يعيش كثير من الناس في هذا الزمان على حافة الفقر وهناك شكوى عامة من تزايد صعوبة توفير الحاجات الأساسية، حيث تحول كثير مما كان يعد من الكماليات إلى أشياء ضرورية تصعب استقامة الحياة بدونها، أضف إلى هذا وجود بطالة متصاعدة في قطاع الشباب ولاسيما المتعلم منه إلى جانب ارتفاع الأسعار على نحو مستمر.
«أريد أن أساعد في الخدمة الاجتماعية فمن أين أبدأ وإلى أين أتجه؟» سؤال قد يفاجئك به أحد أبنائك في ظل الحديث عن المبادرات الإيجابية وعام الخير ونشر السعادة من حولنا. يتحمّس الصغار سريعاً ويرغبون في التطوع، لكنهم يترددون إذا لم يجدوا الطرق سهلة والأبواب مفتوحة أمامهم.
من أين نبدأ؟ سؤال ربما لم تفكر فيه من قبل، فنحن نقرأ كثيراً عن مؤسسات تعنى بالشؤون الاجتماعية بمختلف أشكالها، لكننا لا نتجرأ دائماً على طرق تلك الأبواب طلباً للتطوع.
والسؤال يقود إلى أسئلة أكبر: لماذا لا نبادر إلى جعل مسألة التطوع جزءاً من جدولنا الأسري؟ لماذا لا نقرر أن نمسك بأيدي صغارنا وشبابنا لنزور مركزاً أو مؤسسة، نتطوع يوماً في الشهر، نتعرف إلى طبيعة عملهم واحتياجاتهم، ونكون شركاء معهم في العطاء والخير والمحبة؟
حاول مثلاً أن تشارك في مخيمات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، ازرع صغارك بين أبناء المدينة ذوي الإعاقة، دعهم يشعرون بمتعة اللقاء مع الآخر المختلف عنهم، دعهم يكسرون حواجز الخوف من هذا الاختلاف، ليكتمل إحساسهم بإنسانيتهم وبالحياة وما فيها.
افتح الباب ليكتشف الأبناء عالماً هم عنه أغراب، فإن لم يكن في بيتك أو في بيوت جيرانك شخص من ذوي الإعاقة، فهذا لا يعني أنك تعيش في مجتمع خالٍ منهم، بل يعني أنك لا ترى إلا نصف الكأس، ولا تعيش إلا نصف حياة، ولا تدرك إلا أنصاف الحقائق ولا تشعر إلا بذاتك.
تلك المؤسسات تعلّم الإنسان من غير ذوي الإعاقة الكثير مما يجهله عن واقعه هو، تكشف له معنى الحب الحقيقي، العطاء دون انتظار المقابل.. هنا أنت تساعد الآخر، لكنك لست كاملاً، فأنت تأخذ منه ما ينقصك. هنا تكتشف عورات روحك، ما ينقص نفسك كي تعيش بسلام مع نفسها. تستمد القوة وترى الهموم الكبيرة التي غلّفت بها نفسك وتصورتها جبالاً، تراها صغيرة بحجم بعوضة أو أقل.
أنت أخي وأنت تكملني. كل مجتمع يحتاج إلى هذا التكامل، وكل الأبناء يحتاجون للتعرف إلى احتياجات ومهارات ذوي الإعاقة. يحتاجون إلى التعلم كيف يتخطّون بنظرهم حدود الجسد فينظرون إلى العمق، فهؤلاء الشباب والأطفال يقدرون على فعل أشياء كثيرة ويتميزون.
المدارس أيضاً عليها أن تبادر إلى جعل تلك المراكز والمؤسسات على خريطتها الدائمة، تنظّم أياماً لمختلف المراحل العمرية، يلتقي فيها الطلبة من هنا وهناك، يتعاونون، يتعارفون، ويتواصلون باستمرار. إنه التطوع التربوي الاجتماعي الدائم، غير المرهون بظرف أو مناسبة.
لبنانية مصرية
متزوجة من محمود حسونة
درست الإعلام – الجامعة اللبنانية بيروت
كاتبة صحافية وناقدة
تكتب أعمدة رأي أسبوعية في جريدة الخليج الإماراتية منها عين على الفضائيات.
صدر لها كتابان: (آسفين يا مصر) و (خربشات الحب).