بقلم : حازم ضاحي شحادة
ثمة سرّ كبير في علاقة الإنسان بأمه، لا تحتاجُ الأمّ إلى شرحٍ أو تجاربٍ كي يعي الواحد منا ما قدمته من عطاء.
هكذا، ببساطة، مكانة الأم العظيمة مفهومة دون سرد، نظراً للارتباط الفيزيولوجي والروحي بين البشر وأمهاتهم منذ التشكل في الرحم إلى ما يليها من مراحل يعرفها الجميع..
علاقة الإنسان بأبيه، ليست كذلك.
مكانته محفوظة، احترامهُ حاضر، تقديره موجود، لكن..
في كثير من الحالات، إن لم يكن في غالبيتها، لا بد للمرء من سنواتٍ طوال، طوال جداً، كي يفهم تماماً مكانة الأبِ الحقيقية ودوره الخالد في حياته.
الأب الذي نحاوره في مجلة المنال ليس أباً (عادياً) إن جاز لنا التعبير، هو طبيب، واختصاصي تخدير وإنعاش، كما حاز على شهادة ممارسة اختصاص بالإعاقات النمائية من مركز جون ف كينيدي كرايغر بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، وهو أبٌ لشخصين من ذوي الإعاقة.
يقول الدكتور موسى شرف الدين رئيس جمعية أصدقاء المعوقين في لبنان رداً على سؤال المنال حول البدايات وتلقيه نبأ ولادة طفلين من ذوي الإعاقة:
“كانت صدمة قوية لي شخصياً ولزوجتي في مواجهة نبأ ولادة ابني الأول ( فراس) وأقل وطأة بعد ولادة ابني الثاني ( محمد).
مررنا بجميع المراحل التي يمر بها أولياء أمور الأشخاص ذوي الإعاقة، بدءاً من (النكران) ثم رحلة التجوال على الاختصاصيين للتأكد من التشخيص ثم مرحلة التصديق التي تلتها مرحلة الحداد وبعدها مرحلة التسليم والمباشرة بإلحاق الولدين ضمن مؤسسات متخصصة.
وعلى الرغم من كوني طبيباً.. كانت تلك المراحل صعبة ومضنية”.
ـ لا شك أن التحديات خلال تنشئة ورعاية شخصين من ذوي الإعاقة هي تحديات كبيرة، ما هي أبرز تلك التحديات سواء على الصعيد الشخصي والأسري أو على الصعيد الاجتماعي بشكل عام.
“على الرغم من كوني طبيباً، وجدت نفسي حائراً في مواجهة الصعوبات التي تمثلت أمامي بسبب ندرة المراجع العلمية المتعلقة بمتلازمة إعاقة (فراس ومحمد) فهذه المتلازمة مرضية وراثية، ناهيك عن عدم وجود مؤسسات تأهيلية وتربوية علمية مناسبة لإعاقاتهما المتعددة في لبنان.
كل هذا دفعني إلى المشاركة في تأسيس جمعية أصدقاء المعاقين عام 1978 في لبنان ولكن ذلك لم يكن كافياً.
عام 1982 تمكنت بمساعدة مؤسسة الحريري من الالتحاق بجامعة جونز هوبكنز ومعهد جون ف كنيدي كرايغر في بلطيمور (أميركا)، وحصلت على الاختصاصات المناسبة في الإعاقات النمائية.
وفي عام 1985 عدت إلى لبنان لأتابع نشاط جمعية أصدقاء المعوقين وأؤسس مركزاً تأهيلياً متكاملاً متعدد التخصصات.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لمست تشجيعاً من أخوتي وأخواتي وأصدقائي وترجم ذلك إلى تمويل المراحل الأولى وسرعان ما بدأت المساعدات من جهات مانحة لبنانية وعربية وأجنبية وسفارات ومنظمات الأمم المتحدة”.
ـ كما نعلم، ساهمت في تأسيس ورئاسة العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة محلياً وعالمياً، حدثنا عن ذلك.
” ترأست جمعية أصدقاء المعاقين منذ العام ،1981 ثم أسست مركز (مصان) في صور وساهمت في تأسيس مركز عيتا الشعب لذوي الاحتياجات الخاصة، ومركز الطفل السعيد في صيدا.
وفي العام 1991 أسست مع أصدقائي في لبنان (الاتحاد الوطني لأهالي ومؤسسات التعوق العقلي) كما التحقت بالرابطة الدولية للجمعيات المعنية بالمعاقين عقلياً عام 1994 ILSMH والتي أصبحت لاحقاً عام 1998 منظمة الاحتواء الشامل، وتبوأت موقع نيابة الرئاسة على الصعيد الدولي حتى العام 2012 .
أيضاً شاركت في تأسيس الاتحاد العربي لمؤسسات الإعاقة العقلية والتي كان لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية وسعادة مديرها العام الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي- والتي أصبحت لاحقاً (الرئيسة الفخرية مدى الحياة) الدور الأبرز في ذلك، وتحول الاتحاد لاحقاً إلى منظمة الاحتواء الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وترأست تلك المنظمة حتى العام 2011 وتلقيت عضوية شرف فخرية مدى الحياة من المنظمة الدولية كما من منظمة إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.”
ـ ما أهمية هذه التجارب في تشكيل شخصيتك ونظرتك للعالم والإنجازات التي تم تحقيقها؟
“الظروف التي أحاطت بمسيرة حياتي، صنعت العديد من التحولات ضمن اهتماماتي وعلاقاتي، فقد تحولت من الاختصاص الطبي (التخدير والإنعاش) إلى اختصاص جديد هو (الإعاقات النمائية)، وقد عملت طوال هذه السنين على مواجهة للقصور الكبير في مجال التعاطي مع الأشخاص ذوي الإعاقة والذي ينطلق من الشفقة بصورها النمطية وما تحمله من وصمات تشكل عبئاً عليهم وعلى أسرهم”.
ويقول الدكتور موسى: “الصورة النمطية التي لازالت سائدة رغم التطورات الهائلة في القوانين والتشريعات والمعاهدات، ولا تزال الصورة الطبية سائدة، ولا تزال معظم الجمعيات والمؤسسات تعمل في إطار الأعمال الخيرية بغض النظر عن القوانين وشرعة حقوق الإنسان علماً أن العمل الخيري “اختياري” فماذا لو امتنع من يقوم بهذه الأعمال عن تأدية الخير لأسباب مختلفة” ما هو مصير عملية تربية وتعليم وتشغيل وتمكين وترفيه وتنقل وإبداعات الأشخاص ذوي الإعاقة؟!
إن التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة والتمييز الذي يطالهم لا ذنب لهم فيه وهو من صنع الآخرين ولا طاقة لهم على رفض ما هم فيه. فهم تنوع بشري له الحق في الحصول على جميع الحقوق الإنسانية الواضحة في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”.
ـ لديك العديد من المؤلفات والدراسات في موضوع الإعاقة، عرفنا عليها..
” كتابي الأول باللغة العربية هو (الكفاءات الإنسانية إنماء وتطوير) يتألف من 460 صفحة وكان موضوع الماجستير في جامعة جونز هوبكنز عام 1983
كما قمت بإعداد دراسة متكاملة حول “المؤسسة المركزية لتأهيل وتعليم المعوقين والمراكز المتفرعة عنها” في إطار انطلاقة مؤسسة رفيق الحريري للمعاقين عام 1986
أيضاً ألفت كتاباً حول متلازمة (التثلث الصبغي 21 ) بتكليف من الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين في لبنان عام 1997، وشاركت بتأليف كتاب (كريستين ميللر) بالإنجليزية حول مبادئ التربية المختصة، ثم قمت بإعداد كتيب حول الشلل الدماغي مع صور توضيحية، وكتيب حول حقوق الإنسان والإعاقة العقلية، وكتيب حول الدمج التربوي (مسيرة إلى التربية الدامجة)، بالإضافة إلى دراسة حول الفقر والإعاقة في المنطقة العربية”.
ـ ما هي أهم خطوات التعاون التي تمت بينكم وبين مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية والنتائج المباشرة لهذا التعاون.
“بدأ التعاون مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية منذ العام 1991 حيث أسسنا الاتحاد العربي لمؤسسات الإعاقة العقلية، ثم منظمة الاحتواء الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما استضافتي المدينة للمساهمة في تدريب وإعداد اختصاصيين في مجال التربية والتأهيل مرات عدة وشاركت في العديد من المؤتمرات والندوات التي نظمتها المدينة.
وقد بادرت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بتوفير مساعدات مادية للجمعيات والمراكز اللبنانية المتضررة من الاعتداء الإسرائيلي عام 2006، كما ساندت سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي حملة دعم جمعية أصدقاء المعوقين خلال حفل إفطار رمضاني في دبي وساعدت في التصدي للصعوبات الناتجة عن انفجار مرفأ بيروت 2020″.
ـ كيف تقيمون العمل الذي تؤديه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية منذ العام 1979 وأثره على واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة والوطن العربي
“تعتبر مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية المؤسسة الرائدة والأولى على صعيد المنطقة العربية وهي المنارة التي تهتدي بها منظمات وجمعيات المنطقة العربية.
وقد ساهمت المدينة في تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم ونظمت العديد من المؤتمرات والندوات في هذا المجال، كما ساهمت المدينة جداً في تعزيز قدرات الطلاب ذوي الإعاقة وحركة المناصرة الذاتية”.
رسالة توجهها إلى المجتمع حول كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة وصولاً إلى الدمج بصيغته المأمولة.
خلال مسيرة طويلة مع الأشخاص ذوي الإعاقة والأسر والأصدقاء والقيمين والأكاديميين، تلمست التغير الواضح في المفاهيم والمعتقدات والأعراف والتقاليد وشعرت بتقدم في المسارات الصعبة والمتشعبة والمعقدة وتلمست النتائج والإنجازات لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة.
ولكن تلك النتائج والإنجازات تفاوتت في تسارع تقدمها. ووجدت أن ذلك لن يتسارع إلا من خلال :
- الإيمان بالتنوع البشري وأن الأشخاص ذوي إعاقة قادرون وعلينا أن نؤمن بقدراتهم.
- العمل على حملات توعية تبرز مهارات وقدرات الأشخاص ذوي الإعاقة.
- إدراك أن الصعوبات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة ليست من صنعهم بل من صنع الآخرين.
- التسميات والنعوت التي تسبغ عليهم مفاهيم تجميلية ليست سوى ديكور شكلي فهم مثلا ليسوا ذوي احتياجات خاصة لأن احتياجاتهم الخاصة ليست ترفاً بل ضرورات حياتية يومية كالماء والهواء والكساء والدواء…
- تضافر الجهود من أجل توفير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل صياغة استراتيجيات وطنية للحماية الاجتماعية سيما لمواجهة تبعات الانهيارات التي تحكمت بأوضاع البلدان خاصة بعد جائحة كوفيد 19.
- حث الدول على تطبيق بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
- مواصلة السير للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة 2030.
بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
صدر له حتى الآن:
المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
(مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية).