصيبت والدتي بآلام حادة في الكلية فهرعنا بها إلى المستشفى. فاذا بالطبيب يفاجئنا بأنها مصابة بورم خبيث في كليتها اليسرى، ونصحنا بإزالتها.
وصرفت غير آسف، أكثر من 35000 ريال سعودي لعلاجها، وتم استئصال كليتها المصابة بالورم الخبيث بمستشفى عرفان باقدو. ولكن والدتي لم تشف من المرض فسافرت إلى باكستان لأول مرة منذ وفاة والدي، أملا في علاج لحالتها وصرفت مبلغ 50000 ريال سعودي كانت كل ما تبقى لدي من تحويشة. ولكن لم يتمكن الأطباء من علاجها، حيث كانت حالتها متقدمة ورجعنا إلى جدة وتوفيت سنة 2004 م يرحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
رجعت إلى عملي في شركة الدعاية وعملت ليل نهار حيث كان غرضي الآن تزويج أختي الصغرى، والحمد لله قمت بذلك سنة 2006 م.
عملت مع الشركة حتى شهر ديسمبر سنة 2008 م، وبسبب تقدم عوارض إعاقتي البصرية اضطررت إلى ترك العمل.
أحسست بفقدان الأمل فلم أجمع من راتبي شيئا يعينني على نوائب الدهر. وأحسست أن السنتين التي عملتهما ضيعتا وقتي. لقد كنت معتمدا على والدتي وشخصيتها القوية لاتخاذ قرارات عديدة، وبعد وفاتها تفاقم ضعف بصري كثيرا فلم أكن قادرا على القراءة والكتابة وابتعدت كذلك عن تعليمات والدتي ونصائحها.
بعد ذلك جمعت عزيمتي وتبت إلى الله مما بدر مني من يأس، ولكن باب الرزق كان مسدودا في وجهي فقررت الهجرة إلى انجلترا وطلبت تأشيرة طالب من السفارة البريطانية. وللأسف باءت محاولتي بالفشل ولم توافق السفارة على منحي التأشيرة. ولم اتأسف على ذلك بل عملت مستشارا للعديد من الطلبة وأعنتهم على الحصول على تأشيرات لإنجلترا، فأصبح ذلك مصدر دخلي لمدة سنة.
في السنة ذاتها بدأت تجارة قطع غيار مستعملة للسيارات الألمانية مع صديق لي، وصرت استورد قطع غيار ومحركات مستعملة من دبي التي سافرت إليها وأقمت علاقات مع تجار المستعمل. وكان ذلك مصدر دخل جيد لي ولكن للأسف قام شريكي بسحب استثماره لشعوره أن فائدة ذلك قليلة بالنسبة له. أفهمته أن الفائدة سوف تزيد في يوم من الأيام ولكن لم يقتنع.
… ورب ضارة نافعة!.. لقد تعلمت الكثير جدا في هذه التجارة، من أصول العمل والسوق وكيفية التسويق وسوق قطع الغيار وانفتحت لي أفكار عديدة.
بعد ذلك فكرت بإتمام نصف ديني وذهبت إلى باكستان وتزوجت. ورجعت بعدها إلى جدة مع العديد من الأفكار وذهن صاف لعمل الجديد في حياتي.
عملت على ترتيب نفسي من جديد وحصلت على عمل في شركة في ميناء جدة الإسلامي وكانت خطتي أن أجمع ما يمكنني من احضار زوجتي والبدء في تجارة قطع الغيار من جديد.
وللأسف فقدت الوظيفة عندما اشتدت عوارض مرضي وبدأت تؤثر على انتاجيتي وأدائي.
بحثت بعدها عن عمل يناسب قدراتي لمدة 10 أشهر، وعلمت أن الكثير مما أقدر عليه من أعمال (كعامل استقبال) هي وظائف غير متاحة لي حسب القوانين المحلية.
وخلال بحثي الدؤوب علمت أن الشركات التي اتقدم إليها، لا تعلم بمرضي، وليس لديهم وعي كاف عنه، فتارة يسألني احدهم (إذا ما تقدر تشوف ليش ما تلبس نظارة؟) وآخر لم يعطني الوظيفة لأنه رآني أتجول في الليل، وآخر رآني أتحدث مع زوجتي في مقهى الانترنت، ففاجئني اليوم المقبل بسؤال (اذا ما تشوف ليش كنت قاعد في الانترنت؟).
لم أيأس مما واجهته، ولم ينقص ذلك من عزيمتي شيئاً، وفي سعيي إلى الاستشارة عن حالتي، وما يمكن أن أعمله، توجهت مجددا إلى مستشفى المغربي.
وفي تلك المستشفى، إشير إلي أن اذهب إلى جمعية ابصار، وهي جمعية متخصصة في معاونة واستشارة وتدريب ضعاف البصر ولديها (أي الجمعية) تقنية متقدمة عن تقنية المستشفى. وهناك قابلت الاستاذ محمد توفيق بللو الأمين العام للجمعية، ولدهشتي عرفت أن الأمين العام أيضاً مصاب بنفس مصابي ولكنه يسبقني بـ 20 سنة.
عرفني الأستاذ محمد على الجمعية، وشرح لي الدورات التدريبية المتاحة والتي تسهل على ضعاف البصر القيام بأعمالهم اليومية وايضا التكنولوجيا المتوفرة لديهم والتي تساعدهم في أداء مهامهم اليومية وتيسر لهم استخدام الكمبيوتر وكل ما هو مطلوب في عصر التكنولوجيا.
لقد علمت أن هناك الكثير لأتعلمه وأعلمه للناس، والكثير جدا لأعمله، لقد قال لي الأستاذ محمد إن الإنسان سر من أسرار الله سبحانه. ووجهني إلى الكنز الموجود داخل كل إنسان، ذلك الكنز الذي لا يلتفت اليه الانسان لانشغاله عنه، ودعاني الأستاذ محمد كي أكتشفه.
إن ما رأيته هناك، أعاد لي الكثير من الثقة التي افتقدتها. حيث رأيت كيف أن العمل التطوعي لدى العاملين في الجمعية نابع من ايمان واخلاص. لقد تعلمت هناك أن الإنسان إذا أراد أن يتخلص من ألمه، فعليه مساعدة الآخرين للتخلص من آلامهم، وأن المصائب التي نحسبها كبيرة جدا، إنما هي في الاصل صغيرة جداً.
لم أيأس يوما من رحمة الله، ولكني علمت أن الذين أذهب اليهم لأطلب منهم رزقا كريما هم أكثر يأسا مني. ربما أكون ضعيف البصر، ولكني لست ضعيف البصيرة والإرادة، ألم يسمعوا قول الله جل وعلا: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) سورة الحج آية 46.
ويقول سبحانه وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ) سورة التوبة آية 105. وأنا على يقين ان الله يرى ما أعمل.
إن أهدافي التي رتبتها لنفسي هي أن يكون لي دخل كريم من تجارة حلال حتى أعين نفسي وعائلتي، وأستطيع أن أستفيد من مواهبي في المجالات التي أحبها. إنني أرجو من الحكومة الرشيدة ان تسهل معاملاتي واقامتي مع عائلتي وتصريح لتأسيس تجارتي.
إن جمعية إبصار والعاملين فيها مشروع كبير وعظيم، وبعد زيارتي لها، أصبح شغلي الشاغل أن أعمل لها وأقدم ما أقدر عليه من عطاء لأن الأرض ليست حد الإنسان، إنما حد الإنسان إلى السماء.
الشهادات والتخصصات
- شهادة سن سولاريس Sun Solaris (اكتوبر 2008),
- شهادة تصميم مواقع انترنت (Web Designing), (2001),
- دبلوم حاسب وشبكات (Hardware and Networking), (2006),
- دبلوم مايكروسوفت (MCSE Training), (2006),
- دبلوم يونكس (Unix Training), (2009),
خبــرة عملية
- مدرب تقنيات مساندة في جمعية ابصار للتأهيل و عملت على برامج جوس، ابصار، ان في دي ايه، والتقنيات المساندة والحلول التقنية للمكفوفين، وجهاز برايل سنس، وطابعات برايل المختلفة وحضرت ندوات ومؤتمرات خاصة بضعف البصر والتقنيات المساندة على مدى 3 سنوات.
- شركة قمة للخدمات الجغرافية
- شركة كستومرCustomer الهند
- شركة بريجيد كوربوراشون (Brigade Corportation), الهند
المؤهلات التعليمية
- بكالوريوس تقنية معلومات، جامعة باندلكهند ـ الهند، 2005 م
- الثانوية العامة – مدرسة المؤسسة العلمية الكبرى، 1997 ـ جدة، المملكة العربية السعودية.