إعداد الدكتورة سهير عبد الحفيظ عمر
ولدت هيلين كيلر أشهر صماء كفيفة في شهر يونيو ، لذا نادت بعض المنظمات والهيئات والدول باعتبار شهر يونيو مناسبة ملهمة للتوعية بالإعاقة السمعبصرية ، وفي هذا السياق تأتي مساهمة مجلة المنال عبرَ سلسلةٍ من المقالات حول الإعاقة السمعبصرية ضمن جهود التوعية والمناصرة .
اقرا ايضا: تعليم الفيزياء للطلبة ذوي الإعاقة وفاقدي السمع
ومع الدعوات العالمية لمناصرة ودعم وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية توضح الكاتبة أنها تستخدم مصطلح الإعاقة السمعبصرية ككلمة واحدة متصلة في التراث البحثي العربي كترجمة للمصطلح الإنجليزي deafblindness كما اقترحت ذلك في رسالتها للدكتوراة عام 2010 للدلالة على إعاقة فريدة قائمة بذاتها، لها تأثيرات خطيرة على التواصل ، والتوجه والحركة والوصول إلى المعلومات ، والاعتماد على النفس في أنشطة الحياة اليومية كما تقيّد المشاركة الكاملة في المجتمع ، مع التأكيد أن هذه التأثيرات فريدة وليست مجرد إضافة لتأثيرات الفقد السمعي إلى تأثيرات الفقد البصري ، وتتطلب هذه الحالة وجود برامج تعليمية وتأهيلية خاصة تتضمن تعديلات بيئية و/ أو تكنولوجية لايمكن تلبيتها من خلال برامج التربية الخاصة المعدة للأشخاص الصم أو المعدة للأشخاص المكفوفين كلّ على حدة.
لقد أصدر الاتحاد العالمي للصم المكفوفين (WFDB) بالتعاون مع عدد من الجهات تقريرين عالميين حول وضع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية في العالم .
وهذه قراءة في التقرير الأول ؛ ففي عام 2018 أصدر الاتحاد العالمي للصم المكفوفين (WFDB) بالتعاون مع منظمة سنس الدولية (Sense International) وبدعم من التحالف الدولي للإعاقة (IDA)، التقرير العالمي الأول حول أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية، بعنوان “معرضون لخطر الاستبعاد من تنفيذ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأهداف التنمية المستدامة: عدم المساواة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية” ضمن مشروع يقوده الاتحاد العالمي للصم المكفوفين ،بهدف تقييم مدى وفاء الحكومات في جميع أنحاء العالم بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية كما أقرتها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD).
و ساهم أشخاص ذوو إعاقة سمعبصرية من مختلف دول العالم في إعداد هذا التقرير ، وتم تنفيذ التحليل الإحصائي بالتعاون مع فريق بحثي من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي (LSHTM).
واستند التقرير الكامل إلى بيانات من 22 دولة حول معدلات انتشار الإعاقة السمعبصرية ، و تحليل متعمق للوضع في 11 دولة مع مراجعة شاملة للتراث البحثي الأكاديمي إضافة إلى استطلاعين ودراسات حالة كيفية .
وكشف التقرير أن الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية غالباً لا يتم الاعتراف بهم قانونياً كمجموعة إعاقة متفردة ومتميزة مما يؤدي إلى إقصائهم إحصائياً حتى في الأماكن التي يتم فيها جمع بيانات الإعاقة. ويسهم نقص البيانات الموثوقة في وجود فجوات كبيرة ضمن الخدمات المقدمة لدعمهم.
إنّ “عدم وضوح وجود الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية نسبياً هو سبب ونتيجة في الوقت نفسه لنقص الفهم بين الجهات المعنية بحقوق الإعاقة والتنمية”.
وفيما يلي أبرز نتائج التقرير وتوصياته :
انتشار الإعاقة السمعبصرية :
أظهر التقرير أن حوالي 0.2% من سكان العالم يعيشون مع إعاقة سمعبصرية شديدة ، كما كشف تحليل بيانات الانتشار أن 2% من سكان العالم يعيشون مع “أشكال أخف” من الإعاقة السمعبصرية.
وحول التحديات الاجتماعية والاقتصادية، أشارت النتائج إلى مايلي :
- الأشخاص ذوو الإعاقة السمعبصرية أكثر عرضة للفقر مقارنة بالأشخاص ذوي الإعاقات الأخرى ، والأشخاص من غير ذوي الإعاقة .
- الأسر التي تضم أشخاصاً ذوي إعاقة سمعبصرية هي أكثر عرضة لأن تكون ضمن أفقر 40% من الأسر، وذلك من حيث الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
- في بعض السياقات، تقل فرص توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية بما قد يصل إلى عشر مرات مقارنة بالأشخاص من غير ذوي الإعاقة، وبنسبة قد تصل إلى 30% مقارنة بذوي الإعاقات الأخرى.
- تقل احتمالية التحاق الأطفال ذوي الإعاقة السمعبصرية بالمدارس بـ 17 مرة مقارنة بالأطفال من غير ذوي الإعاقة وبمرتين مقارنة بالأطفال ذوي الإعاقات الأخرى.
- يعاني ما بين 20% إلى 75% من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية من إعاقات إضافية.
- تكشف النتائج عن ارتفاع معدل انتشار الاكتئاب بين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية، مع وصول منخفض لخدمات الصحة النفسية.
- الأطفال ذوو الإعاقة السمعبصرية أقل احتمالاً للعيش مع كلا الوالدين.
- الأشخاص ذوو الإعاقة السمعبصرية أقل احتمالاً للزواج.
- عبّر الأشخاص ذوو الإعاقة السمعبصرية عن جودة حياة منخفضة مع قيود المشاركة في مجموعة واسعة من الأنشطة.
و على الرغم من الإنجازات الفردية والمؤسسية، خلص التقرير إلى أن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية قد تم تجاهلها إلى حد كبير، وأنهم “يُتركون خلف الرَّكْب”، بما يتعارض مع المبدأ الأساسي لأهداف التنمية المستدامة (SDGs).
وتمحورت التوصيات الرئيسية للتقرير حول ما يلي :
ضرورة الاعتراف الرسمي بالإعاقة السمعبصرية كإعاقة فريدة قائمة بذاتها تتطلب استجابات محددة في السياسات والتشريعات ، وذلك بالتشاور مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية ومنظماتهم، وجمع البيانات وتحليلها وتصنيفها لتقييم ورصد وضعهم من خلال التحليلات ذات الصلة لمجموعات البيانات الوطنية وباستخدام أسئلة مجموعة واشنطن المختصرة.
ضمان حضور ومشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية ومنظماتهم في جميع مراحل تصميم وتنفيذ ومراقبة السياسات والبرامج المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة ، وفقاً لمبدأ “لا شيء يخصنا دوننا” مع ضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية ومنظماتهم في برامج التوعية والإدماج كنماذج ملهمة وكأشخاص مرشدين وداعمين لأقرانهم.
توفير الدعم التواصلي الملائم للأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية بالتشاور معهم ومع منظماتهم، بما يشمل مترجمي لغة الإشارة اللمسية والتواصل عبر اللمس والتقنيات المساعدة المتخصصة ، إضافة إلى طرق برايل وتدريبات التوجه والحركة وكافة الخدمات متعددة الحواس والمخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية لدعمهم في مجالات الصحة، والتعليم، والعمل، والحماية الاجتماعية.
تعزيز الوصول إلى التعليم الشامل والجيد، مع توفير الدعم الفني واللغوي الضروري، وضمان تدريب المعلمين والكوادر التربوية على التعامل مع حالات الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية.
ضمان التوظيف الشامل والدامج، من خلال تهيئة بيئات العمل، وتوفير فرص التدريب المهني الملائمة، ودعم أصحاب العمل.
تعزيز استقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية ، وجودة حياتهم من خلال السياسات الداعمة للعيش المستقل والمشاركة المجتمعية.
حماية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية من العنف والاستغلال والإهمال، وضمان قدرتهم على الإبلاغ والوصول إلى العدالة بوسائل تواصل مناسبة .
دعم بناء القدرات لمنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية، وضمان تمويل مستدام لها، كي تتمكن من مواصلة دورها في تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم .
إجراء المزيد من البحوث حول القضايا التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية بما في ذلك الوضع الصحي والوصول إلى الرعاية الصحية، والمشاركة الاجتماعية والرفاهية، ونوعية العمل والتعليم، والأسباب، وسن ظهور الإعاقة. وإجراء تقييمات لأثر التدخلات المصممة لتحسين الإدماج.
كما أوصى التقرير بضرورة أن تتبنى الجهات الدولية والإقليمية، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة، والجهات المانحة، وبرامج التنمية الدولية، سياسات وآليات دعم محددة تأخذ في الاعتبار الإعاقة السمعبصرية، بما يضمن إدماجها الكامل في المبادرات العالمية المتعلقة بالصحة، والتعليم، والحماية، والحد من الفقر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأخيرا تضمنت التوصيات استهداف الاتحاد العالمي للصم المكفوفين (WFDB)، بالتنسيق مع منظمة سنس الدولية (Sense International) نشر تقارير متابعة كل أربع سنوات حتى عام 2030، لرصد التقدم المحرز في إعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السمعبصرية وفقاً لكل من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأهداف التنمية المستدامة.
وحول التقرير الثاني الصادر عام 2023 يكون المقال القادم بإذن الله .
للمزيد من المعلومات عن كامل التقرير رجاء مراجعة الرابط :

د. سهير عبد الحفيظ عمر (أم الرجال),
- استشاري التربية الخاصة وتأهيل الأطفال الصم المكفوفين.
- حاصلة على أول دكتوراه في الوطن العربي تتناول تنمية التواصل لدى الأشخاص الصم المكفوفين، تجمع بين الدراسة العلمية ـ كباحثة أكاديمية لها العديد من الدراسات ـ والخبرة والممارسة العملية التي تنوعت بين أمومتها الخاصة لاثنين من فاقدي السمع المتميزين ذوي التجارب الرائدة والعمل في مجال تأهيل الأطفال ذوي الإعاقة السمعبصرية.
- تمتد خبرتها العلمية والعملية في مجال الإعاقتين السمعية والسمعبصرية إلى ما يقرب العشرين عاما، تعمل كمستشار لعدد من الجمعيات والمواقع الإلكترونية العاملة في مجال الإعاقة.
- عضو مجلس أمناء مركز القاهرة للتدخل المبكر واتحاد كتاب مصر واتحاد كتاب الإنترنت العرب.
- محاضر ومشارك في عدد من المؤتمرات والدورات وورش العمل المحلية والعربية والدولية المتخصصة في مجال الإعاقة.