في أسبوع الأصم العربي الحادي والأربعين
بمناسبة أسبوع الأصم العربي الذي تحتفل به منظمات الأشخاص الصم، ووسائل الإعلام، والجهات التربوية والصحية والاجتماعية العاملة معهم في الأسبوع الأخير من شهر نيسان / أبريل، أود أن أنتهز هذه المناسبة السنوية لهذا العام 2016، لأتحدث عن موضوع طالما تطلعت وزملائي إلى تسليط الضوء عليه، وتحقيق تقدم فيه، إنه العنف الذي يتعرض له الأطفال الصّم خلال حياتهم، وكيفيه حمايتهم منه، ومعالجة أسبابه، والتداعيات التي تحدث بسببه، على امتداد الوطن العربي.
نعم، لقد تحقق الكثير من الإنجازات في ميادين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتنا العربية، بفضل الجهود الحكومية والأهلية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لا سيما خلال العقود القليلة الماضية التي شهدت (عقد الأمم المتحدة للمعوقين) 1983- 1992 United Nations decade of disabled persons، وبرنامج العمل المرافق له، ودخول (اتفاقية حقوق الطفل) Convention on the rights of the child حيز التنفيذ في 2 أيلول / سبتمبر 1990، وإصدار (ميثاق حقوق الأصم في الوطن العربي) The charter of the Arab deaf عام 1992، واعتماد (القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة) Standard rules on the equalization of opportunities for persons with disabilities عام 1993، والمصادقة على (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) Convention on the rights of persons with disabilities التي دخلت حیز التنفیذ في 3 أیار / مایو 2008، ورغم ذلك لا يزال الأطفال ذوو الإعاقة ولاسيما الصم منهم يواجهون الكثير من التحديات، فهم الأكثر تهميشاً، والأقل فرصاً في التعليم والتأهيل، كما أنهم الأكثر تعرضاً للعنف والاستغلال والإهمال.
تعاريف مختلفة
مع اختلاف القوانين والتشريعات ذات الشأن، فإن تعريف (إساءة وإهمال الطفل) يختلف بين مجتمع وآخر، وبشكل عام، يتفق الكثيرون على أنه: قيام الأهل أو المسؤولين على رعاية الطفل بعمل ما، أو إهمالهم القيام بالعمل المناسب المطلوب منهم، فيؤدي في أي من الحالتين إلى ضرر جسدي أو عاطفي، أو إساءة أو استغلال جنسيين، أو حتى إلى حالة تعرِض الطفل إلى خطر جسيم.
العنف ضد الأطفال الصم
تفيد الدراسات أن الأطفال الصم بين أكثر الأطفال تعرضاً للعنف والإهمال، ويعود ذلك إلى عدم دراية المختصين بحاجات الأطفال الصم، وكيفية مساعدتهم في مثل هذه الحالات، واعتمادهم لدى تحري ذلك على وسائل اتصال غير كافية لا تتيح للأطفال الصم التعبير والإفصاح عن معاناتهم، خاصة أن معظم حالات إساءة وإهمال الأطفال الصم تتم في المنزل، وبشكل خاص من قبل الوالدين السامعين.
كما بينت بعض الدراسات الغربية أن الاستغلال الجنسي هو الأكثر انتشاراً، يليه الجسدي، ثم الإهمال، وهناك صعوبات كبيرة في تحري ومتابعة ذلك بسبب محدودية التواصل معهم، لاسيما أن ثقافة الأشخاص الصم تنزع إلى عدم الإفصاح عما تعرضوا له من إساءة بين مجتمع السامعين، كما يحجب الأطفال الصم ذلك عن السامعين الكبار، والذين بدورهم لا يتمتعون بمهارات التواصل الجيد معهم.
رغم جهود المؤسسات الوطنية والعربية، و(الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم) Arab federation of organizations working with the deaf في تعزيز حقوق الأشخاص الصم والنهوض بأوضاعهم، والعمل على حماية الأطفال من العنف والإساءة والإهمال لا يزال العديد منهم يقع ضحية هذا العنف في البيت والمدرسة والمجتمع المحلي، وتكاد تغيب عن مؤسساتنا البحثية الدراسات المتعلقة بهذه المشكلة الكبيرة لاسيما:
- العنف ضد الطفل الأصم في المؤسسات وأماكن التأهيل والعمل.
- عواقب العنف ضد الطفل الأصم، القريبة منها والبعيدة.
- التنمر المدرسي والعنف بين الأقران.
- خطوط مساندة الطفل الأصم ودورها في الحماية من العنف.
- أفضل ممارسات منع العنف.
- أفضل سبل إعداد ذويهم والعاملين معهم.
وهكذا، يكتسب العنف الذي يعاني منه الأطفال الصم طابعاً خاصاً، تؤثر فيه عوامل كثيرة تعود لطبيعة الإعاقة (الصمم)، و(ثقافة الأشخاص الصم) deaf culture من جهة، وعوامل مختلفة أسرية ومجتمعية، بالإضافة إلى طبيعة تحديات التواصل التي يواجهوها الأطفال الصم لاسيما قنوات التواصل المستخدمة وخاصة الإشارية منها، وغياب برامج التدخل المبكر Early intervention program ، التي تتولى إعداد الطفل والأهل معاً، والنظام المتبع في إعداد واعتماد مترجمي لغة الإشارة Qualifying sign language interpreters ، والعاملين الاجتماعيين والنفسيين، وعوامل أخرى قانونية وتعليمية، وغيرها من العوامل التي لابد أخذها بعين الاعتبار لحماية الأطفال الصم من كل أشكال العنف والإساءة والإهمال.
نحو مقاربة مجتمعية شاملة
لهذا، لابد في منطقتنا العربية من مقاربة مجتمعية شاملة لمواجهة العنف ضد الأطفال الصم a comprehensive approach، تكون مواد (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) من أهم عناصرها، خاصة أن جميع الدول العربية قد صادقت عليها. ونظراً لطبيعة وخصوصية الأطفال الصم، لابد أن تتضمن هذه المقاربة إدراج هذه المواضيع في برامج إعداد العاملين الصحيين والاجتماعيين والنفسيين والقانونيين، وفي المواد التعليمية والإعلامية ذات الصلة، إضافة إلى الدور الكبير لأهالي الأطفال الصم، ومنظمات الأشخاص الصم الوطنية Organizations of the deaf بغية تمكينهم Enabling من لعب دور تشاركي Participatory role في مكافحة هذه المشكلة وحماية الأطفال الصم.
نعم… لابد من الاعتراف أن الجهود المبذولة في هذا المجال لا تزال محدودة، وحاجاتنا ماسة لإجراء دراسات موسعة ميدانية عن حجم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا والعوامل المختلفة المؤثرة فيها، وذلك لاعتماد مقاربة مجتمعية شاملة لمواجهتها وحماية أبنائنا الصم من تداعياتها.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/