بقلم : المستشار الدكتور خالد السلامي
تعتبر الأسرة عمودًا أساسيًا يحمل وزن تطور المجتمع، حيث تشكل الروح الحية والمحور الذي تتمثل فيه الهوية والثقافة الوطنية. فهي الوحدة الصغيرة التي تنبض بالحياة والنشاط، وتعبر عن جوهر التراث والقيم الإماراتية. إذا نظرنا إلى الأسرة على أنها “حجر الزاوية” للمجتمع، نجد أن هذا التشبيه يستحق تجسيده بكل تفصيل. فلنفترض أن المجتمع هو مبنى متين ومتراص، فإن الأسرة هي القاعدة الراسخة التي تحمل هذا المبنى وتجعله مستدامًا وقائمًا.
إذا ألقينا نظرة عميقة على دور الأسرة، نجد أنها تمثل مصدر القيم والأخلاق والتقاليد التي تشكل أساس تربية الأجيال الصاعدة. ففي حضنها تنبت القيم الإنسانية العالية مثل الاحترام والتواصل والتعاون، التي تُشكل عناصر الشخصية المثالية في المجتمع. وبفضل الرعاية والاهتمام الذي تقدمه الأسرة، تتكون هذه القيم في نفوس الأفراد وتنعكس في تصرفاتهم وتفاعلاتهم مع الآخرين.
اقرأ ايضا: الطلاق الصامت واَثره على الأبناء
ليست الأسرة مجرد وحدة تكوينية، بل هي الورشة التي تنتج الأذهان الملهمة والعقول المبدعة. من خلال تبادل المعرفة والتجارب الشخصية، يُعزز استقرار الأسرة تطور الفرد وتجعله مُلتزمًا بالتعلم المستمر. إذاً، يمكن القول إن الأسرة هي معمل ينتج الجيل الجديد القادر على تحمل مسؤوليات المستقبل وبناء مجتمع متطور.
ومن هنا، يتجلى الدور الحيوي للاستقرار الأسري في خلق بيئة مُناسبة للتنمية المستدامة. إن الأجيال المستقبلية تستمد قوتها وثقتها من الجذور العائلية، وتتأثر بالتفاعلات والعلاقات التي تمر بها خلال مراحل نموها. فعندما تكون الأسرة مستقرة ومتوازنة، يصبح بإمكانها أن تقدم الدعم العاطفي والنفسي لأفرادها، وبالتالي تهيئ الأجواء الملائمة لتطوير مهاراتهم وتنمية إمكانياتهم.
في هذا التحقيق، سنستعرض بتمعن مدى أهمية تعزيز استقرار الأسرة، من خلال تعزيز الحوار وتوزيع الأدوار وتعزيز القيم والأخلاقيات وتوفير الفرص التعليمية والتطويرية. سنلقي الضوء على تأثير تلك الأسس في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع الإماراتي، وكيف يمكن للاستقرار الأسري أن يكون المحرك الرئيسي للتغيير الإيجابي في المجتمع، وذلك من خلال تطوير جيل مُتعلم وملتزم وقادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة وإيجابية.
الحوار والتفاهم
تعتبر فنون الحوار والتفاهم من الركائز الأساسية التي تبني الجسور القوية بين أفراد الأسرة. تجسد هاتان الفنيتان القدرة على الاستماع والتعبير بصدق، وهما المفتاح الذي يُفتح به باب الاتصال الفعّال بين أفراد الأسرة. عندما يكون الحوار حقيقيًا وبناءً، يتمكن كل فرد من التعبير عن آرائه ومشاعره بحرية، دون أن يشعر بالخوف من الانتقاد أو الحكم.
في عالم اليوم المليء بالتنوع والتحديات، يكمن دور الحوار في فتح أفق جديد للفهم المتبادل وتبادل الخبرات. إن تقديم الفرص لأفراد الأسرة لمشاركة تجاربهم وأفكارهم يشجع على بناء تواصل أعمق وأقوى. هذا التواصل يسهم في تعزيز التوازن والترابط بين أفراد الأسرة، مما يمكنهم من التعاون في مواجهة التحديات المشتركة واستغلال الفرص المختلفة.
البيئة التعاونية التي يخلقها الحوار والتفاهم تمكن أفراد الأسرة من التعلم من بعضهم البعض. يصبحون قادرين على تبادل الخبرات وتطوير مهاراتهم من خلال تبادل الأفكار والمعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يتعلمون كيفية التفاعل مع وجهات نظر مختلفة وكيفية التعامل مع التناقضات ببناء، وحلول بناءة.
الحوار والتفاهم لا يجريان على سطح الكلمات فقط، بل يحملان في طياتهما القدرة على فهم عميق للمشاعر والاحتياجات والتطلعات. عندما يتمكن الأفراد من التعبير بحرية، يُسهم ذلك في تخفيف التوترات ومنح الأسرة هواءً منعشًا للنمو والازدهار.
باختصار، الحوار والتفاهم هما محور تدور حوله عجلة الاستقرار الأسري. إذا تم تطبيقهما بشكل صحيح، يمكن لهذين العنصرين أن يُشكلا الأساس لبيئة أسرية متوازنة وصحية. وأن يتيحا للأفراد فرصة للتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم والتعلم من بعضهم البعض، مما يُسهم في بناء أسرة قوية قادرة على مواجهة التحديات والنمو بإيجابية.
توزيع الأدوار والمسؤوليات
تعد عملية توزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات داخل الأسرة من الركائز الأساسية التي تشكل أساس استقرارها وتعزز من فعالية وحدتها. يشبه توزيع الأدوار والمسؤوليات بناءً قوياً ومتيناً يتيح للأسرة أن تقف بثبات على أرضية واحدة وأن تنمو بتوازن.
عندما يتم توزيع الأدوار بناءً على مهارات وقدرات كل فرد، يُمكن للأسرة أن تعمل بكفاءة أكبر. يُمكن للأفراد الاستفادة من مهاراتهم الفريدة لتحقيق الأهداف المشتركة بشكل أفضل. على سبيل المثال، يمكن للماهرين في التخطيط المالي أن يتحملوا مسؤولية إدارة الأمور المالية للأسرة، في حين يُمكن لأولئك الذين يتمتعون بقدرات إبداعية أن يساهموا في تنمية أنشطة الأسرة الفنية والإبداعية.
تحقيق التوازن يعتبر جوهريًا في عملية توزيع الأدوار والمسؤوليات. عندما يشعر كل فرد بمساهمته ودوره الهام في الأسرة، يتطور شعور الانتماء والتقدير لديه. وبالتالي، يتم تجنب التناحر والصراعات الناجمة عن عدم توازن التحمل والمسؤوليات.
إذا تم توجيه الجهود نحو تحقيق أهداف مشتركة، يتطور العمل الجماعي داخل الأسرة. الجميع يعملون بتناغم لتحقيق التقدم والرفاهية للجميع. هذا التعاون البنّاء يُسهم في تعزيز العلاقات العائلية وتعزيز الروح التعاونية بين أفراد الأسرة.
تُسهم عملية توزيع الأدوار والمسؤوليات في بناء جو من الاستقرار. عندما يشعر الأفراد بأن لديهم دورًا محددًا ومسؤوليات تساهم في تحقيق أهداف الأسرة، يزداد الانضباط والالتزام. وبالتالي، يقومون بتحقيق التوازن بين حياتهم الشخصية والمهنية بشكل أفضل.
عملية توزيع الأدوار والمسؤوليات هي المفتاح لبناء أسرة مُستقرة ومزدهرة. عندما يتم تحقيق التوازن والتعاون بين أفراد الأسرة، يتم تعزيز الأواصر العائلية وتحقيق الاستقرار الذي يمكنهم من التغلب على التحديات بثقة وقوة.
خالد علي ال عبد السلام الشهير خالد السلامي
- دكتوراه في إدارة الأعمال ,دبلوم في العلاقات الدبلوماسية والسياسية
- رئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة بالإمارات
- مدير عام مركز تسهيل
- مدير عام تفاصيل للاستشارات والدراسات القانونية
- رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام
- رئيس مجتمع الإنترنت الرقمي بدولة الامارات العربية المتحدة
- عضو معهد لاهاي لحقوق الانسان والقانون الدولي
- رئيس مجلس أمناء منظمة همم عالية لرعاية ذوي الإعاقة في السودان بدولة الامارات العربية