لا أستطيع أن أنسى الأولمبياد الخاص الأول في المنطقة العربية عام 1991، لقد كان من أكثر اللقاءات إثارة التي جمعتني بأسر الأشخاص ذوي متلازمة داون، وجمعياتهم التي احتشدت إلى جانبهم.
نعم.. اجتمعت الفرحة إلى جانب الدمعة في صفوف الجماهير التي جاءت من كلِّ حدب وصوب، تتدافع مشجعة؛ الأطفال.. والشبان.. والشابات من الأشخاص ذوي متلازمة داون، وأقرانهم من غير المعاقين، وهم يشاركون في مسابقات الأولمبياد الخاص.. يتنافسون.. يتسابقون.. ينتصرون على الحاجز الكبير الذي صنعته هذه الإعاقة في حياتهم.. لقد وجدوا أنفسهم.. جنبا إلى جنب مع الكثير من أبناء مجتمعهم، في جو من الإخاء والمحبة.. إنها حقاً رياضة الفرح والمساواة.
في يوم الحادي والعشرين من آذار / مارس 2012 شهد العالم أول احتفال للأمم المتحدة بهذه المناسبة، وذلك بعد أن اعتمدت جمعيتها العامة في نهاية العام 2011 هذا اليوم من كل عام يوماً عالمياً لذوي متلازمة داون “World Down Syndrome Day”، ودعت الأمم المتحدة من خلاله كل دول العالم للعمل على مراجعة ما تم من إنجازات، والسعي إلى مواجهة التحديات التي يواجهها الأشخاص المعاقون ممن لديهم متلازمة داون، (سميت المتلازمة كذلك نسبة إلى مكتشفها)، كما دعت المنظمات الحكومية والأهلية، والإقليمية والعالمية ذات العلاقة إلى تبادل المعارف والخبرات والدروس المستفادة من أجل تلبية حاجاتهم وتعزيز حقوقهم في حياة كريمة جنباً إلى جنب مع أبناء المجتمع كافة، كذلك دعت الأشخاص من ذوي متلازمة داون ومنظماتهم والعاملين معهم إلى الإسهام في هذا اليوم ورفع صوتهم عالياً خلال فعالياته المختلفة والتي تنظم في الكثير من أنحاء العالم.
تفيد الدراسات أن حالة متلازمة داون التي أصبح من الممكن اكتشافها خلال الأشهر الأولى من الحمل، تشاهد بين كل 800 – 1000 مولود تقريباً، وهي تنتج عن خلل صبغي يتجلى بوجود ثلاث صبغيات من الصبغي رقم 21 بدلا من اثنين، وكانت منظمة داون العالمية منذ عدة سنوات قد اختارت اليوم 21 إشارة إلى رقم الصبغي، واختارت الشهر الثالث من العام إشارة إلى خلل التثلث، هذا وتختلف شدة الإعاقة العقلية، والجسمية في متلازمة داون من شخص إلى آخر، وهكذا تتفاوت قدرات وحاجات كل منهم الأمر الذي يجب أن يكون واضحاً لأسرته ومجتمعه، وبشكل عام يتميز الشخص من ذوي متلازمة داون بالخصائص التالية:
- لا يتعلّم أنشطة جديدة بنفس السهولة التي يتعلم بها أقرانه من غير المعاقين
- يجد صعوبة في التعبير عن احتياجاته وأحاسيسه بطريقة يفهمها الناس.
- لا يفهم بنفس الدقة التي يفهم بها الآخرون ما يمكن أن يسمعه ويراه ويلمسه.
- يميل إلى البطء في الاستجابة لما يحدث حوله.
- لديه اضطرابات متفاوتة في الذاكرة.
- لا يتمكن من التركيز والانتباه إلى شخصٍ واحد أو نشاطٍ واحد لمدة طويلة.
- يجد صعوبة في السيطرة على مشاعره وعواطفه.
- يجد صعوبة في التصرف واتخاذ القرارات المناسبة.
- لديه بعض الاضطرابات في النطق واللغة بدرجات متفاوتة.
- يحتاج إلى رعاية طبية دورية متعددة.
وتأكيداً على حقوق الأشخاص من ذوي متلازمة داون وأهمية تلبية هذه الاحتياجات جاءت اتفاقیة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي دخلت حیز التنفیذ في 3 أیار / مایو 2008 لاسيما في مبادئها العامة (المادة 3) التي أذكر منها:
- عدم التمييز؛
- كفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛
- احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية
- تكافؤ الفرص؛
- إمكانية الوصول؛
- المساواة بين الرجل والمرأة؛
وفي خضم التحديات الكبيرة التي تواجهها مجتمعاتنا العربية في تلبية احتياجات الأشخاص ذوي متلازمة داون، كثيراً ما تغفل المنظمات الدولية والحكومية والأهلية وحتى الدينية عن حقوق وحاجات أسرهم وهم أول من يواجه هذه التحديات والصعاب التي أذكر منها:
- الحاجة إلى الكثير من المعارف والمهارات المتخصصة.
- الحاجة إلى الكثير من الوقت الذي يصعب تأمينه فالطفل من ذوي متلازمة داون يحتاج أكثر بكثير من الوقت المخصص لرعاية الطفل غير المعاق.
- الحاجة إلى رعاية طبية أكثر.
- يتعرض بعض الأهل إلى أمراض نفسية وجسمية مختلفة بسبب الإجهاد الكبير الناجم عن تقديم الرعاية والتأهيل والاحتواء، وبسبب القلق على مستقبل ومصير طفلهم من بعدهم.
- الحاجة إلى الكثير من النفقات المختلفة.
- وغيرها.
لذلك ينبغي الاهتمام بأسر الأشخاص ذوي متلازمة داون ودعمهم نفسياً واجتماعياً وروحياً من خلال الجمعيات المتخصصة والتطوعية، وتشجيع تشكيل مجموعات الدعم الأسري، وتعزيزها، وسن التشريعات الداعمة لهذه الأسر، وتقديم التعويضات الحكومية والحوافز المدروسة، وتكريم المتميزين من أفرادها، وتشجيع الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية والصحية حول حاجاتهم، وكذلك الدروس المستفادة من تجاربهم، على طريق تمكينِهم والنهوضِ بواقعهم نحو الأفضل.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/