مخلص في تعليم طلابه وتأدية رسالته
يعتقد البعض أن الشخص الأصم يعيش في عزلة عن مجتمعه بعيداً عن التفاعل والعمل والتفوق والإبداع وهذه النظرة الخاطئة تدحضها العديد من النماذج الرائعة للأشخاص الصم والتي تستحق تسليط الضوء عليها لتوعية أبناء المجتمع بما يمكن لهذه الفئة أن تحققه سواء على الصعيد العملي أو على الصعيد الإنساني الشخصي، بالإضافة إلى إيصال (صوت) الصم للجميع كي يتعرفوا على تجاربهم الملهمة ويتلمسوا الصعوبات التي تواجههم في حياتهم بشكل عام وكيفية قيامهم بمواجهتها والتغلب عليها تقودهم في ذلك إرادة قوية تدفعهم لتحقيق أحلامهم وإثبات جدارتهم وكفاءتهم في مختلف الميادين والمجالات.
طبعاً الأمر ليس باليسير، ويحتاج إلى أناس يؤمنون بطاقات ومواهب ذوي الإعاقة ومن بينهم الأشخاص الصم لمساندتهم ودعمهم مادياً ومعنوياً كي يستطيعوا إظهار هذه المواهب والطاقات بشكل سليم وضمن الأطر الصحيحة التي تخدم قضيتهم بشكل خاص والمجتمع بشكل عام حيث يصب إنتاج هذه القدرات في تنمية وتطوير البنية الثقافية والمعرفية والعملية عموماً.
مجلة المنال كانت وما زالت معنية بشكل رئيسسي بقضايا الأشخاص من ذوي الإعاقة، تسلط الضوء عليها وعليهم لتعرف المجتمع بهم منجزة ما عليها من مهام في ردم الهوة بين هذه الفئة ومجتمعها، واضعة نصب عينيها تقديم الصورة الحقيقة البعيدة عن النظرة السلبية والمسبقة عنهم لأنهم جزء لا يتجزأ من البنيان المجتمعي، وفي هذا السياق نطل مع القراء الكرام على تجربة محمد حسين خليل أبو زهرة أستاذ التربية الفنية والتشكيلية في مدرسة الأمل للصم.
محمد يعمل في المدرسة منذ خمسة عشر عاماً وهو من الأشخاص الصم، متزوج من ندى السيد محمد وهي من الأشخاص الصم أيضاً وتعمل مدرسة في روضة الأمل للصم وله منها ولدان، عبد الله (8 سنوات) ودارين (6 سنوات) وولداهما من السامعين لكن ذلك لم يمنع الأستاذ محمد من تعليمهما لغة الإشارة كي يستطيع الوالدان التواصل معهما بسهولة.
عن بداياته يشير محمد إلى أنه ولد في الإمارات لوالد أردني وأم مصرية ثم التحق وهو طفل صغير عام 1985 بمدرسة الأمل للصم حيث تعلم فيها واهتم بالرسم منذ نعومة أظفاره وقد ساعده التعرف في المدرسة على زملاء من مختلف الجنسيات على صقل خبرته وتجربته الحياتية الأمر الذي أسهم منذ تلك المرحلة في زيادة وعيه وهو الأمر الذي ساهم به مساهمة كبيرة المستوى الجيد للتعليم في مدرسة الأمل للصم واهتمام معلميها بالطلبة اهتماماً صادقاً ونابعاً من الحرص على تعليمهم أفضل تعليم.
في تلك الفترة ـ يقول أبو زهرة ـ بدأت موهبة الرسم تظهر عنده وكان حينها في الصف الثالث الابتدائي وقد لاقت رسوماته الكثير من إعجاب وتقدير زملائه وأساتذته الذين شجعوه على المواصلة بإبداع الرسومات الجميلة وتطويرها باستمرار.
بعد الصف الخامس غادرت عائلة محمد أرض الإمارات متجهة للاستقرار في مصر، وهناك أيضاً التحق أبو زهرة بمدرسة خاصة بالأشخاص الصم وتعلم فيها فن الزخرفة الإسلامية خلال فترة الدراسة الإعدادية وحتى الانتهاء من الثانوية.
يتذكر محمد تلك الفترة من حياته عندما كان يراقب رجلأً يمر أمام منزلهم كل يوم وفي يده لوحات، وفي إحدى المرات استوقفه محمد ليتعرف عليه وعلى طبيعة عمله فاكتشف أنه مدرس في كلية الفنون الجميلة فأخبره محمد برغبته الشديدة في أن يحصل على شهادة الدبلوم من الكلية وأنه موهوب بالرسم وقد تعلم في المدرسة فنون الزخرفة الإسلامية.
بالفعل أعجب المدرس بموهبة محمد وساعده على الالتحاق بكلية الفنون الجميلة فكان أول طالب أصم يدخل الكلية ويتخرج من جامعة (المنية) بمصر مؤكداً جدارته وموهبته وقدرته على الإنجاز وتحدي الصعوبات لتبدأ بعدها رحلته في البحث عن العمل.
حاول محمد العمل في لبنان والأردن لكن الظروف لم تواته هناك.. بعدها قرر أن يراسل سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي ويطلعها على رغبته في تعليم الصم بمدرسة الأمل للصم مادة التربية الفنية والتشكيلية، وبالفعل جاءه الرد الإيجابي مع كل الدعم والمساندة من قبل مدير عام المدينة فالتحق بالطاقم التعليمي في المدرسة عام 1998، وهنا بدأت رسالته كمعلم متقن للغة الإشارة الأمر الذي ساعده كثيراً في التواصل مع الطلبة وإيصال الأفكار إليهم بيسر وسهولة.
إن تجربة الأستاذ محمد أبو زهرة في مدرسة الأمل للصم نموذج للتميز والنجاح، فبالإضافة إلى تعليمه الصم فنون الرسم شارك معهم في العديد من المسابقات داخل وخارج الدولة وحققوا فيها مراكز متقدمة ومشرفة رفعوا من خلالها اسم مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ومدرسة الأمل للصم عالياً، وقد كانت باكورة هذه الجوائز جائزة الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد لإبداعات الطفولة، ثم توالت المشاركات والجوائز التي أثبتت قدرة الصم على الإبداع والتميز.
محمد كما ذكرنا متزوج وله ولدان سامعان.. تربطهما به وبأمهما علاقة متينة راسخة قائمة على الحب الكبير، ويشير محمد إلى تلك المرحلة التي تلت ولادة عبد الله وما شهدتها من تحديات جسام بالنسبة له ولزوجته حيث تطلب الأمر منهما الكثير من الحرص والتركيز في التعامل مع ولدهما البكر وابتكار الأساليب المناسبة للإحساس به إن احتاج شيئاً، فمثلأً عندما يكونان نائمين لن يستطيعا سماعه في حال احتاج الطعام، فكانت الأم تنام قريبة جداً منه لتشعر بأية حركة تصدر عنه.. وهكذا نشأ عبد الله وبعد أن تعلم لغة الإشارة ساعد والديه في تعليم شقيقته هذه اللغة وبها يتواصلان مع والديهما بشكل مدهش.. فهما ـ على حد تعبير محمد ـ يكادان يتقنانها أكثر من أبويهما الأصمين.
وعائلة محمد شأنها شأن أي عائلة تحيا حياة طبيعية، فمحمد وزوجته يعملان ليعيلا العائلة، وابناهما يذهبان إلى المدرسة لنهل العلم والمعرفة، في الإجازة تخرج الأسرة إلى الحدائق ومراكز التسوق لتمضية بعض الوقت والترفيه عن النفس، كما تجتمع الاسرة مع الأصدقاء أحيانأً لتمضية الوقت وإتاحة الفرصة أمام الطفلين ليلعبا مع أقرانهم من أبناء الأصدقاء قبل بداية يوم دراسي جديد.
محمد أبو زهرة لم ينس أن يوجه جزيل الشكر والتقدير إلى سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي التي لا تدخر جهداً في سبيل دعم ومساندة الصم والعمل باستمرار على الارتقاء بأوضاعهم الاجتماعية والثقافية والتعليمية من خلال القرارات الحكيمة والتوجيهات الصائبة وكان من بينها مؤخراً افتتاح فترة التعليم المسائي للصم الكبار كي تتاح الفرصة أمامهم لاستكمال تعليمهم وتعويض ما فاتهم من فرص وتحسين ظروفهم بشكل عام.
من أهم امنيات محمد أن يشهد مع زملائه ولادة ناد خاص بالصم في ربوع الشارقة يتشرف بالرئاسة الفخرية لسعادة الشيخة جميلة القاسمي ليكون هذا النادي مكانأً يجتمع فيه الصم ويمارسوا الأنشطة الاجتماعية والثقافية وينظموا الرحلات معززين التواصل فيما بينهم من جهة ومع مجتمعهم من جهة أخرى، لافتاً إلى أن هذا الحلم ليس حلمه وحده بل حلم الكثيرين من زملائه الصم وهو يتمنى أن يراه محققاً في المستقبل القريب جداً.
خاتمة
في هذه الإطلالة الموجزة على حياة شخص من الأشخاص الصم.. تعلم وأبدع.. لديه أسرة ويعمل بشرف وإخلاص لإعالتها.. يتشارك مع زوجته وابنيهما كل مشاعر الحب والتعاون.. بإمكان القارئ أن يلمس دون كبير عناء ما باستطاعة أبناء هذه الشريحة أن يقدموه لأنفسهم ولمجتمعهم وأنهم أشخاص مكافحون مؤمنون بأنفسهم وقدراتهم وما أن تتوفر الظروف المناسبة حتى يخرجوا هذه الطاقات إلى النور ويساهموا من خلالها في بناء مجتمعهم وتقدمه.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)