أقيم في العاصمة السويدية استوكهولم في فبراير الماضي مؤتمر خاص تحت عنوان «أجندة 2030 للأطفال: قمة الحلول لوقف العنف»، حضره ملكة السويد، و30 وزيراً من مختلف الدول، ومديرو اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، بالإضافة إلى شخصيات قيادية من منظمات تنمية، ومؤسسات خيرية، ومنظمات أخرى غير حكومية.
وقد عقد هذا المؤتمر أو القمة على خلفية البيانات والإحصاءات التي تظهر أن قرابة المليار طفل حول العالم، بين سن الثانية والسابعة عشرة، يتعرضون سنوياً لإساءة المعاملة، والعنف البدني، والجنسي، والنفسي، وللإهمال والتقصير في أحوال كثيرة. وتظهر أيضاً هذه البيانات والإحصاءات أن العنف يحتل المرتبة الأولى على قائمة أسباب الوفيات بين ذكور أفراد الفئة العمرية من العاشرة حتى التاسعة عشرة، حيث يبلغ معدل القتل بين أفراد هذه الفئة 7 في الألف.
وبوجه عام، فقد تعرض واحد من بين كل خمسة من أطفال العالم لإساءة المعاملة البدنية، وواحد من بين كل ثلاثة منهم لإساءة المعاملة النفسية، بينما تصل نسبة الاستغلال الجنسي إلى 8 في المئة من الأطفال الذكور، و18 في المئة بين الإناث. وأمام هذا الوضع العالمي المؤسف تسعى القمة المنعقدة في السويد خلال الأسبوع الجاري، لطرح الحلول، وتدعيم الالتزام الدولي، لوقف جميع أشكال العنف ضد الأطفال. حيث لا يمكن التقليل من وقع التبعات السلبية لهذه الظاهرة على ضحاياها، على الصعيد الجسدي، والنفسي، والأكاديمي، والاجتماعي.
فبخلاف أن العنف ضد الأطفال، وخصوصاً في العقد الأول من الحياة، يعتبر مشكلة صحية خطيرة، يؤدي هذا العنف أيضاً إلى العديد من المشاكل الصحية في المراحل اللاحقة من الحياة. ففي دراسة حديثة صدرت عن منظمة الصحة العالمية، ظهر أن العنف ضد الأطفال وخصوصاً الاعتداء الجنسي، يعتبر مسؤولاً عن 6 في المئة من جميع حالات الاكتئاب بين البالغين، وعن 6 في المئة من إدمان الكحوليات والمخدرات، وعن 8 في المئة من محاولات الانتحار، وما بين 10 إلى 27 في المئة من الاضطرابات النفسية المختلفة. بينما أظهرت دراسات أخرى، وجود علاقة قوية بين العنف البدني والاعتداء الجنسي على الأطفال وبين العديد من السلوكيات غير الصحية، الضارة، مثل التدخين الشرِه، والسمنة المفرطة، والاستهتار في ممارسة العلاقات الجنسية، وهي سلوكيات معروف عنها زيادة الإصابة بأمراض خطيرة مثل الأمراض السرطانية وأمراض القلب والشرايين.
ويعتبر العنف ضد الأطفال، وإساءة معاملتهم خلال سنوات عمرهم الأولى، أحد الأسباب الرئيسية خلف التزايد الملحوظ في معدلات الاكتئاب بين أفراد هذه الفئة العمرية، فبخلاف التزايد المستمر لعدد حالات الاكتئاب بين البالغين، تشهد العديد من المجتمعات أيضاً وباء من الاكتئاب، يسري كسريان النار في الهشيم بين أطفالها، نتيجة أسباب مختلفة ومتنوعة، وهو ما أكده العديد من الأبحاث والدراسات، مثل الإحصائيات الرسمية الصادرة سابقاً عن الحكومة البريطانية، التي أظهرت أن عدد الوصفات الطبية من العقاقير المخصصة لعلاج اكتئاب الأطفال قد زاد بمقدار أربعة أضعاف خلال العقد الماضي، حيث أصبح الأطباء في إنجلترا مثلاً يصدرون سنوياً أكثر من 630 ألف وصفة طبية لعقاقير تستخدم لعلاج الاكتئاب لدى الأطفال، مقارنة بـ 146 ألف وصفة فقط في منتصف عقد التسعينيات. ولا تقتصر تبعات العنف ضد الأطفال، وإساءة معاملتهم واستغلالهم على سنوات العمر الأولى فقط، بل إن تأثيراتها كثيراً ما تمتد خلال مراحل الحياة اللاحقة، لتظهر بشكل جلي خلال فترة المراهقة.
وفي الوقت الذي تصدر فيه عن الجهات الحكومية، وعن المؤسسات والمنظمات الاجتماعية، نصائح وتدابير وتوصيات، لوقف العنف ضد الأطفال، فإن غالبيتها ينطبق أكثر على مشاكل المجتمعات الغربية التي ينتشر فيها مثلاً الحمل غير المرغوب فيه، واستخدام الكحوليات والمخدرات، مقارنة بالمجتمعات الشرقية. ولذا يجب، لغرض وقف العنف ضد الأطفال في مجتمعاتنا الشرقية، ضرورة قيام المنظمات الطبية، والمؤسسات الاجتماعية المحلية، بوضع إرشادات وسبل وتدابير محلية، لوقف هذه الظاهرة السلبية، وبشكل يتناسب مع أسبابها الخاصة داخل مجتمعاتنا، مع الأخذ في الاعتبار المفاهيم الثقافية التي تعتبر مسؤولة إلى حد كبيرة عن وجود وترسيخ ظاهرة العنف ضد الأطفال في الثقافة العامة.