الدكتور عبد الله محمد الصبي
استشاري طب الأطفال وأخصائي طب الأطفال من ذوي الإعاقة
بمدينة الملك عبد العزيز الطبية – الحرس الوطني- الرياض
” نقل الخبر بالطريقة العلمية مؤثر أساسي في تقبل الطفل المعاق”
“التمتع بأعلى مستويات الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الإنسانية الأساسية لكل فرد في المجتمع دون تمييز في العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية” هذا ما ينص عليه دستور منظمة الصحة العالمية (1946) والذي يفرض على الحكومات تهيئة كامل الظروف المهنية والبيئية الصحية الملائمة والإمكانيات لضمان خدمات صحية آمنة ذات جودة عالية على مختلف تخصصاتها ويمكن دفع تكاليفها وتكون مقبولة من الناحية الثقافية للمجتمع وأن الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنيا ونفسيا واجتماعيا وهذا لا يعني انعدام المرض أو العجز الصحي فالتمتع بصحة جيدة يبقى نسبيا، والجدير بالذكر أن الحق في الصحة تم إدراجه في العديد من معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية على مستوى دول العالم مع ضمان عدم التمييز بين الأفراد فالطفل المعاق كغيره من الأطفال غير المعاقين له كامل الحقوق في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة والتمتع بأفضل مستوى صحي يمكنه بلوغه كما للطفل المعاق الحق في الحصول على خدمات مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل، وذلك بتدابير تتخدها الحكومات في توفير الجهات الطبية المساعدة والرعاية الصحية اللازمة مع تطوير الرعاية الصحية الوقائية والإرشادات الأساسية للوالدين للإهتمام بصحة أطفالهم من ذوي الإعاقة وتصحيح كامل الأخطاء والأفكار والممارسات السلبية التي تضر بصحة الطفل المعاق مع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الإعاقة.
” إن أغلى ما في الوجود هم الأطفال” المال والبنون زينة الحياة الدنيا ” ووجود الطفل في الأسرة يعتبر حدثا مهما تتم على أثره الكثير من التغيرات والاستعدادات … لكن عندما يكون هذا الحدث السعيد – طفل يعاني من صعوبات تتطلب الكثير من الرعاية الطبية والأسرية والتعليمية- فأكيد يترتب على مثل هذا الأمر الكثير من الصعوبات والضغوطات … كما ينجم عن الإعاقة ردود أفعال متنوعة ومختلفة لدى الوالدين الأمر الذي يحد من قدرتهما على تربية طفلهما المعاق، لكن لهذا الطفل حقوق كغيره من الأطفال في العيش بكرامة واستقلالية والخضوع لكافة الخدمات الطبية التي من شأنها تحسن وضعه الصحي ليتمتع بسعادة وحرية في الحياة “.
هي كلمات معبرة يؤكدها ضمير متخصص في طب الأطفال من ذوي الإعاقة قدم الكثير ولا يزال يعمل على تطوير الخدمات العلاجية بأعلى مستويات الدقة والجودة ليحظى هؤلاء الأطفال من ذوي الإعاقة بحقوقهم الصحية، كان لمجلة المنال حوار حصري مع الشخصية البارزة الدكتور عبد الله محمد الصبي استشاري طب الأطفال وأخصائي طب الأطفال من ذوي الإعاقة بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بالرياض بالمملكة العربية السعودية لتسليط الضوء على واقع الخدمات العلاجية للأطفال من ذوي الإعاقة.
الدكتور عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الصبي من مواليد 1952 بالرياض المملكة العربية السعودية وأب لأربعة أطفال وظيفته الحالية أخصائي طب الأطفال ورعاية أولية وأطفال من ذوي الإعاقة بمدينة الملك عبد العزيز الحرس الوطني بالرياض حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية الطب بجامعة القاهرة سنة 1980 وعلى دبلوم صحة الطفل بالرياض سنة 1985 وحاصل على الزمالة العربية في طب الأطفال عام 1997، وهو عضو في عدة جمعيات خيرية ورئيس اللجنة العلمية بالجمعية الخليجية للإعاقة والأمين العام لجمعية طب الأطفال السعودية ونائب رئيس المجموعة السعودية لدعم مرضى الصلب المشقوق، أسس مواقع إلكترونية خاصة من بينها موقع أطفال الخليج وموقع مساندة وموقع القدم السكرية ولديه إنتاجات وإصدارات علمية باللغة العربية متخصصة في مجال الإعاقة من أبرزها كتاب عن متلازمة داون وكتاب عن الصلب المشقوق وكتاب عن التوحد وكتاب عن الصرع والتشنج وكتاب دليل خدمات المعاقين في دول الخليج العربي وهو مشارك في العيادات المتخصصة لذوي الإعاقة وهما عيادة متلازمة داون وعيادة الصلب المشقوق.
الطفل من ذوي الإعاقة له كامل الحقوق الإنسانية في الحصول على الخدمات الطبية والعلاجية
يؤكد الدكتور عبد الله الصبي أن المحاور الأساسية التي ينبغي للدولة تطبيقها تكمن في الرعاية الصحية الأولية وصحة الأمومة والطفولة بشكل خاص والإهتمام بمجال الصحة عامة من خلال توفير خدمات الرعاية الصحية الأولية والذي يشمل الفحص الدوري للأطفال والتدخل العلاجي والوقائي وتوفير التطعيمات الأساسية وأيضا الحرص على توفير خدمات الأمومة برعاية الأم الحامل من خلال عيادات الحوامل والإهتمام بالولادات في المستشفيات مع تقديم خدمات ما بعد الولادة ومن أهم هذه الخدمات تلك التي تصب في الوقاية والتوعية والإكتشاف المبكر للإعاقة.
كما يوضح الدكتور الصبي أن وجود طفل من ذوي الإعاقة لدى الأسرة ينجم عنه مشكلات عديدة عاطفية وسلوكية واقتصادية واجتماعية تؤثر على مجرى الحياة الأسرية بشكل عام وغالبا يسود الهم والقلق والحزن الشديد إضافة إلى التوتر النفسي وعدم الاستقرار، والخوف من المستقبل وتصبح النظرة إلى الحياة سوداوية ممزوجة بالمرارة والغم والكآبة. وينتج ذلك عن الصدمة الأولية التي يتلقاها الوالدان عند نقل خبر ولادة طفل معاق خاصة إذا كان نقل الخبر بطريقة سلبية قائلا: ” إن نقل الخبر لوالدي الطفل مهمة شاقة وصعبة، وتؤثر على نوعية تقبل الوالدين لطفلهما ورعايته، وطريقة نقل الخبر ليست كلمات نقرؤها في كتاب لكي نقوم بتطبيقها، ولكنها علم وفن، يحتاج للتدريب على المهارات الأساسية من الجانب النفسي والعاطفي والعلمي، ونحن في عالمنا العربي لم نتعلم ذلك خلال دراستنا، ولم نهتم بدراسته والتدرب عليه، وهو ما ينعكس على نوعية الخدمة التي نقدمها حاليا”.
وأضاف: “إن تقبل الطفل من ذوي الإعاقة يعد خطوة هامة في عملية الشفاء والنمو، وهذه الخطوة تقتضي الإقرار بقيمة الطفل وكيانه من خلال مشاعره ورغباته واحتياجاته كباقي الأطفال غير المعاقين، ولديه كذلك إمكانيات وقدرات يجب تنميتها ويعتبر الوصول إلى القبول الذاتي عملية طويلة وصعبة بالنسبة للوالدين، حيث إنها مليئة بالألم والإحباط والشك بالذات والتشتت إلا أن الطريق عام ومحوري بالنسبة للتكيف مع الأطفال من ذوي الإعاقة حيث تبين التجارب أن القبول والإدراك والوعي من قبل الوالدين قد يساعد الطفل على التكيف والتغلب على كامل المشاكل”.
وتحدث الدكتور عبد الله الصبي عن تقييمه لتشخص الأطفال من ذوي الإعاقة في العالم العربي قائلا:” إن هناك مشكلة كبرى في تشخيص أنواع الإعاقة، فهناك حالات واضحة المعالم ولها تحاليل محددة، وهناك حالات تحتاج لتحاليل معقدة وأخرى إلى فريق عمل متخصص للتشخيص، ولتنوع أنواع وأشكال الإعاقة وعدم وجود هيئات متخصصة للتشخيص نرى التشخيص الفردي عند الكثير من الأطباء والذي كثيراً ما تصاحبه أخطاء في التشخيص أو في نقل الصورة كاملة لوالدي الطفل من ذوي الإعاقة”.
التعامل مع الأجهزة الطبية الحديثة لتشخيص حالة الإعاقة
يستدعي التدريب المهني على مهارات الاستخدام الصحيح
وأضاف أن ما يميز خدماته الطبية المتخصصة في مجال الإعاقة هو إيمانه بقيمة الإنسان وأن المواطن العربي يستحق أن تقدم له الخدمة التي يحتاجها بدقة وكفاءة والشخص المعاق لديه كامل الحقوق الإنسانية والحقوق في العلاج والتمتع بأعلى مستوى من الخدمات الصحية فهو جزء من المجتمع أي إجراء سلبي لن يؤثر عليه و على عائلته فقط وإنما يؤثر على المجتمع والوطن بصفة عامة، وعن تطوير الخدمات الطبية للأشخاص من ذوي الإعاقة يقول الدكتور:” إن العمل الجماعي من خلال العيادات الطبية المتخصصة مع وجود خطة عمل واضحة وتبادل الخبرات وتعزيز مجال البحث والدراسات المتخصصة في مجال الإعاقة يؤدي حتما لتطوير العمل والنجاح والإرتقاء بالخدمات الطبية للأشخاص من ذوي الإعاقة”.
كما ركز في قوله على التجهيزات والآليات الطبية المستخدمة حاليا في تشخيص حالات الإعاقة وأكد أن أغلب الدول لديها التجهيزات الطبية الحديثة والمتطورة المطلوبة للتشخيص ويوجد متخصصون في جميع المجالات لكن العائق يظهر في عدم استثمارهم بالطريقة المناسبة وعدم التعامل الصحيح مع الأجهزة المتوفرة ما يستدعي التدريب على مهارات إستخدام هذه الآليات بالطريقة الصحيحة.
وبمناسبة الإحتفال العالمي بمتلازمة داون الذي يصادف 21 مارس سنويا يقول الدكتور عبد الله الصبي: “هناك تطور كبير في رعاية الأطفال ممن لديهم متلازمة داون من الناحية الطبية في عالمنا العربي، لذلك انخفضت نسبة الوفيات لديهم، كما أن عائلاتهم كسرت حواجز الخوف والمصاعب من خلال المراكز والمؤسسات التي تعنى بهذه الفئة خاصة مع زيادة الوعي المجتمعي، فأصبحنا نراهم في الأسواق والمنتزهات ونسمع عنهم الكثير من الإنجازات والنجاحات التي تسعدنا، وكل ما أنصح به هو أن تحرص الأسر التي لديها أطفال من متلازمة داون على المتابعة الدورية مع طبيب العائلة للإكتشاف المسبق لأي حالات مرضية والعمل على العلاج الفوري لتفادي أي مشكلات صحية”.
تناول حمض الفوليك قبل الحمل يمكن أن يقلل الإصابة بالصلب المشقوق وحالات أخرى من الإعاقة
وعن الأبحاث والدراسات العلمية التي أثبتت أنه يمكن الكشف عن متلازمة داون في وقت مبكر قبل الولادة يعلق الدكتور أن في أغلب الحالات لا يتم الكشف المبكر لدينا ولكن بعد عدة أشهر من الحمل، حيث لا يمكننا القيام بالإجهاض كما في الدول الأوروبية لمبادئنا الإسلامية والأخلاقية.
وقد قام الدكتور خلال العام الماضي بحملة في المملكة العربية السعودية حول تناول الأم (لحمض الفوليك) حيث قامت المجموعة السعودية لدعم مرضى الصلب المشقوق بأربع حملات توعية في كل من الرياض – جدة- الدمام – أبها، وأستمرت كل حملة عشرة أيام، وأقيمت تلك الفعاليات في بعض المراكز التجارية الكبرى والجامعات والمستشفيات، وذلك بهدف الوصول إلى المجتمع عامة والنساء بصفة خاصة للوقاية من الإعاقة، قائلا: “إن الدراسات العلمية أثبتت أن تناول حمض الفوليك قبل الحمل يمكن أن يقلل الإصابة بالصلب المشقوق وحالات أخرى من الإعاقة بنسبة 50% إلى 70%، كما تدل الإحصائيات على أن هناك 500 طفل تقريباً يولدون سنوياً في المملكة مصابين بالصلب المشقوق وعيوب العمود الفقري، وهو ما يكلف المجتمع ملايين الريالات بالإضافة للضغوط النفسية على العائلات”.
وعن حالة الصلب المشقوق أضاف الدكتور أن أسباب الإصابة متعددة وعلى رأسها نقص حمض الفوليك، لذلك ينصح باستخدامه (0.4 مجم) قبل الحمل بعدة أشهر ومن كان لديها طفل مصاب فتنصح لها باستخدام جرعة عالية من حمض الفوليك 4 مجم يومياً قبل الحمل بشهرين بالإضافة إلى الأغذية الغنية بحمض الفوليك ويضاف للسبب السابق التعرض للأشعة، الأدوية وخاصة مضادات التشنج.
وفي ختام الحديث أكد الدكتور عبد الله الصبي أهمية نقل الخبر والتوعية والإرشادات كأساسيات لتقبل الأسرة للطفل من ذوي الإعاقة بالإضافة إلى أهمية الدعم الاجتماعي ما يعطي الأسرة الاستمرارية في الرعاية.
وعن طموحه المستقبلي في مجال طب الإعاقة يقول:” إن طموحي أن أزرع شجرة الأمل في المستقبل، وأن يتكاتف معي الإنسان في وطني لسقاية هذه الشجرة ورعايتها، وأن يكون العمل جماعيا، وأن يكون عملنا معتمدا على العلم وليس النية الطيبة، وأن نرعى أبناءنا من ذوي الإعاقة وعائلاتهم كما نرعى أبناءنا غير المعاقين، وأن نعامل الناس كما نأمل أن يعاملوننا”.