الأستاذة رهام فندي عميش من النساء الرائدات في مجال العمل الاجتماعي والإنساني مع الأشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن، حاصلة على بكالوريوس في التاريخ من كلية الآداب، وعضو نشيط في لجنة المرأة في الاتحاد العام لنقابات الأردن، ونقابة البتروكيماويات، وعضو اتحاد المرأة، عضو المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين في المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة لأهالي الأشخاص المعاقين ذهنياً، نائبة لرئيسة جمعية أهالي وأصدقاء الأشخاص المعوقين، لها العديد من المشاركات في الندوات والدورات التدريبية والمؤتمرات وعدد من العضويات في عدد من المنظمات العربية والدولية كمنظمة الاحتواء الشامل إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والاتحاد الدولي لتنمية قدرات الجميع من خلال الترويح.
هي أم لشابين لانا وعيسى من ذوي الإعاقة الذهنية، تقول في حديثها عن تجربتها الشخصية في التعامل معهما: أحيا بهما ولأجلهما، أفرح عندما يفرحان وأحزن لأني لا أفهم أحياناً أحزانهما وآلامهما، أتواصل معهما بلغة غير منطوقة، إنها لغة القلوب والأحاسيس، بسببهما تعلمت أن أكون طبيبة، ممرضة، معالجة، بصمتهما علماني أكثر مما علمتهما.
(المتفائل يرى في كل صعوبة فرصة والمتشائم يرى في كل فرصة صعوبة، ويبقى الخيار لنا: ماذا نرى؟) هذه هي فلسفتها في الحياة، تقول: يحلم كل أبوين بوليد اقرب ما يكون إلى الكمال في كل شيء ولكن أحيانا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، عندها يفيق الوالدان من حلمهما الجميل على واقع جديد لا أستطيع أن أقول عنه ليس جميلا حيث تبدأ مجموعة من المشاعر ابتداء من الصدمة ومرورا بالرفض حتى الوصول إلى مرحلة القبول ثم حب هذا الواقع والعمل من خلاله ليكون نعمة لا نقمة. مسار جديد أخذتني إليه طفلتي الأولى ومضيت أتخبط حائرة من أين أبدأ وكيف ومع من، لأكتشف أن المسار يأخذ أبعادا أكثر تشعبا، ومن لحظتها رفعت شعار الحكمة التي تقول: أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام.
الإعاقة ليست نهاية المطاف
وتؤكد السيدة رهام أن تلقي خبر إعاقة ابنتها في 23 مايو / أيار 1987 لم يكن سهلاً، ولا قابلاً للتقبل في بادئ الأمر، ولكن رغم الألم ومشاعر الإحباط ـ تقول ـ بدأت بتشجيع نفسها أمام التحدي الأكبر، وكان مصدر هذا الوعي هو الأمومة، فبدأت بالبحث عن المعلومات المفيدة أنّا وجدتها بهدف زيادة إدراكي ومعرفتي عن إعاقة ابنتي حتى أقدم لها ما أستطيعه من فائدة، حيث أتاح البحث الوصول إلى مؤسسات حكومية، وأهلية تتعامل مع الإعاقة، وبدأت بالشعور بالانتماء إلى العمل الاجتماعي التطوعي.
وبعد المرحلة الثانية من رحلتي مع الإعاقة وإنجابي لطفل معاق آخر ـ تقول السيدة رهام ـ تعزز لدي الشعور الكامل للانخراط بالعمل المجتمعي، وكان التزامي المستمر طيلة الفترة الماضية سبباً في أن أتشرف برئاسة جمعية أهالي وأصدقاء المعاقين، إضافة إلى دوري في دعم ومساندة كافة النشاطات المحلية والإقليمية في مجال رعاية وتأهيل الأشخاص المعاقين وهي أدوار أفتخر بها، وأسعى من خلالها إلى تقديم الخير والدعم لذوي الإعاقة كعضويتي في منظمة الاحتواء الشامل لإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والاتحاد الدولي لتنمية قدرات الجميع من خلال الترويح.
وتعتبر الأستاذة رهام أن كل ما قدمته لأطفالها وللأطفال الآخرين لا يساوي شيئاً أمام البسمة التي تراها مرتسمة في عيونهم، وهم يعيشون حياتهم، باستقلالية نسبية، وتشعر بالفخر نظراً للدور الذي قامت به كأم من أجل أطفالها للوصول بهم إلى بر الأمان، فعندما ترى ابتسامتهم، تتلاشى كل معاناتها السابقة وترى أملاً جديداً لمستقبل أفضل.
وتضيف: معاناتي كأم لولدين من ذوي الإعاقة وتجربتي مع المجتمع كانت قاسية، واجمالاً فإن نظرته للإعاقة وللأشخاص المعاقين ما زال يشوبها الكثير من الجهل، وعدم الإدراك لواقع الأطفال المعاقين وأسرهم، وقد أدى ذلك إلى إحساسي بمعاناة كبيرة ورغبة عارمة بتصحيح هذه النظرة نحو المعاقين، لتكون مبنية على أساس علمي وإنساني وتربوي.
وقد تعلمت من هذه التجربة أن الأيادي البيضاء قادرة على تلوين الحياة، وأن الشموع لا تحترق إلا بعد أن تضيء الطريق لمن اختاروا الحياة، فستستمر الحياة وسنلونها بكل ما في الكون من طرق الخير والجمال، فمن لانا وعيسى تعلمت أن أكون إنسانة أعرف ضعفي وعجزي وأعرف عظمة ربي وكرمه وعطفه.
وتقول رهام: المشاعر التي أحس بها هي مشاعر كل أم لطفل معوق، إلا أنها في مجملها تعني سر النجاح في التعامل مع دور يمثل لنا تحديا تفرضه غريزة الأمومة في البحث عن المستحيل والسير وراء السراب، فالأم أكبر وأقوى من الاستكانة والاستسلام عندما يتعلق الأمر بطفلها. بدأت رحلتي مع أطفالي مستمدة الدعم من أمومتي حتى أتمكن من إيصالهما إلى بر الأمان تحديت كل النظرات الدونية التي جوبهت بها والإحساس بالشفقة من قبل الآخرين.
تنمية القدرات من خلال الترويح
وتضيف: أعتمد على الترويح لتعليم ولدي الاثنين فلم أترك فرصة أو مجالا أو مناسبة إلا وأشركتهما فيها، دفعتهما إلى ممارسة الأنشطة الرياضية، دفعتهما إلى المشاركة في المخيمات والمعسكرات والندوات، وحتى المؤتمرات كمراقبين، وهما الآن في سن الشباب، ذهبنا معا للسياحة في الأردن وخارجه، شاركاني واجباتي الاجتماعية وفرضا على المجتمع احترامهما ومعاملتهما كأشخاص فاعلين ومنتجين.
وتوضح السيدة رهام أن الجانب الترويحي الذي ركزت عليه في التعامل مع ابنتها بتدريبها على السباحة كان له دور كبير في حياتها، حيث حصدت نتائج إيجابية جدا وهي قادرة على المشاركة في بطولات رياضية خارج الأردن وعدة نشاطات رياضية متميزة، وقد كان لهذا الجانب الأثر البالغ في تنمية مفهوم الذات لديها وعلاجها وظيفيا من الناحية الطبية، كما أن هذا الجانب زاد من دافعيتها وعزز لديها الثقة بالنفس وخصوصا بعد نجاحها في أداء مهمات رياضية أثناء السباحة كتحريك يديها وقطع مسافات في الماء، فضلا عن أثر هذا الجانب الكبير ودوره في بناء علاقات اجتماعية إيجابية مع أقرانها والمجتمع المحيط بها.
تأسيس جمعية أهالي وأصدقاء الأشخاص المعوقين
وتقول السيدة رهام: وفرت لأبني ظروفا لم يشعرا معها أنهما يعيشان في بيئة مختلفة أو أنهما أقل شأنا من أقرانهما غير المعاقين، ودفعتني تجربتي الشخصية هذه إلى الخوض في شق آخر من حياتي، فقد قمت ومجموعة من الأهالي بتأسيس جمعية أهالي وأصدقاء الأشخاص المعوقين وهي جمعية غير ربحية تقدم خدماتها للأشخاص المعاقين من مختلف الإعاقات والفئات العمرية والمستويات الاجتماعية والاقتصادية وتقدم خدماتها أيضاً للمعاقين القاطنين في الأماكن النائية بدون مقابل وذلك عن طريق برنامج للتأهيل الخارجي، معتمدة في دخلها على الهبات والتبرعات من السلك الدبلوماسي، وسيدات المجتمع وأهل الخير والأنشطة التي يخصص ريعها لصالح الخدمات المقدمة في الجمعية.
وقد حظيت الجمعية وهي مؤسسة غير حكومية بدعم ورعاية واهتمام من القطاعين العام والخاص وانعكس هذا إيجابا على الفئة المستفيدة من خدماتها. ففي مجال الرياضة والترويح والسياحة استضافت الجمعية عددا من المعسكرات والمخيمات العربية، تضمنت برامجها أنشطة رياضية وترويحية ورحلات سياحية لمختلف مدن ومحافظات المملكة الأردنية، فالاستثمار في الإنسان المعوق يبقى غاية وهدف ولابد أن يكون مجديا إذا بني على مبادئ حقوق الإنسان وحقوق المواطنة وأن تتحول نتائج الأبحاث والدراسات العلمية إلى واقع يستفاد منه على جميع الأصعدة وأن تتوصل إلى إيجاد الطرق المناسبة التي يتم من خلالها دمج هؤلاء المعوقين ضمن أفراد المجتمع ليحصلوا على حقوقهم من خلال العمل بمختلف المجالات سواء بسواء مع غيرهم من أفراد المجتمع، فالتعليم والدمج الترويحي من خلال ممارسة الأنشطة المختلفة للاستمتاع بالحياة واكتساب المهارات وتحقيق الاستقلالية والسعادة حق للجميع.
برامج جمعية أهالي وأصدقاء الأشخاص المعوقين
وتضيف السيدة رهام أن جمعية أهالي وأصدقاء المعاقين تقدم خدماتها من خلال برنامجين رئيسيين، وهما البرنامج الداخلي، والبرنامج الخارجي.
البرنامج الداخلي، وهو مقسم إلى:
- يوم الثلاثاء: وفيه ننظم نشاطاً يستهدف ذوي الإعاقة الكبار من عمر 12إلى 20، ويضم شديدي الإعاقة، والمعاقين حركياً، وأصحاب الشلل الدماغي، حيث يتم تقديم مهارات أكاديمية بسيطة لهم، بالإضافة إلى أساسيات في الكومبيوتر.
- نادي الصداقة: ويستهدف الشباب المصابين بمتلازمة داون بعد سن العشرين، فيقوم بتدريبهم على مهمات أساسية في التأهيل المهني، كالخياطة، والتلوين، وأعمال التدبير المنزلي، والطبخ، إضافة إلى أنشطة ترفيهية كالرسم، ومهارات الاعتماد على الذات والاستقلالية في الحياة.
- السوسنة: وهو برنامج يستهدف الأطفال الصغار، وينظم لهم رحلات ترفيهية، ويدربهم على الاعتماد على ذواتهم، كما يعلمهم المفاهيم اليومية للحياة، والتدريب على أساسيات الكومبيوتر.
- أما البرنامج الخارجي، فيتمثل بتطبيق برنامج البورتيج الذي يستهدف أمهات الأشخاص من ذوي الإعاقة المقيمين في الأماكن البعيدة، والذين لا يستطيعون الالتحاق بمؤسسات التربية الخاصة، وذلك عن طريق الزيارات الميدانية للأسرة حتى يصبح عمر الطفل 4 سنوات، وحينها يكون مهيئاً للالتحاق بالجمعية إن أمكن، فتوضع له خطة فردية مناسبة تتضمن مهارات الاستقلالية، والتآزر الحركي، ومهارات الحياة اليومية، إلى أن يكمل عامه السابع، حينها تحاول الجمعية دمجه في المدارس العادية أو استكمال برنامجه التدريبي في الجمعية إن تعذر الدمج.
شارك في الإعداد: ثرية مسعودة