حاورها : حازم ضاحي شحادة
يسرّنا أن ندعوكم في العدد الجديد من “المنال” إلى حوارٍ، نُعرِّفُكم من خلاله بالطبيبة والكاتبة ” إسراء البابلي”، ونسلّط الضوء على التجربة الحياتية والمهنية والفكرية، لأوّل دكتورة أسنان من الأشخاص الصم.
فأهلاً ومرحباً بكم:
ـ دكتورة إسراء، يلجأ الإنسان إلى الكتابة مدفوعاً بمجموعة من الأهداف التي تختلف من شخص إلى آخر.. ما هي غايتك من تأليف القصص، والرسالة أو الرسائل التي ترغبين في إيصالها إلى الناس عبر الأدب.
لم تكن الكتابة بالنسبة لي ملجأً بل متنفساً ووسيلة للتعبير عن مشاعري وبعض التجارب الحياتية، وكان شغفي للقراءة مساعداً لي في إثراء اللغة وجعلني قادرة على حسن اختيار الكلمات والمفردات اللغوية التي تعبر، و تصف الموقف أو الحالة.
واستمرت رحلتي مع الكتابة منذ المرحلة الابتدائية وكنت أعشق حصص التعبير وبعدها أصبح لي مذكرات يومية ثم خواطر حتى بدأت بكتابة قصص قصيرة أشعر أنها جزء من روحي وتعكس طبيعتي.
و مع نشر مجموعتي القصصية الأولى ” من الخيال “، جاءت ردود الفعل طيبة وإيجابية، و كانت الفكرة خلف المجموعة إحياء المشاعر الإنسانية التي فقدناها في هذا الزمن، وأن نتذكر ببساطة ما هي ” الإنسانية ” وأن من الواجب المحافظة عليها فهي بذرة الخير التي نرجو ألا تزول على الإطلاق.
ـ ما هي علاقتك بـ “المطر” و “صوت العصافير”
كلمة “صوت “هي المحك، فتلك الكلمة يعرف قيمتها حقاً من حرم منها، ومن أدرك أن لكل شيء في الحياة “صوت “، وعندما يفقد ذلك يفقد الكثير.
لسنوات طويلة، لم أكن أدرك أن هذا الكائن الصغير ” العصفور ” له صوت ولصوته معنى وإحساس في النفس ولم أنتبه أن للمطر وهو يسقط على نافدة غرفتي صوت، وفيما بعد أصبحت عاشقة لهذا الصوت، وأحياناً كثيرة، انتظره..
ـ ماذا يعني ألا تكون قادراً على السمع؟
السمع حاسة مرتبطة بالتواصل والتعلم والمعرفة، وفقدان هذه الحاسة يعني مشكلة كبيرة في التواصل بينك وبين من حولك لأنك تكون قد فقدت أولويات التواصل المتمثلة باللغة ويترتب على ذلك قصور في المعرفة والتعلم، حتى لو افترضنا أنك تعلمت لغة الإشارة لأنها لغة خاصة بالأشخاص الصم وما يتوافر فيها من مفردات، فإن ذلك لا يؤهل الفرد للحصول على معرفة كافية وتعليم مُرضٍ.
إن قدان السمع والبقاء دون أجهزة سمعية يخلق إنساناً سجيناً مخنوقاً محكوماً عليه بالمعاناة والحرمان مع التصنيف بـ “العجز”، في حين أن توافر المعينات السمعية، سواءً سماعات طبية، أو أجهزة القوقعة الإلكترونية مع التأهيل الجيد، يسهم في خلق إنسان قادر على المشاركة بفاعلية ونجاح في خدمة المجتمع و نفسه و تحقيق أحلامه.
ـ كيف تصفين تجربتك كمتحدثة باسم الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة؟، وما هي أهم القضايا التي تتحدثين عنها؟
كانت كلمتي في الأمم المتحدة ملخصاً صادقاً ورسالة بعنوان “حتى لا نترك أحداً خلفنا “، وأنه على العالم ضريبة إنسانية تجاه كافة البشر ليتمكن الجميع من الحصول على فرصة متساوية مهما كان الاختلاف، وأن على الجميع احترام حكمة الخالق في خلق البشر مختلفين ليكمل كل منا الآخر، وهذه سنة الله في خلقه.
ـ شاركينا لو سمحتِ بعض ما تحمليه من مشاعر تجاه السيدة الفاضلة “والدتك”، وغيضاً من فيض ما قدمته لك
والدتي ترفض أن أقول إنها كل حياتي وإنها قدمت لي الكثير، وتردد أنها فعلت مثل أي أم وتلك رسالتها، وأنا أرى أن عدم استسلامها وإصرارها على المطالبة بحقي في أن أعيش مثل أقراني، خلال فترة كان العالم فيها ينكر هذا الحق،”رسالة “.
وهي تقول إن ما يسعدها ليس كوني طبيبة بل كونها ساهمت في أن أكون إنسانة راضية بقضاء رب العالمين، وسوية النفس، وأنشد الخير للجميع. إلا أنني أرى أنني قد اكتسبت منها التطرف في الأحلام، وألا أقف أمام أي باب موصد، بل أحاول دوماً أن أبحث عن مفتاح له، وإن لم أجده، كان لزاماً علي أن أحطمه.
ـ قال والدكِ الفاضل حين افتتحتِ عيادة طب الأسنان الخاصة بك، وكان هو أول شخص تعالجينه: ” طلبت منها أن تعالجني دون استخدام ” التخدير”، كنتُ على استعدادٍ أن أتحملَ الألم بفرح، لا بل كنت مستعداً كي تقتلع أسناني جميعها”
حدثينا عن “الأب” في حياتك
والدي رغم قوه شخصيته إلا أنه كان لا يحتمل أبداً أن أمر بلحظة حزن، وكثيراً ما دفعني ذلك إلى التظاهر بالسعادة، وكان بالنسبة إلي الملجأ والملاذ الذي أنشده، ولكم حلمت أن أرى في عينيه نظرة الفخر، فهو حنون لدرجة لا يتصورها أحد، وضحى بمستقبله المهني، وارتضى بالاغتراب لسنوات طويلة فقط كي أتمكن من استكمال تعليمي في مدرسة دامجة وأن أعيش حياة طبيعية.
والدي هو سندي و ظهري ومعه أشعر أنني أمتلك العالم.
ـ قد يمرّ الإنسان في حياته بمئات المواقف الإيجابية، لكنها تتسرّب عبر الذاكرة بشكلٍ أو بآخر، في حين أن موقفاً مؤلماً واحداً حدث منذ “خمسة قرون 😊” قد يبقى ماثلاً فيها طوال الحياة.
ما هو الموقف، أو المواقف السلبية التي واجهتك من خلال العلاقات الاجتماعية سواء في مرحلة الدراسة أو المرحلة العملية، وترغبين في الإشارة إليها، على أمل ألا تتكرر معك أو مع غيرك.
تلقيت تعليمي الابتدائي حتى المرحلة الثانوية في مدارس مملكة البحرين وكنت محظوظة بنخبة من المعلمات والزميلات كن وما زلن صديقات وأخوات، ولم أشعر معهن بأنني مختلفة أو أتعرض إلى أذىً نفسي، بل كان مجهودي وتفوقي محل تقدير.
لكن المعاناة النفسية الحقيقية كانت خلال المرحلة الجامعية، وهي لم تكن معاناة في المناهج الدراسية (فقد وصلت إلى صيغة للتحصيل العلمي رغم فقدان حاسة السمع و عدم توفر سبل الإتاحة )، لكن المعاناة تمثّلت في العلاقات الإنسانية مع الزملاء على مدار ست سنوات، حيث تشعر أنك (مستبعد ) وأن هناك إقصاء لك، و أحياناً استنكار لوجودك في كلية طب الفم و الأسنان و كأنه ليس من حقك مهما كنت متفوقاً ومجتهداً أن تكون طبيب أسنان، وعندما تقوم بمهمة أو مشروع جماعي، تنفذه بمفردك لأن لا أحد يرغب في انضمامك إلى الفريق، وإن حصل فهو بدافع الشفقة بضغط من أستاذ المادة ..
معاناة يومية بدون مبرر منطقي سوى أنهم بشر بدون إنسانية، وكانت تلك السنوات، أقسى سنوات عمري.
ـ عام 2018، شاركت في فعاليات مؤتمر «5% ضمن نطاق التردد» الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بهدف تسليط الضوء على أهم القضايا والمشكلات التي تتعلق بالأشخاص الصم وضعاف السمع، والاطلاع على أحدث الأبحاث العلمية التي من شأنها تمكينهم من حقوقهم والعمل على تعزيز مفهوم ثنائية الثقافة/ ثنائية اللغة، وزيادة فرص اندماجهم في المجتمع بشكل كامل غير منقوص، بالإضافة إلى تفعيل دورهم في مسيرة التنمية المستدامة التي تسعى لها مختلف دول العالم.
كيف تقيمين هذه التجربة؟ وأهمية المؤتمر الاجتماعية والتوعوية
أصدقك القول أنني قبل عام 2018 لم أكن أرغب في المشاركة في المؤتمرات، وأرى أنها كثيراً ما تنتهي بمجموعة توصيات لا تدخل حيز التنفيذ، لكن عندما عرضت علي المشاركة في مؤتمر 5 % ضمن نطاق التردد، أول ما استوقفني الاسم “مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية” فهو مصطلح به من الرقي ما يجعل الإنسان يقدر القائمين عليه ويدفعني إلى السعي أن يكون اسمي مقترناً بمثل هذه المؤسسة حيث شعرت بحالة من الارتياح النفسي و الحماس و فعلاً كنت على حق.
و زاد من قناعتي أنه حقاً ليس مجرد مؤتمر يخرج بمجموعة من التوصيات وجود عدد من ورش العمل، ومحاولة الوقوف على توفير سبل الإتاحة ليكون الجميع قادرين على المشاركة الحقيقية في مجال العمل، وكان ايمان سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي رئيس المدينة برسالتها المجتمعية ويقينها بأننا حقاً قادرون، عاملاً مهماً من عوامل نجاح المؤتمر، فالإيمان بالآخر و المساندة الصادقة التي لمستها في دعمها و السعي إلى توفير كل الطاقات و الإمكانيات، والثناء على الشباب الناجح بحب، يمنحنا حافزاً قوياً على الإصرار وإثبات الذات.
ـ كلمة توجهينها إلى قراء المنال في جميع أرجاء الوطن العربي والعالم
علينا أن نفتح الأبواب للجميع مهما كان الاختلاف، ولنجعل التجربة هي التي تبرهن فلا يكون هناك أبداً أحكام مسبقة تقيّد الأحلام.
وأنا أقول دائماً، نحن “متشابهون” في اختلافنا، والاختلاف لحكمة، والتنوع البشري سنة الله في خلقه.
علينا أن نتقبل الآخر وندعم بعضنا البعض.
أنا مصرية الأصل وأحمل الجنسية البحرينية، حصلت على التأهيل على يد طبيبة سورية، وتعالجت على يد طبيب بريطاني، وتعلمت اللغة الإنجليزية من سيدة أمريكية
نجاحي واستمراري حصيلة جهود كل هؤلاء الذين تجمعهم “الإنسانية “.
بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
صدر له حتى الآن:
المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
(مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية).