توجه جديد في التعاطي مع الإعاقة..
تعزيز التعاون بين المجتمع المدني والقطاع الحكومي
عقدت الجمعية الوطنية لحقوق المعاق في لبنان (الاثنين 8 كانون الأول / ديسمبر 2014) ندوة عن (آليات وسبل الدمج التربوي للتلامذة من ذوي الإعاقة ودور وزارة التربية في هذا الإطار)، التي تنظمها ضمن برنامج (أفكارـ 3) الممول من الإتحاد الأوروبي بإدارة مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية في فندق (الهوليداي ان)، برعاية وزير التربية والتعليم العالي الياس ابو صعب ممثلا برئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة ليلى مليحه فياض، ووزير الدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج ممثلا بمنسقة برنامج (أفكارـ 3) في وزارة التنمية الإدارية يمنى الشكر غريب.
افتتحت الندوة بالنشيد الوطني اللبناني، تلاه تقديم لرئيس الجمعية الوطنية لحقوق المعاق في لبنان الدكتور نواف كبارة، الذي اعتبر أن موضوع سبل الدمج هو موضوع أساسي لعبور هؤلاء الأشخاص إلى حياة كريمة، منتقدا عدم وجود أي خطط في وزارة التربية عن هذا الموضوع باستثناء الخطة التي وضعها المركز التربوي للبحوث والإنماء، لافتا إلى أن هذه الندوة تهدف إلى دفع الوزارة لتحمل مسؤولياتها في هذا الإطار.
وقال: (نحن بحاجة إلى خريطة طريق تنموية وورشة عمل لحل مشاكل الأهل والتلامذة والمدارس والبيئة وأفكار خلاقة لتأمين وجود الصم والمكفوفين في مدارس عادية ورسمية، وليس فقط في مدارس متخصصة)، مشيرا إلى أن الدولة اليونانية تدعم كل تلميذ أصم أو مكفوف بمساعد معه في المدرسة.
من جهتها، قالت الدكتورة فياض: (مهما بلغت الدول من الرقي والتقدم والنجاح في أنظمتها التربوية، فإن شمول هذه الأنظمة لجميع الشرائح الإجتماعية وخصوصا ذوي الإحتياجات الخاصة، يبقى المعيار الأهم والأكثر دقة في تحديد رقي هذه الدولة أو تلك، وفي تثبيت دورها كدولة راعية لجميع مواطنيها من دون استثناء، وعلى رأسهم أصحاب الإحتياجات الخاصة، على اعتبار أن الراعي يمنح اهتماما أكبر للرعية التي تعاني من تقصير وألم يعوقها عن اللحاق بالآخرين).
وأشارت إلى أن عمل المركز التربوي للبحوث والإنماء لطالما كان يتم بشراكة كاملة بين القطاعين العام والخاص إن لجهة تطوير المناهج وأساليب التقييم والإمتحانات أو لجهة الكتب المدرسية إلى ما هنالك من دراسات وأبحاث وأنشطة تصب في مصلحة المتعلمين وخصوصا أصحاب الحاجات الخاصة).
وقالت: (لقاء اليوم، قطاع عام وقطاع خاص، هو للبحث في تفعيل القانون 220/2000 المتعلق بالدمج التربوي لذوي الإحتياجات الخاصة في نظامنا التربوي، بالمقارنة مع الإتفاقية الدولية التي ترعى حقوق المعوقين وذوي الحاجات. وبما أن المضامين غير متطابقة بين الجهتين، فإن المركز التربوي الذي أناط به القانون التخطيط للتربية، قد أعد خطة لفتح ثغرة في الجدار والعمل على تصحيح الخلل في مجال التعليم النظامي، والمتمثل في عدم وجود مسارات تعليمية أكاديمية غير نظامية، تسمح لجميع فئات المتعلمين بمتابعة التعلم وذلك بحسب قدرات كل منهم وإمكاناته، وعلى سبيل المثال لا الحصر المتسربين الذي يرغبون في العودة إلى المدرسة والمتأخرين في المدرسة العادية والذين يتبين من سجلات تقييمهم أنهم مشروع متسربين، ولكن يمكن تدارك رحيلهم أو يمكن إبقاؤهم في المدرسة من طريق نقلهم إلى التعليم غير النظامي، كما للمتفوقين والموهوبين، الذين يتابعون الدراسة راهنا ضمن المسار العادي).
وأعلنت أنه (بعد صدور الخطة الوطنية التربوية لدمج ذوي الإحتياجات الخاصة عام 2012، يعمل المركز التربوي مع العديد من القطاعات والجمعيات الأهلية والمؤسسات العالمية، من أجل تأمين التمويل لتنفيذ مفاعيل الخطة بمندرجاتها كافة، وتوفير مستلزماتها، ولا سيما أن هذه الخطة تعبر عن سياسة وزارة التربية والمركز التربوي لمأسسة الدمج التربوي بحسب الإتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإحتياجات الخاصة، والتي تشكل بنظرنا إطارا متماسكا ومتكاملا للطروحات التي ذكرناها، وتضم السلم التعليمي والمسارات المتعددة في مجالات التعليم النظامي وغير النظامي).
ودعت إلى (مناقشة الإقتراحات من حيث اعتماد الخطة المطروحة وإمكان الإسهام في مأسسة عملية الدمج). وقالت: (إن المركز التربوي يعمل ضمن الصلاحيات المعطاة له، ويتحرك مع جميع المخلصين وأصحاب الخبرات من أجل تحقيق الخير العام وتأمين التعليم لجميع التلامذة اللبنانيين وخصوصا أصحاب الإحتياجات الخاصة. كذلك، يعمل جاهدا لإيجاد البدائل للمعلمين المتخصصين الذين من المفترض وجودهم في بنية المدارس الرسمية والخاصة، وذلك من طريق العمل راهنا على تدريب معلم مورد لعشر مدارس رسمية، من أجل اكتشاف حالات ذوي الإحتياجات الخاصة كما يعمل على فتح مراكز لمعالجة هؤلاء الأطفال،آملا أن يزداد عدد هذه المراكز لتشمل جميع المناطق اللبنانية).
واعتبرت (أن خطة المركز التربوي هي طريق لمنع الوقوف عاجزين أمام إيجاد الحلول، وإننا نتابعها مع القطاع الخاص مشكورا، هذا القطاع الناشط والسباق في هذا المجال، كما نتعاون مع الجهات الممولة والمانحة والمنظمات الدولية الداعمة، فنحن نتحرك معا لمأسسة توجهات تخدم المصلحة الوطنية التربوية من أجل خدمة أبنائنا).
من جهتها، قالت يمنى الشكر غريب: (لا يختلف إثنان على الدور البديهي الذي تلعبه التربية، مدماكا أساسيا وحجر زاوية في حياة الأفراد والشعوب والدول، ولا عجب من هنا، أن تشكل المسألة التربوية، في المبدأ، محورا لنقاشات مستفيضة أكاديمية، تطبيقية، تاريخية أو حتى سياسية. فكم بالحري إذا تمت مقاربة الشأن التربوي في موضوع استراتيجي، هو تحقيق كيفية الوصول إلى الدمج التربوي للتلامذة من ذوي الإعاقة).
أضافت: (إن موضوع الدمج، الذي يحمل ببساطة معاني المساواة في الحقوق والواجبات لذوي الإعاقة، يتطلب رؤيا واسعة وشاملة لتحقيقه، إذ أنه يحتمل في تطبيقه أبعادا عديدة ومختلفة، قد تبدأ بجهوزية المجتمع لهذا التوجه، وقد لا تنتهي بكيفية ترجمة الجانب العملي لهذا التوجه).
وتابعت: (لا أرى المجتمع اللبناني بعيدا عن قبول فكرة الدمج، لكني إعتقده قلقاً حول الجوانب العلمية والعملية لهذا الموضوع، فالإعاقات متنوعة، من حركية وسمعية وبصرية وذهنية، ومن المنطقي أن التعاطي مع كل منها في مسألة الدمج يحتاج إلى آلية خاصة تختلف عن الأخرى، لاختلاف في الحاجات لدى أصحاب الإعاقة، فبعضهم يحتاج إلى تيسير الوصول، وبعض آخر إلى تيسير التواصل، وآخرون مطلوب لهم المتابعة الدقيقة في نقل المعلومات واستخدام التطورات التكنولوجية. وفي جميع الحالات يتطلب العمل التربوي تمويلا وتخطيطا وتنفيذا، يأخذ في الإعتبار الجوانب الإجتماعية والتربوية، ويفرض تنسيقا بين الأسرة والجهاز التربوي).
وقالت: (في أي حال، لن أستبق أكثر أوراق العمل والدراسات والنقاشات التي تحققها الجمعية الوطنية لحقوق المعاق ضمن مشروعها في برنامج أفكار، ولن أتحدث عن الطريق الطويل الذي عليه أن يسلكه مشروع الدمج الذي تكرسه الإتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والصعوبات التي يتوجب عليه تخطيها. لكنني أستطيع القول، إن توجها جديدا في التعاطي مع مسألة الإعاقة بدأ يأخذ دربه الصحيح، يعزز التعاون القائم بين مجتمع مدني مبادر وقطاع حكومي يعي أهمية هذه القضية، إذ ينطلق من حاجة المجتمع إلى طاقات متعلمة ومتدربة وجاهزة للدخول الفعلي والفاعل إلى سوق العمل. وأود أن أشير، في هذا السياق، إلى أن موضوع الدمج هو محور أكثر من مشروع ضمن النسخة الحالية من برنامج أفكار، حيث يجري العمل أيضاً على قطاعات التدريب التقني والمهني لتيسير وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى سوق العمل).
وختمت: (من جديد، نتعاون من أجل دفع مسألة الإعاقة نحو مزيد من التقدم. في هذا اليوم الذي تنظمه جمعية حقوق المعاق وشركاؤها، أتمنى كل التوفيق لهذه الندوة وجميع المشاركين فيها).