إعداد : د. روحي عبدات
إن وصول طفل جديد إلى الأسرة هو أمر ممتع. ومع ذلك، فإن الفرح يتحول إلى صدمة وفزع عندما يتبين أن الطفل من ذوي الإعاقة، فوجود مثل هذا الطفل أمر صادم بطبيعته، ومربك لنظام الأسرة، ويؤثر عليها اجتماعياً واقتصادياً وعاطفياً ونفسياً وجسدياً.
تعتبر الأبوة والأمومة مهمة صعبة. وكونك أبًا لطفل من الأشخاص ذوي الإعاقة أمر مرهق يحدث في الحياة، حيث لم تحظ أسر الأطفال ذوي الإعاقات الشديدة بالاهتمام الكافي من البحث العلمي )2007McFelea,)
يتعرض الوالدان إلى الإجهاد البدني والنفسي والاجتماعي أثناء رعاية الأطفال (Chien, & Lee, 2013) وترتبط مشاعر الوالدين بالوصمة بصحتهم العقلية نظراً لحالة الارتباك في الأسرة عند وجود طفل من ذوي الإعاقات الشديدة.
لذا، فإن الاستشارات النفسية تساعدهم على التعبير عن مخاوفهم ومشاعرهم، حيث يعمل الاختصاصيون النفسيون على الكثير من جوانب حياة الوالدين مثل النمو الشخصي، الوظيفة، المخاوف المرضية، المجالات التي تنطوي على العلاقات الاجتماعية والشخصية (Casey ، 1996)، بهدف مساعدتهم على تحسين الحالة التي يعيشونها، وتخفيف الألم ، وحل الأزمات ، والقدرة على العيش بفعالية.
إن ولادة طفل ذي إعاقة هي السبب الرئيسي للاكتئاب والقلق لدى الوالدين لوجود ضغط كبير عليهما بسبب إعاقة الطفل ونقص المعرفة والوعي بكيفية رعايته (Jawaid & Tauseef-ur-Rehman, 2007) فثمة الكثير من المسؤوليات تقع على عاتق الوالدين، لذا فهما يواجهان العديد من التحديات أثناء رعاية الأطفال ذوي الإعاقة. ((Lakhani et al , 2013
يشكل الأطفال ذوو الإعاقة الشديدة تحديًا أكبر لأولياء أمورهم إذ يواجهون العديد من المشاعر وغالبًا ما يكون لديهم شعور بالذنب لاعتقادهم أنهم بطريقة ما سبب في إعاقة الطفل لسبب منطقي أو غير منطقي.
قد تشمل العوامل الأخرى المتعلقة بتربية الطفل خيبة الأمل من أن طفلهم لن يصل إلى المهنة المثالية التي خططوا لها. Azeem, et al., 2013; Luijkx, van der Putten, & Vlaskamp, 2019)).
انعكاسات الضغوط على أفراد الأسرة نفسياً وأسرياً واجتماعياً:
يستهلك الأطفال ذوو الاعاقة قدرًا هائلاً من الوقت والطاقة والمال. وأظهرت بعض الدراسات وجود مشاكل بين الأزواج ممن لديهم طفل ذو إعاقة بدرجة أكبر من غيرهم بسبب ضيق الوقت لتلبية الاحتياجات والمشكلة المتكررة المتمثلة في اختلاف الآباء حول ما يجب القيام نحو الطفل (Heller, 2012)
قد يعاني الآباء من الصدمة، لا إثر الإبلاغ عن حالة الإعاقة عند التشخيص فقط، وإنما عند عدم الاستجابة للتأهيل والخدمات العلاجية أو بطء الاستجابة، أو النفقات الباهظة المطلوبة، أو بسبب الجهد الذي تحتاج الأسرة إلى بذله.
ويعتبر الحزن من السمات المميزة التي تلازم تربية طفل من ذوي الإعاقات الشديدة بين وقت وآخر، مثل الحزن عند عدم التحصيل الأكاديمي والاجتماعي والنمائي، والتعرض للوصمة المستمرة.
من المرجح أيضًا أن يحزن الآباء على أنفسهم والفرص الضائعة للنمو الشخصي والإنجاز، فقد يتعرض كل جانب من جوانب حياتهم للتهديد والتغيير على الصعيد الشخصي والاجتماعي والوظيفي، فهم أكثر عرضة للعزلة الاجتماعية، مثلاً (تتغير الصداقات، قلة حضور المناسبات الاجتماعية..) (Cantwell-Barti,2009)
ومن المرجح قلة مشاركة أسر الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية الشديدة في الأنشطة المجتمعية، الأمر الذي ينعكس على وعيهم المجتمعي وتلبية احتياجاتهم الأسرية في نطاق المجتمع (McKenzie, Kahonde, Mostert, & Aldersey, 2021)
يواجه العديد من الأطفال ذوي الإعاقة الشديدة اضطرابات سلوكية صعبة أو احتياجات جسدية معقدة، الأمر الذي يمكن أن يشكل ضغطًا هائلاً على العائلات.
من المرجح أن يتلقى الآباء دعمًا محدودًا من موارد المجتمع، إضافة إلى وجود قوائم الانتظار الطويلة، أو قد يواجهون اختصاصيين غير متعاطفين معهم، لذلك يتطلب الأمر منهم بذل المزيد من الجهد للحصول على الموارد التأهيلية لأبنائهم. أيضاً، العديد من أسر الأطفال ذوي الإعاقة الشديدة تتأثر أحوالهم الاقتصادية إذ قد لا تتمكن الأمهات من العودة إلى العمل، وقد تكون هناك نفقات إضافية مطلوبة منهم (Cantwell-Barti, 2009)
توصلت دراسة Floyd and Gallagher (1997) إلى أن أمهات الأطفال ذوي المشكلات السلوكية الشديدة أظهرن مستوى عالٍ من الضغوط بالمقارنة مع أمهات الأطفال الذين ليس لديهم مشكلات سلوكية، وأن مستوى هذه الضغوط لا يتغير مع الزمن، بمعنى أن الخدمات النفسية والإرشادية لهذه الأسر يجب أن تستمر.
فيما توصلت دراسة Minnes, 2003 (Woodford, & Nachshen, إلى أن آباء الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة الذين تقل أعمارهم عن 21 عامًا يعانون من مستويات أعلى من التوتر مقارنة مع آباء الأطفال الأكبر سنًا.
وهناك من يرى أن مستوى الضغط عند الأمهات يرتفع مع الزمن، فيما ينخفض مستوى الضغط عند الآباء Blacher et al., 2009، وأن هناك إحساساً أقل بالسعادة لدى أخوة الأطفال ذوي الإعاقات الشديدة والذين يواجهون مشكلات صحية طويلة الأمد Emerson & Giallo (2014)
وتلخص دراسة (2016) Packingham العوامل المرتبطة بزيادة الضغوط عند آباء الأشخاص ذوي الإعاقة:
- شدة السلوكيات غير التكيفية التي يظهرها الأطفال
- مدى الترابط الأسري وتعاون أفراد الأسرة
- محدودية الأدوار التي بإمكان الأسرة القيام بها
- السمات الشخصية التي يتمتع بها الوالدان: الإيجابية، الاتجاهات
- التفاعل مع الاختصاصيين
- توفير الخدمات
ومن هنا تنبع أهمية البرامج التدخلية التي تشمل، ليس الأشخاص ذوي الإعاقة فحسب، بل أولياء أمورهم وأسرهم ككل، لما للبيئة المحيطة التي يعيش فيها الطفل من تأثير على جودة الخدمات المقدمة، وعلى قدرة الأسرة على تقديم الاهتمام الكافي للطفل من ذوي الإعاقة.
كما أن لوجود الطفل ذي الإعاقة تأثيره على الكيان الأسري، فتماسك الأسرة المتكيفة مع الإعاقة الموجودة لدى أحد أفرادها من شأنه تمكينها من توفير مصادر الدعم الكافي، والوفاء بمتطلبات الدعم النفسي والانفعالي المقدمة للشخص ذي الإعاقة في نطاق هذه الأسرة.
المراجع:
- Azeem, M. W., Dogar, I. A., Shah, S., Cheema, M. A., Asmat, A., Akbar, M., Kousar, S., & Haider, I. I. (2013). Anxiety and depression among parents of children with intellectual disability in pakistan. J Can Acad Child Adolesc Psychiatry., 22(4), 290–295. Retrieved from http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3825469/
- Chien, W., & Lee, I. Y. M. (March 2013). An exploratory study of parents. Asian Nursing Research, 7(1), 16–25. Retrieved from http://dx.doi.org/10.1016/j.anr.2013.01.003
- Jawaid, A., & Rehman, T. (2007). Paediatric mental health in pakistan: A neglected avenue.Journal Of Pakistan Medical Association, Retrieved from http://www.jpma.org.pk/full_article_text.php?article_id=1061
- Lakhani , A., Gavino , I., & Yousafza, A. (2013). The impact of caring for children with mental retardation on families as perceived by mothers in karachi, pakistan. Journal Of Pakistan Medical Association, Retrieved from http://www.jpma.org.pk/full_article_text.php?article_id=5503
- Luijkx, J., van der Putten, A. A. J., & Vlaskamp, C. (2019). A Valuable Burden? The Impact of Children with Profound Intellectual and Multiple Disabilities on Family Life. Journal of Intellectual & Developmental Disability, 44(2), 184–189.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011