فوزية حسن محمد بن غريب وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد لقطاع العمليات التربوية
“دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في المدارس العامة مسؤولية تحترمها دولة الإمارات”
“لكل طفل الحق في التعليم” هو شعار عالمي ترجمته دولة الإمارات العربية المتحدة إلى واقع ملموس بناء على إهتمام الدولة بالمنظومة التعليمية وتطويرها، حيث أن التعليم هو القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها حضارة ورقي المجتمع الناجح والمزدهر وفي هذا الشأن يكفل دستور الإمارات بالقوانين والتشريعات المصادق عليها حق التعليم للجميع،
كما تحرص دولة الإمارات على توفير البيئة التعليمية لكافة الطلبة بما فيهم فئة ذوي الإعاقة، وذلك منذ أن اعتمد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله القانون الإتحادي رقم 29 لسنة 2006 الذي يحفظ حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بضمان دمجهم في المجتمع وإحقاق حقوقهم نحو حياة أفضل.
وتمثل تجربة دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس العامة إنجازا تفتخر به وزارة التربية والمناطق التعليمية في الدولة بعد ما تم تفعيل مشروع الدمج بشكل عملي مدروس وفقا لخطط ومناهج علمية ساهمت في تسهيل عملية الدمج التربوي بتوفير البيئة التعليمية والمتطلبات المادية والمعنوية الأساسية التي يحتاجها ذوي الإعاقة لإلتحاقهم بالمقاعد الدراسية بشكل إيجابي وصحيح ،حيث أنهم شريحة مهمة في المجتمع ولهم كل الحق في التعليم والمساهمة في التنمية.
وفي هذا السياق تبادرت إلى أذهاننا الكثير من التساؤلات لعل من أهمها الإستراتجيات والتدابير التي ساهمت في تفعيل وتسريع عملية الدمج؟ وإلى أي مدى تحققت الأهداف المرجوة منها؟ وهل تم تأهيل المجتمع المدرسي لإستيعاب فئة ذوي الإعاقة للتعامل معهم بالشكل الصحيح؟
ولتسليط الضوء على قضية دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في التعليم العام كان لمجلة المنال لقاء مع شخصية بارزة قدمت ولا تزال تقدم الكثير من الإنجازات القيمة للمنظومة التعليمية في إمارة الشارقة، سعادة فوزية حسن محمد بن غريبمن مواليد إمارة الشارقة تخرجت من جامعة الإمارات وحصلت على بكالوريوس آداب وجغرافيا سياسية، عملت في عدة وظائف أولها معلمة جغرافيا ثم موجهة جغرافيا واقتصاد، وبعدها انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم وعملت في إدارة التوجيه التربوي وفي هذا القسم كان تسلسلها الوظيفي من رئيس قسم التوجيه الفني بإدارة التوجيه التربوي إلى نائب مدير إدارة التوجيه التربوي وبعد ذلك مدير إدارة التوجيه التربوي، وانتقلت بعدها إلى منطقة الشارقة التعليمية بمنصب مدير إدارة منطقة الشارقة التعليمية منذ عام 2004 وحاليا وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد لقطاع العمليات التربوية.
مشوارها العلمي والتعليمي والمهني حافل بالإنجازات القيمة والنجاحات المتميزة في مسيرة تطوير المنظومة التعليمية في إمارة الشارقة كما تحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشارقة للتفوق والتميز التربوي سنة 1997 وجائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي سنة 2003 وجائزة الشيخ خليفة للمعلم سنة2005، وإلى جانب عملها في المنطقة التعليمية تشارك فوزية بن غريب في فعاليات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بصفتها عضوا بالمجلس، كما تشارك في مجلس الفكر وفي جائزة الشارقة للمعاقين المبدعين وأيضا هي عضو في مجلس تطوير المناطق التعليمية ونائب إتحاد الإمارات للسباحة، وعضو مجلس إدارة اتحاد الإمارات للرياضة المدرسية، وتدفعها عزيمتها الوطنية للمشاركة في كل الفعاليات التي تخدم الوطن بالإضافة إلى مشاركاتها العديدة في المؤتمرات الداخلية والخارجية فهي تمثل الشخصية القيادية الناجحة والمتميزة للمرأة التي تفتخر بها دولة الإمارات.
“الكمال لله وحده في جميع الأمور والكمال لله في خلقه”
بعبارات صادقة تحدثت فوزية بن غريب عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وأكدت أن الإعاقة هي قدر الله في خلقه وأوضحت أن المسؤولية تجاه فئة المعاقين لا تقتصر على الأسرة وإنما هي مسؤولية مجتمعية تمتد للمساهمة في تقديم كامل الدعم الأساسي للإرتقاء بمستوياتهم التعليمية والتأهيلية وتمكينهم المشاركة المجتمعية العادلة وبدون تمييز، وأضافت أن الدولة بتوجيهات قياداتها الرشيدة تعمل على تحقيق هذه المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي تكفل حقوق الجميع ليكون المجتمع متماسكا ومتساويا في الحقوق والواجبات، وعن قرار الدمج قالت:”إن مشروع الدمج إيجابي وعلى الجميع تأييده والتعاون والمشاركة في إنجاحه لأن المدرسة حق للجميع والشخص المعاق له الحق في التعليم والمشاركة المجتمعية مع إحترام خصوصياته في مجال الإعاقة”، وأضافت أن الأشخاص من ذوي الإعاقة يمثلون جزءا هاما من المجتمع ولديهم قدرات وإمكانيات ولكن لابد من توفر الظروف الملائمة والفرص المتكافئة لهم ليتمكنوا من المشاركة والعطاء بفعالية.
وفيما يخص دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة قالت فوزية بن غريب: “أكرر أن الشخص المعاق فرد من المجتمع يجب عدم عزله عن الآخرين ومن حقه أن يحظى بالإهتمام وأن يتعلم كغيره ويندمج في المجتمع، ومنطقة الشارقة التعليمية عملت على دمج طلبة من هذه الفئة قبل صدور القوانين والتشريعات، كما أن إمارة الشارقة بتوجيهات قيادتها الرشيدة لها دور مثالي وفعال في الإهتمام ودعم فئة المعاقين من خلال المراكز والمؤسسات التي تعنى بخدماتهم وعلى رأسهم مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي تمثل جزء لا يتجزأ من منطقة الشارقة التعليمية من خلال التعاون والتنسيق المتبادل، وحاليا نعمل في المنطقة التعليمية من خلال التدابير الجديدة على تفعيل إلزامي لسياسة الدمج بالتنسيق مع وزارة التربية ووزارة الشؤون الإجتماعية وتسعى إدارة التعليم إلى توفير كامل الظروف المناسبة لإنجاح برامج الدمج وتقديم الخدمات التربوية والتعليمية لفئة المعاقين، وقد تم عقد عدة اجتماعات في هذا الجانب، كما قدمت عدة دراسات حول مشروع الدمج لإستكمال جميع المتطلبات البشرية والأساسيات المادية والمعنوية التي من شأنها يتم إنجاح خطط الدمج الصحيح بكامل برامجه.
دمج الأشخاص المعاقين يضمن تكافؤ الفرص والمساواة ويعزز شعورهم بالإنتماء الوطني
وأضافت في حديثها أنه يتم إلحاق الطلبة من ذوي الإعاقة وفقا لتقييم قدراتهم الإدراكية وإمكانية تفاعلهم التعليمي حسب مختلف الإعاقات سواء كانت حركية أو سمعية أو بصرية أو ذهنية بالتعاون مع خدمات المراكز والمؤسسات التي تعنى بتأهيل المعاقين لتشخيص وتحديد حالة الإعاقة وما إذا كانت قابلة للتكيف مع التعليم العادي أم تحتاج إلى تأهيل خاص وذلك حسب درجة الإعاقة بسيطة متوسطة أم شديدة، وقالت: “نعتمد على أن يكون التعاون متبادلا بين منطقة الشارقة التعليمية من الناحية الأكاديمية ومؤسسات التربية الخاصة كمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ومركز أولادنا لبحث الحالات التي يمكن دمجها في التعليم العادي وتحويل الحالات الصعبة كالإعاقات الذهنية الشديدة لتأهيلها للدمج في المراحل القادمة” ومن خلال الدراسات الميدانية تم تحديد وتقييم المتطلبات الضرورية التي تساعد الطلبة المعاقين على مسايرة أقرانهم غير المعاقين في العملية التعليمية داخل المدرسة، وذكرت فوزية بن غريب أنه وفقا لميزانية الوزارة وتجاوبها للمتطلبات التي اقترحت من قبل المنطقة التعليمية، تم تهيئة المدارس المستهدفة لإستقبال الطلبة المعاقين وذلك اعتمادا على مواقع المدارس والكثافة العددية فيها، ومن ثم إعداد البيئة المدرسية المناسبة بتوفير المباني المجهزة والمناسبة لتسهيل حركة وتنقل الطلبة المعاقين، بحيث تقلل من حاجتهم لطلب المساعدة وتزيد من إعتمادهم على أنفسهم وتمنحهم الثقة في النفس وتكسر لديهم الحواجز وتقلل الضغوطات التي يمكن أن تعترض تكيفهم المدرسي، وأضافت أنه تم تأهيل المجتمع المدرسي بكل فئاته من مدرسين وإدارة وطلاب وأولياء الأمور بإعتباره الركن الأساسي في إنجاح مشروع الدمج، وقالت: “إن تأهيل المجتمع المدرسي وزيادة توعيته بتقبل فئة الأشخاص من ذوي الإعاقة بالتعامل الصحيح والمساهمة في تكيفهم الإجتماعي له دور فعال وإيجابي يساعد على تجاوز سلبيات ومصاعب الدمج والعمل على تغيير النظرة القاصرة وتصحيح الأفكار الخاطئة تجاه فئة ذوي الإعاقة وبناء على ذلك نعمل في المنطقة التعليمية بإستراتيجية تربوية واضحة في ترسيخ ثقافة المجتمع نحو المعاقين بمفهوم أخلاقي وتربوي يعكس سلوك التعاون والتواصل والتآلف بدون تمييز وعدم السماح بأي اختلاف أو أخطاء في معاملة الطلبة المعاقين أو إظهار أي من أشكال التمييز تجاههم في المرافق والإدارات التابعة لقطاع التعليم”.
وعن أنواع الإعاقات التي تم دمجها في المدارس العادية قالت:” الإعاقة أنواع قد تكون إعاقات داخلية في باطن الإنسان ولا نراها وإنما تنعكس من خلال السلوك، وإعاقة خارجية نحكم عليها بالنظر.. ونحن نستقبل الطلاب على إختلاف أنواع إعاقاتهم ونحاول دمجهم بالطريقة الصحيحة، ومثلما نتعاون مع الإعاقات الداخلية من ناحية الشخصية والسلوك نتعامل مع مختلف الإعاقات الخارجية الأهم في ذلك أن يدرك المجتمع ويؤمن بقدرات الأشخاص المعاقين ونتعاون لنمنحهم الفرصة والبيئة المناسبة وحق المشاركة المجتمعية”.
“فوزية بن غريب تؤيد مبدأ الحق في التعليم والمساواة للجميع”
تواصل فوزية بن غريب أنه تم تشكيل لجنة مكونة من أخصائيين في التعليم والتربية الخاصة لإعداد برامج تراعي قدرات الطلبة المعاقين حيث توجد إعاقات تتطلب خدمات ووسائل معينة كالإعاقة البصرية والسمعية والحركية والتعامل معها سهل أما باقي الإعاقات كالتوحد والإعاقات الذهنية فتتطلب دعما نفسيا ومعنويا وتقييما لكل حالة لمعرفة أساسيات الدمج علما أن الطلبة المعاقين يخضعون لنفس مناهج وزارة التربية المقترحة خلال السنة الدراسية ونفس الإمتحانات مع مراعاة الفروق الفردية فيما بينهم، وقالت:”إن مناهج تعليم ذوي الإعاقة جزء لا يتجزء من النظام التعليمي ومشروع الدمج في المدارس العادية يخدم الطرفين سواء فئة المعاقين أو غير المعاقين، حيث يكتسب الطالب المعاق سلوكا جديدا من خلال التواصل والتفاعل مع أقرانه غير المعاقين وبالمقابل يساعد الدمج في السن المبكر على تقبل المعاقين في المجتمع بدون مصاعب والعكس صحيح، كما أن نجاح وتفوق الطالب المعاق يكون حافزا قويا وقدوة لغير المعاقين في رفع مستوياتهم التعليمية.
وعن أهداف الدمج التعليمي أكدت أن وزارة التربية والتعليم في الدولة تسعى إلى تحقيق حماية وكفالة وضمان تمتع الأشخاص المعاقين بكامل حقوقهم الإنسانية والمساواة مع الآخرين في مجال التعليم وكفالة إشراكهم التعليمي من رياض الأطفال إلى الجامعات مما يساهم في تغيير نظرة المجتمع للإعاقة وتغيير نظرة المعاق لنفسه.
وعن تعاون مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية قالت:”المدينة لها دور سباق في دمج الطلبة من ذوي الإعاقة وتعاوننا مستمر لما له من أثر في إنجاح وتوسيع مشروع الدمج، كما تحرص المدينة على تأهيل الطلاب بمستوى جيد وتعمل على توعية المجتمع بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة من خلال المحاضرات والندوات التي تنظمها على مدار السنة إلى جانب توفير الإختصاصيين لمتابعة حالات الطلاب بعد دمجهم”.
ودعت فوزية بن غريب أولياء أمور المعاقين إلى المساهمة في دمج أبنائهم في المجتمع ودعمهم نفسيا ومعنويا وإجتماعيا ومنحهم الفرص لتجاوز الإعاقة بكامل الثقة، وأكدت أن الخجل من الشخص المعاق وعزله عن المجتمع هو سلوك نحاسب عليه لأن ذلك قدر ومشيئة الله في خلقه، وتمكين الشخص المعاق مسؤولية تحترمها القيادات في دولة الإمارات العربية المتحدة لما له من بصمات إيجابية تبدأ من التحصيل العلمي وصولا إلى المساهمة في الحياة العملية وتحقيق الإبداع والعطاء.
وفي ختام حديثها قالت فوزية بن غريب: “إن الله عز وجل خلق جميع عباده سواسية وأعطى سبحانه لكل من خلقه إمكانيات متفاوتة ومنه يجب علينا كأفراد ومؤسسات أن نثق بقدرات وإمكانيات الجميع ونعمل على تحقيق العدالة والمساواة لتكافؤ المجتمع بكل فئاته والإرتقاء بالأشخاص من ذوي الإعاقة، ما يعزز إنتماءهم الوطني فنساهم جميعا في تحقيق طموح دولتنا في إطار التنمية البشرية المستدامة وإنجاح مساعيها في كل المجالات.