التقينا، وكلما تحدثنا والتقينا أيقنت أننا كثيرون، كلنا تعرضنا لسوء فهم، كلنا تعرض لصعوبة في الملاحقة وأعني متابعة سرعة المتكلمين، كلنا يجمعنا جهاز يربط صوت العالم بنا أو يربط العالم بحياتنا، كلنا تجمعنا رغبة باحثة عن الحلم الذي نرسمه في أذهاننا؛ مجتمع يليق بالصم وضعاف السمع.
هذه البادرة التي انطلقت لتبحث عنا في مجتمع لا يكاد يرانا ويتجاهل أزمتنا الحقيقة في التواصل.. بادرة انطلقت لتبحث عن (الونس) في كل مكان وحق لكل منا أن يجد الطريقة المثلى ليتواصل مع هذا العالم (سمعياً ـ إشارياً ـ حركة الشفاه).
أطلقنا ما بداخلنا لنخبر العالم أننا قادرون ومؤمنون بحقنا في التواصل، نجحنا بشكل فردي وجماعي في تخطي كثير من الصعوبات التي واجهتنا وعندما نجحنا أخبرونا أنهم لم يتوقعوا ذلك…!
بعد عامين من انطلاقتنا تحدثنا عن أشخاص منا استطاعوا الوصول إلى كليات القمة رغم كل الصعوبات، تحدثنا عن الموهوبين في كل المجالات الرسم والتصوير وغيرهم، لكننا اكتشافنا الأعظم كان للإنسان في داخلهم، تألقنا وأبدعنا وآمنا وزادت رسالتنا إبداعاً وتألقاً.. الكل فينا في حضرة الصمت كان مبدعاً مؤمنا بذاته وبقدرته، الكل فينا قبٍل التحدي وأعاد اكتشاف نفسه ليبحث عما يبرع فيه ويجد نفسه حتى لو كان هذا منافياً لطبيعة المجتمع التي أحيانا لا تتقبل الاختلاف.
الكثير من الأحداث والبطولات تُروى في قصصهم، تجمعها جلسات تخاطب كثيرة، وساعات انتظار طويلة تتخللها أحياناً أخبار سيئة وأحياناً أخباراً جيدة وأمهات وآباء حفروا في الصخر ليساندوا أحلام ابنائهم ضد تعليم لا يتناسب مع قدراتهم وفكر لا يتناسب مع احتياجاتهم وعجز في ملاحقة التكنولوجيا وارتفاع الأسعار وهَمٌّ لمن يحملون على عاتقهم حق أبنائهم في السمع المستمر.
كل يوم نُصرح فيه عن أنفسنا نكتشف أننا كثيرون، متشابهون في الظروف، متقاربون في الاحتياجات، يضعنا المجتمع في كفة دون تصنيف لا نحن نعبر عنهم ولا هم يعبرون عنا، فاجتمعنا لنطلق لأنفسنا الونس، الونس لكل حلم نجده يليق بنا، الونس لكل متطلبات لن يفهمها غيرنا، الونس لكل أمل نبحث عنه، الونس لكل أم تربي صغيرها وتخشي أن يضره العالم بما لا يرضيه..
اليوم نحن كثيرون نطلق خبرتنا بين الناس، نعمل على توعية المجتمع، نعمل على إعادة اكتشاف هذا العالم كي يتناسب معنا ويدعمنا ويليق بنا، نحلم بفرص حقيقية دون تفضّل من أحد ودون شفقة أو لقطة إعلامية تستحوذ على المشهد.
هذا الحلم الذي يستحقه أبطاله يتناسب طرداً مع كل جهودهم لكي يثبتوا لأنفسهم أنهم يستحقون النجاح، هذا الحلم هو الفرصة التي نبحث عنها كي توفر لنا مكاناً يليق بنا في وسط الحياة، ربما كانت متعتنا هي تحدي العالم لنثبت أننا نستحق ذلك لكننا في حاجة إلى آلية تساعد صغارنا في مدارسهم، حملات توعية تحمي الصغار من تنمر المجتمع وتحمي الكبار من خسارة سمعهم.
نبحث عن اكتشاف مبكر وحماية مبكرة من الصمم، عن اهتمام حكومي وتمويل لاحتياجات ضعاف السمع والصم من أجهزة تساعدهم على الحياة بشكل لائق وتوفر جهات تحمي من الاستغلال التجاري لحاجتهم. والأهم تقدم الصم وضعاف السمع للمجتمع بشكل فعال وناجح ومعبر ليكونوا إضافة ومشاركة فاعلة في بناء المجتمع.
هنا الونس.. هنا الحلم.. هنا الحياة.. من كان منكم يؤمن بنا فليطرق أبواب هذا العالم معنا نحن الصامتون في هذه الأرض ندق الأبواب بقوة ندعم حقنا في الحلم، ندعم حقنا في الأمل، ندعم حقنا في الحياة، ندعم حقنا في اكتشاف العالم بما يليق بنا وما يليق بأحلامنا.
عزيزي القارئ..
إن كنت من المؤمنين بذلك فلا تخذلنا وانقل رسالتنا وتحدث عن أشخاص يحاولون أن يثبتوا للعالم أن في هذا المكان حلم نسعى إليه.
أطلقوا الونس فلعل في صوتكم ونس لقلوبنا وعقولنا وأسماعنا.
أحمد ممدوح
أحمد ممدوح 36 سنة، من الأشخاص ضعاف السمع
حاصل على بكالوريوس تجارة وبكالوريوس إعلام
يعمل محاسباً في إحدى شركات الاتصالات الكبرى في مصر
مؤسس مبادرة (صوتك ونس) لخدمة الأشخاص الصم وضعاف السمع
متطوع في العمل الانساني من 2004.
مؤسس المبادرة الخيرية (وأنا كمان عاوز اعمل خير) من 2006 إلى 2011.