التفوق طريق صعب لا يستطيع الجميع عبوره، فهو يحتاج إلى همة عالية وجهد كبير وإخلاص في السعي لنيل تلك المكانة المتميزة والتي يتمنى الجميع بلوغها لكنها لا تتاح سوى لفئة قليلة أدركت أنه (وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا)، والتفوق هو الغاية النبيلة التي يشعر المرء لدى تحقيقها بأن ما بذله من جهد ووقت في سبيلها كان أمراً مجدياً يستحق العناء.
الأشخاص الصم كغيرهم من أبناء المجتمع قادرون على التميز والتفوق في مختلف المجالات، ومتى توفرت لهم الظروف المواتية يستطيعون أن يبرزوا قدراتهم ومواهبهم ويصلوا إلى أعلى المراتب،.. والتاريخ حافل بالأمثلة المشرقة التي تؤكد أن الأشخاص من ذوي الإعاقة لا يقلون في شيء عن الأشخاص غير المعاقين، لا بل إنهم قد يتفوقون عليهم في بعض المجالات.
لإلقاء المزيد من الضوء على تميز الأشخاص الصم نحاور اليوم في مجلة المنال الإلكترونية طالب مدرسة الأمل للصم مبتسم فيصل سيف الحاصل مؤخراً على جائزة أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية (فئة الطلبة الصم) في مسابقة (أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية) التي نظمتها جمعية حماية اللغة العربية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، وهي مسابقة سنوية يشارك فيها الطلبة الصم لأول مرة، كما نحاور الأستاذة هند عبد العزيز معلمة اللغة العربية في مدرسة الأمل للصم والحاصلة على جائزة أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية فئة معلمات المرحلة الثانوية.
أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية (فئة الصم وغير الناطقين بالعربية)
يقول الطالب مبتسم فيصل سيف وهو في الصف الأول الثانوي (العاشر): مثل غيري من الأشخاص الصم أواجه صعوبة كبيرة عند دراستي للغة العربية لكني لم أستسلم لهذه الصعوبة، وبما أمتلكه من إصرار أقوم بالتركيز جيدا خلال الحصة الدراسية كي أستطيع فهم وحفظ المعلومات التي تقوم المعلمة بشرحها، ولا أنكر أن أكثر ما أجد صعوبة فيه هو (النحو والصرف) ولكن بالتعاون مع المعلمة والاستفسار عن الأمور التي لا أفهمها أتدارك الأمر نوعاً ما.
يضيف مبتسم: استطعت الحصول على جائزة أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية (فئة الطلبة الصم وغير الناطقين بالعربية) نتيجة لمواظبتي على الدراسة واهتمام المدرسة بنا كطلبة بالإضافة إلى حرص المعلمة هند على تعليمنا اللغة العربية بأسلوب يتناسب مع (الصم) فكان لذلك كبير الأثر في تحقيق هذا الإنجاز الذي أهديه إلى سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي نائب رئيس المجلس الاعلى لشؤون الأسرة بالشارقة مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية والتي لا تدخر جهداً في سبيل دعم ومساندة الأشخاص من ذوي الإعاقة في مختلف الميادين والمجالات، كما أهدي إنجازي هذا إلى الأستاذة عفاف الهريدي مديرة مدرسة الأمل للصم وإلى الأستاذة هند عبد العزيز معلمة اللغة العربية في المدرسة.
وعن الملف الذي قدمه للمسابقة أوضح الطالب مبتسم أن الملف تضمن شهادات حصل عليها سابقاً خلال مشاركته في العديد من الفعاليات والورش ، كما تضمن مجموعة من المواضيع التعبيرية التي كتبها اعتماداً على نفسه ومن بنات أفكاره دون اللجوء إلى أي مساعدة، فكان من بين هذه المواضيع (موضوع عن الحوار بين الأب والابن) وموضوع آخر عن (المحافظة على الإنسان)، بالإضافة إلى تقديمه مشروعاً لخدمة اللغة العربية استحق عليه هذه الجائزة.
ومن أهم أسباب عشقه للغة العربية أصله العربي في المقام الأول و القرآن الكريم ومشاركته في العديد من الورش كورش الخط العربي، وعلى الرغم من صعوبة القراءة إلا أنه يبذل كل جهده في ذلك وعندما لا يفهم معنى كلمة من الكلمات أو جملة من الجمل يسأل عن معناها حتى يفهمه.
يقرأ مبتسم الصحيفة بشكل شبه متواصل ليطلع على آخر الأخبار والمواضيع المحلية والعالمية، كما يطالع بعض المواقع الإلكترونية، وهو يؤكد أن التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال الاجتماعي ساعد الصم بشكل عام على المزيد من القراءة وبالتالي زيادة مخزون المفردات لديهم ومن ثم حثهم على الكتابة في مختلف المواضيع.
أفضل ملف إنجاز لمادة اللغة العربية (فئة معلمات المرحلة الثانوية)
الأستاذة هند عبد العزيز أكدت أنها المرة الأولى التي يشارك فيها الطلبة الصم بهذه المسابقة وقد كانت تجربة مميزة وغنية استطاع من خلالها الطلبة الصم أن يثبتوا مواهبهم وقدراتهم في مجال اللغة العربية، وما إحراز الطالب مبتسم للمركز الأول عن فئة الصم وغير الناطقين باللغة العربية إلا أكبر دليل على قدرة هذه الفئة على التميز والتفوق والنجاح.
وعن فوزها بجائزة أفضل ملف إنجاز (فئة معلمات المرحلة الثانوية) تقول الأستاذة هند: قدمت الملف للمسابقة وضمنت فيه إنجازي في مادة اللغة العربية والابتكارات وأساليب التدريس والمشروع المقدم في اللغة العربية ومن أبرز هذه الابتكارات التي قدمتها إضافة أساليب تدريس مختلفة عن أساليب تدريس الأشخاص السامعين، والأساس في هذه الأساليب تطويع اللغة بما يتناسب وقدرات الطلبة الصم حيث من الصعب جداً أن نقوم بشرح اللغة وقواعدها للأشخاص الصم بصورتها الأساسية كما هي، فكان لا بد من تطويع اللغة لتعليم الصم دون الإخلال بالقواعد.
وتشير الاستاذة هند إلى أنها قامت بجمع (مصطلحات) اللغة العربية بالتعاون مع مترجم لغة الإشارة في مدرسة الأمل للصم وائل سمير لتحويلها إلى جمعية الصم المسؤولة عن وضع القاموس الإشاري العربي الموحد وتقديمه لجامعة الدول العربية وجاري البحث عن توحيد إشارات مصطلحات مادة اللغة العربية في جميع الدول العربية.
وتضيف: كانت النتائج التي حصلنا عليها ممتازة بالنسبة لمعظم الطلبة خاصة مع استخدام طريقة الربط بين السابق واللاحق في كل الدروس مع التلخيص بأسلوب يتناسب مع لغة الصم (اللغة الاستيعابية)، مشيرة إلى أنه ولمجرد أن يقوم الطالب مبتسم بكتابة موضوع تعبير يتجاوز الـ 12 سطرا فإن ذلك يعتبر بحد ذاته إنجازاً بالنسبة لكونه أصماً، مضيفة أنه كان لابد من إعادة عرض وتقديم مادة اللغة العربية بشكل جديد ومختلف تطوع فيه لخدمة الطالب الأصم.
كما أوضحت أنها تقوم بعرض النحو والصرف على الطلبة الصم بطريقة مبسطة لأبعد الحدود وتمس حياة الطالب الأصم مع تحويل الأمثلة إلى ما يشبه المسرحية ليفهمها الطلبة ويتم الانتقال من الأسهل إلى الأصعب بالتدريج، وعند تعليمهم كتابة القصة القصيرة تقوم بعرض بعض الصور المرسومة بشكل منفرد ليتم استنباط فكرة من كل صورة وتحويلها إلى جملة تفيد المعنى ثم ربط الجمل لتصبح قصة قصيرة.
وذكرت معلمة اللغة العربية في مدرسة الأمل للصم أنها قدمت للجنة التحكيم في المسابقة تقريراً يوضح لهم معلومات عن الطلبة الصم وطرق تدريسهم بهدف توعيتهم بخصائص الأشخاص الصم وبالتالي تقييم موضوعاتهم بطريقة تختلف عن تقييم مواضيع الأشخاص السامعين، مع مراعاة كون الأشخاص الصم لا يمتلكون تلك الثروة اللغوية التي تمكنهم من الكتابة بسهولة مع ما يواجهونه من صعوبة بالغة بالنحو والصرف والبلاغة.
وتوجهت الأستاذة هند عبد العزيز بالشكر الجزيل إلى الاستاذ محمد نصار مسؤول الأنشطة في جمعية حماية اللغة العربية لاهتمامه بتحقيق رغبتها بإلحاق الطلبة الصم ضمن المسابقة وهي المرة الأولى حيث سعى الأستاذ محمد نصار في طلب الموافقة من لجنة التحكيم، كما توجهت بالشكر والتقدير إلى الأستاذ فيصل سيف ولي أمر الطالب مبتسم على هذه التربية الكريمة لابنه ولأنه قدم للمدرسة هذه الهديه واسمها (مبتسم).
خاتمة
وهكذا نجد أن المرء إذا ما عزم على تحقيق الإنجازات و أخلص في جده واجتهاده فإن بمقدوره أن يحرز المراكز الأول متخطياً جميع المعوقات خاصة إذا ما توفرت له المساندة الصادقة من أشخاص يحرصون على رؤيته في أعلى المراتب، ولنتذكر جميعاً ما قاله سيد السيف والقلم أبو الطيب المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)