المجتمع يحترم الطفل المعاق حين تحترمه أسرته
عاشت في بيئة أسرية متسامحة، يسودها الحب والتفاهم والحرص على التنشئة السليمة التي ترى أنها مفتاح نجاح وتحصين الأسر. من واقع دراستها وانخراطها التطوعي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، استلطفت المكان وأصبحت جزءاً منه، وعملت في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة وأحبتهم كثيراً، إلى درجة أن طموحها إسعادهم بتقديم أي خدمة ممكنة، وما تنفك تنصح بضرورة احتضانهم ورعايتهم ومعاملتهم كحال أي شخص في المجتمع. أم ومربية ومعلمة بعد العمل، فهي تعرف كيف توازن بين الحياة المهنية ومتطلبات الأسرة، خصوصاً وأن لديها هدفاً يتصل بتوفير الأجواء النفسية المريحة لأبنائها والتميز في دراستهم.
منى عبدالكريم اليافعي نائب مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في الحوار الآتي:
نشأتك وظروف الحياة آنذاك؟
– ولدت في الكويت حين كان والدي رحمه الله يعمل في إحدى شركات النفط هناك، لكني لم أعش طفولتي فيها، لأننا عدنا إلى الإمارات التي أتممت فيها كل دراستي، وقضيت طفولتي ومراهقتي في كنف أسرة متفتحة ومتفهمة وضمن حياة بسيطة مع أخوين وثلاث أخوات.
أب متميز
وعلاقتك بالأسرة؟
– جيدة جداً، خصوصاً مع والدي الذي عمل في الكويت لسنوات طوال، ورغم أنه كان يذهب إلى البحر لأسبوع حسب ما يقتضيه العمل إلا أنه كان يحرص على التواصل معنا فرداً فرداً، فحين يعود من البحر كان يأخذنا في فسح ورحلات خلال فترات إجازاته، وكان ناصحنا ومرشدنا ونستشيره في كل صغيرة وكبيرة، لأنه ربانا في بيئة أسرية متفتحة أساسها تشجيعنا على الجانب الاجتماعي، ضمن حدود وضوابط معينة ومن دون فقدنا العادات والتقاليد. توفي والدي رحمه الله قبل عشرة أعوام، ولك أن تتخيل معنى أن يفقد المرء والده وأعز شخص على قلبه وحينما فقدته عشت أسوأ ثلاثة أعوام من عمري، وفي كل مناسبة أفتقده ولم أنسه يوماً واحداً، حتى إنني أدعو له بالرحمة والمغفرة في كل صلواتي، لأنه كان حنوناً وطيباً وكرّس حياته لنا، بل كان يقصر في حق نفسه من أجل إسعادنا، وجميل أن يعيش الشخص بين أسرة متعلمة ومتفهمة.
وماذا عن المشوار الدراسي؟
– درست في الإمارات من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، حيث حصلت على بكالوريوس تربية خاصة من جامعة الإمارات في العين، وحينها كان أمامي خياران: إما دراسة التربية الخاصة أو الإعلام، لكني أحببت الجانب الاجتماعي وفضلت دراسة التربية الخاصة التي قبلت فيها، وهذا الحب لدراسة التربية الخاصة يعود إلى دكتوري يوسف القريوطي الذي تحسب له إفادتنا بطرق التدريس النظرية والعملية، كما حصلت على دبلوم في الإرشاد الأسري للعمل والأمور الشخصية، وهذا الدبلوم استقطعته من وقتي مع الأسرة، ولا أنسى موقف زوجي المساند لي دائماً خلال مدة انشغالاتي بحيث أوفق بين العمل والدراسة، ولولا دعمه ما كنت وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم.
تطوع.. فعمل
ومسيرتك العملية؟
– أذكر في فترات الدراسة كيف أن الناس لم يكن لديهم الوعي الكافي حول الإعاقة، ومع الوقت زاد هذا الوعي لدي، خصوصاً مع دراستي ومع تطوعي واحتضان مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية للطالبات اللاتي تطوعن للعمل فيها خلال إجازات الربيع، ومشكورة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية لأنها قدمت يد العون لنا، كما رشحتني حين كنت طالبة لتمثيل مدينة الشارقة في البحرين، الأمر الذي جعلني أفكر بشكل جدي في العمل في المدينة، خصوصاً وأن دراستي كانت عن الإعاقة الذهنية، وخلال التطوع انجذبت كثيراً إلى الأطفال من ذوي الإعاقة، وعليه تقدمت للعمل في المدينة وجاءني رد بالقبول على الفور، حيث عملت في التدخل المبكر مع الأطفال من أعمار الولادة وحتى خمسة أعوام، وبعدها انتقلت إلى مدرسة الوفاء لتنمية القدرات حيث عملت فيها لحوالي ستة عشر عاماً ونصف العام، استفدت خلالها من تجارب كثيرة، وسافرت إلى دول كثيرة مثل ألمانيا وتونس ومصر للاطلاع والاستفادة من خبراتها في ميدان التعامل مع ذوي الإعاقة، ونقل هذه الخبرات إلى مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ومنذ عامين ترقيت وأصبحت نائب مدير عام المدينة، حيث زادت المسؤوليات الملقاة عليّ، ولم يعد العمل مقصوراً على فئة معينة من ذوي الإعاقة، بل توسع ليشمل جميع ذوي الإعاقة من الأطفال، وهذه الترقية بمثابة وسام أعتز وأتشرف به، وأرجو من الله تعالى أن يعيننا جميعاً على فعل الخير ويقدرنا على هذه المسؤولية.
برأيك ما الأفضل للعمل الخبرة أم التخصص؟
– الاثنان يكملان بعضهما بعضا، فالتخصص مهم إلى جانب الخبرة ويدفعان نحو الإنتاجية الكيفية والكمية، خصوصاً وأننا نعيش اليوم في عالم التطور والسرعة والبقاء للأفضل والأصلح، وهذه الفرضية تستدعي التخصص والمراكمة على الخبرة للإبداع والتمكن من أي حقل وفي أي وظيفة كانت.
أخذت حقها
واقع المرأة في المجتمع الإماراتي، كيف تصفينه؟
– المرأة أخذت حقها في دولة الإمارات، بفضل رؤسائنا وشيوخنا وجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك أم الإمارات، وسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، فالدولة لم تقصر في حقوق المرأة من جميع النواحي، الحياتية والتعليمية والوظيفية… إلخ، وبالتالي أؤكد بأنني مع تكاملية الأدوار بين الرجل والمرأة، لكني لست مع مساواتها بالرجل فهناك من ناحية أعمال للمرأة وأخرى للرجل لا يمكن أن تجاريه فيها، مع حرصي على أهمية تعلم المرأة وحقها في العمل وشغل الوظائف والحصول على راتب مناسب يلبي متطلباتها.
ماذا تقولين عن واقع الطفل وتعامل الإعلام مع قضاياه؟
– واقع الطفل في السابق أفضل من الآن، وكمربية وأم أقول إن البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال الآن لا تتناسب مع أعمارهم ولا مع ثقافتهم، ثم إنه لا توجد برامج مخصصة للأطفال تناقش موضوعات قيمية وتوعوية، وإنما أغلب البرامج التي يحضرها أبنائي على سبيل المثال تُحرّض على العنف، فلك أن تتذكر كيف كانت برامج أيام زمان، (هايدي، سالي، افتح يا سمسم، المناهل)، وعليه يفترض وأتمنى من الإعلام أن يقوم بدور توعوي أكبر لنشر الثقافة بين الأطفال، و«فلترة» البرامج التي تحمل ثقافات غريبة بعيدة عن واقعنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهذا يستدعي حقيقةً الإمساك بجانب المسؤولية الاجتماعية، من حيث التعاون بين الأسرة والمدرسة والإعلام لجهة الرقابة ومتابعة الأبناء وتوجيههم نحو البرامج الهادفة.
ما الفئات التي تقدم لها «مدينة الشارقة» خدماتها الإنسانية؟
– مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية تقدم خدماتها للأعمار من حديثي الولادة وحتى ما يزيد على 25 عاماً ولجميع فئات الإعاقة، السمعية والبصرية والذهنية وحالات التوحد والإعاقة الحركية، وتتميز المدينة أنها تقدم خدمات للإعاقات الشديدة، وأنشأت منذ مدة مركزاً للتكنولوجيا المساندة، يهدف إلى ربط الأشخاص من ذوي الإعاقة بالوسائل الحديثة لتعزيز إمكاناتهم وتطوير قدراتهم
مع الدمج وضده
ما تعليقك على موضوع دمج الطلبة من ذوي الإعاقة في المدارس؟
– أنا مع الدمج وضده في الوقت ذاته، فأنا مع الدمج إذا توفرت جميع الوسائل لإنجاحه، وأقصد بذلك البيئة العمرانية والمناهج الخاصة والكادر المؤهل، ولدينا القانون الاتحادي (92) بشأن ذوي الإعاقة وفي أحد بنوده يتحدث عن الدمج، والإمارات وقعت على الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة، لكن إذا لم تكن المدارس مهيأة لتقبل دمج الأطفال من ذوي الإعاقة، أي أنها تفتقد البيئة العمرانية والمناهج الخاصة والكادر المؤهل فإنني عندئذ أرفض الدمج.
ما طرق وأساليب التعامل مع الأطفال من ذوي الإعاقة وإلى أي مدى تتفق مع تلك المتبعة في الظروف العادية؟
– كل إعاقة لها طريقة مختلفة في التعامل، فالإعاقة السمعية لها طريقة والذهنية كذلك وكل واحدة لها خصوصيتها، لكن الأهم من كل ذلك هو احترام وتقدير جميع الإعاقات، وليس علينا النظر إلى الإعاقة بقدر أهمية النظر إلى قدرات الشخص وما يحمله من مؤهلات ومهارات، لأن كثيراً من هؤلاء أفضل منا، وعلينا احترام خصوصيتهم والتعامل معهم حالهم حال أي شخص في المجتمع.
هل من أنشطة أخرى خارج إطار الوظيفة الرسمية؟
– خارج الإطار الوظيفي أنا أم ومعلمة ومربية، حيث أخصص ما تبقى من وقتي لتربية أبنائي وتدريسهم، وإلى جانب ذلك أزور الأقارب والصديقات، وأحرص في شهر رمضان الفضيل على صلة الأرحام، كما أربي أبنائي على ذلك، فالأجر مضاعف في شهر رمضان المبارك، ولا أتنازل عن العبادات وزيارة الأرحام.
احترام الطفل…
بماذا تنصحين أسر ذوي الإعاقة؟
– الصبر واحترام الطفل مهما كانت إعاقته وتقديره، وأؤكد لك هنا بأنه إذا احترمت الأسرة ابنها المعاق فإن المجتمع سيحترمه، وأوصي في هذا الإطار أن يتم تقديم الخدمات في الطفولة المبكرة، لأنه كلما قدمنا هذه الخدمات في سن مبكرة حصلنا على نتائج أفضل، ثم إن تقدير الطفل من ذوي الإعاقة يعزز من شخصيته، إلى جانب ضرورة تنمية المواهب ورعايتها وتمكينها لدى هؤلاء الأطفال.
باعتقادك ما مقومات الأسرة الناجحة والمتماسكة؟
– يجب الاتفاق من البداية بين الزوجين على أن الزواج ليس حفلة وانتهى الموضوع، بل هو شراكة واحترام متبادل، ومفتاح نجاح الأسرة، وتماسكها يكمن في التفاهم والاحترام وتكامل الأدوار، وأساس كل ذلك مرهون بالتنشئة الاجتماعية السليمة.
«اللمة» الأسرية
هواياتك المفضلة؟
– الشطرنج، لكني لست بارعة في هذه اللعبة وقد كنت في مرحلة الطفولة شغوفةً بها إلى جانب أختي التي حصلت منذ سنوات كثيرة على مراكز متقدمة في تمثيل الدولة على المستويين الدولي والمحلي. وأحب الطبيعة وأحسن معاملة الزرع والنباتات في حديقة منزلنا، من حيث ريها بالماء والاهتمام بها، نعم وأعشق الورد كثيراً، ولابد أن يكون حاضراً كل يوم إما في مكتبي أو في المنزل. أيضاً أحب القراءة وأطالع كتباً متنوعة حين لا أكون منشغلة، ولا يفوتني هنا أن أؤكد لك مدى حبي للتجمعات الأسرية، سواء في وقت الإفطار صباحاً، أو على مائدة الغداء، حيث يتجمع كل أفراد الأسرة ونأكل سويةً، وبصراحة «اللمة» الأسرية جميلة. ثم إنني أحرص على غرس قيم العمل التطوعي في نفوس أبنائي، وعوّدت ابني سالم على العمل التطوعي، وسمحت له بالتطوع في مخيم الأمل، حتى يتعرف عن قرب الى هذا الجهد في سبيل خدمة المجتمع وشريحة الأطفال من ذوي الإعاقة.
طموحك في المستقبل؟
– أنوي استكمال دراستي، ولكن أخضع هذا الأمر للظروف، فالعلم لا يقف عند حد معين، وأطمح إلى إسعاد كل شخص من ذوي الإعاقة بتقديم أي خدمة ممكنة، بالابتسامة أو أي نوع من الخدمات يجعله سعيداً. كما أطمح إلى أن يكون أبنائي سعداء ومرتاحين وموفقين في دراستهم وحياتهم، وأخيراً وليس بآخر، أتمنى أن تعيش كل الدول العربية والإسلامية بأمن وسلام.
هل من عادات معينة بعد الإفطار في رمضان؟
– بعد الإفطار وصلاة التراويح، قد أتابع بين الوقت والآخر برامج دينية وهادفة أو مسابقات تراثية، إنما لست متابعة جيدة للمسلسلات التلفزيونية، ويمكن القول إن رصيد متابعتي لها هو صفر، وأحرص في الشهر الفضيل على زيارة الأقارب.
(نشر الحوار في ملحق الصائم بجريدة الخليج الإماراتية بتاريخ 2 يوليو 2015