لقد أصبحت وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية والجهات المختلفة ذات العلاقة برعاية الأطفال تولي ظاهرة إساءة معاملة الأطفال اهتماماً متزايداً. فالبيانات تشير إلى أن هذه الظاهرة شائعة وأنها بالغة الخطورة وتترتب عليها عواقب وخيمة ودائمة على نمو الأطفال ومستقبلهم. على أن الاستجابة لهذه الظاهرة والاستراتيجيات التي تم تنفيذها لدراسة أبعادها ومداها والإجراءات المستخدمة لمواجهتها تختلف من مجتمع إلى آخر. ففي حين تعتمد بعض الدول شبكات رصد ودعم وطنية لتسجيل أعداد حالات الإساءة المحتملة والفعلية، فإن دولاً عديدة جداً لم تتخذ إجراءات عملية فعالة للتصدي لمشكلة إساءة معاملة الأطفال.
إنه لأمر مؤلم حقاً أن يوجه الآباء غضبهم واحباطاتهم نحو أطفالهم لأنهم الهدف الضعيف الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولأنهم يمثلون كبش الفداء الذي يتوفر في متناول اليد .
وبالرغم من أنه ليس هناك سمات شخصية مطلقة يمكن الاعتماد عليها لتحديد الآباء الذين لديهم قابلية لإساءة معاملة أطفالهم، إلا أن بعض المتغيرات ترتبط بإساءة المعاملة وهذه المتغيرات هي:
- المشاحنات الأسرية الشديدة.
- الانفصال أو الطلاق.
- الجهل بأساليب تربية الطفل.
- تبني توقعات غير واقعية من الأطفال.
- تعرض الأسرة لضغوط شديدة.
وهناك أربعة أنواع من إساءة المعاملة وهي:
- إساءة المعاملة الجسمية وتعني جرح الطفل أو إصابته بشكل غير عفوي وذلك غالباً ما ينتج عن الضرب والحرق.
- الاهمال الجسمي، ويشير إلى حرمان الطفل بشكل متعمد من الحصول على الرعاية الصحية أو الغذاء أو اللباس أو الإشراف أو السكن.
- إساءة المعاملة الجنسية وتشير إلى أي نشاط جنسي بين راشد وطفل.
- إساءة المعاملة النفسية وتعني الإهمال العاطفي للأطفال أو تعريضهم لضغوط هائلة أو تعكير صفوهم وإحداث خلل في استقرارهم النفسي أو نبذ الأطفال والتعبير عن عدم محبتهم.
وإذا كان الأطفال بوجه عام هدفاً سهلاً فإن الأطفال المعاقين هدف أكثر سهولة للأسف بسبب العجز الذي يعانون منه وبسبب اعتمادهم على الآخرين لتلبية العديد من حاجاتهم. وقد أصبح واضحاً أكثر فأكثر أن هناك علاقة ارتباطية قوية بين إساءة المعاملة وحالات الإعاقة. فإساءة المعاملة قد تسبب إعاقات لدى الأطفال. وعندما نتحدث عن الإعاقة هنا فنحن نعني التخلف العقلي، والإعاقة الجسمية والصحية، والإعاقة الانفعالية والإعاقة السمعية، والإعاقة البصرية، والإعاقات الكلامية واللغوية، والصعوبات التعليمية. وتشير البحوث العلمية إلى أن الأطفال المعوقين أو الأطفال الذين يختلفون بشكل ملحوظ عن الآخرين أكثر تعرضاً من غيرهم لإساءة المعاملة. كذلك تشير الأدلة العلمية إلى أن حالات بعض الأطفال المعوقين تتفاقم وتزداد سوءاً بسبب تعرضهم لسوء المعاملة. فعلى سبيل المثال، بينت بعض الدراسات أن الإعاقات الجسمية والصحية قد تنتج عن إساءة المعاملة والإهمال. فالأطفال الذين يتعرضون لإساءة المعاملة كثيراً ما يكونون ضحية لسوء التغذية والأمراض المزمنة والضعف الجسمي. وبينت دراسات عديدة أخرى أن نسبة غير قليلة من حالات الضعف في الجهاز العصبي المركزي تعود لإصابات غير عارضة يتعرض لها الأطفال. ولا تتوفر لدينا احصائيات كثيرة في دولة مختلفة. ففي أمريكا مثلاً تشير التقارير إلى أن حوالي 13% من حالات الشلل الدماغي تنتج عن إساءة المعاملة البدنية. وثمة تقارير أخرى أشارت إلى أن حالات ضعف مزمنة مختلفة تعزى لإصابات الرأس بسبب الهز العنيف والتعرض للحروق والصفع باليد أو بأدوات خطرة. كذلك أشارت إحدى الدراسات التي أجريت حول (4) آلاف طفل تعرضوا لإساءة المعاملة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إلى أن أكثر أسباب الإساءة كانت أن الطفل طفل خاص أو مختلف عن الأطفال الآخرين. بعبارة أخرى، إن الأطفال المعوقين يتعرضون لإساءة المعاملة أكثر من غيرهم. ومن ناحية أخرى تبين الدراسات أن المتخلفين عقلياً يتعرضون لإساءة المعاملة بشكل ملحوظ. وعلى وجه الخصوص، بينت دراسة أجريت في ولاية كاليفورنيا في أمريكا أن أكثر من 50% من المعاقين ذهنياً يتعرضون لإساءة المعاملة وبخاصة إساءة المعاملة الجنسية. بالمقابل توضح الدراسات أن نسبة حدوث الاضطرابات السلوكية والمشكلات العصبية والتخلف العقلي أكثر حدوثاً لدى الأطفال الذين يتعرضون لإساءة المعاملة من الأطفال الذين لا يتعرضون لإساءة المعاملة. وهكذا فإن هناك علاقة قوية بين إساءة المعاملة والإعاقة. فإساءة المعاملة قد تكون سبباً للإعاقة، في بعض الحالات والإعاقة قد تكون سبباً لإساءة المعاملة في حالات أخرى. ولما كان الأمر كذلك فإن الوقاية من إساءة المعاملة يجب أن تصبح في قمة سلم الأولويات بالنسبة للمعلمين عموماً ومعلمي الأطفال المعوقين خصوصاً. الخطوة الأولى على طريق الوقاية من إساءة معاملة الطفل تتمثل في الكشف المبكر عن حالات إساءة المعاملة. يبين الجدول رقم (1) أهم العلامات والاستجابات التي قد تعني تعرض الطفل لإساءة المعاملة.
الجدول رقم (1)
- المظهر العام للطفل
- وجود خدوش أو حروق أو جروح في جسم الطفل.
- شكوى الطفل من التعرض للضرب أو لأشكال أخرى من سوء المعاملة.
- عدم النظافة وعدم ملاءمة الملابس للطقس.
- شكوى الطفل من الجوع ومن الحرمان من الطعام بشكل متكرر.
استجابات الطفل
- البكاء بشكل متكرر.
- الخوف المفرط.
- الغياب المتكرر عن المدرسة.
- الاذعان المفرط.
- العدوانية غير الطبيعية.
- الهروب من البيت بشكل متكرر.
- التسكع في الحي في أوقات غير مناسبة بشكل متكرر.
سلوك الوالدين
- اللجوء إلى أساليب عقابية عنيفة.
- اظهار مستويات عالية من الانفعال الشديد
- العنف والتهور والعدوان).
- تجنب الحديث عن حاجات الطفل وعدم الاكتراث بالمشكلات التي يواجهها.
- ترك الأطفال في المنزل دون إشراف.
وإذا اتضح أن الطفل يتعرض فعلاً لإساءة المعاملة فباستطاعة المعلمين اتخاذ بعض الاجراءات التي قد تساعد في وضع حد لتلك المشكلة.
فبما أن هناك عوامل محددة ترتبط بإساءة المعاملة فإن المعلم قد يحاول التعرف عليها وذلك من خلال مقابلة الطفل وأفراد أسرته وبناء على ذلك فهو قد يقدم بعض الاقتراحات التي قد تنجح في الغاء أثر تلك العوامل. كذلك يمكن أن يقوم المعلم بتزويد الوالدين بعناوين المؤسسات الاجتماعية التي قد تستطيع المساعدة. وفي كل الأحوال، فإن على المعلمين أن يحافظوا على سرية المعلومات.
وفي النهاية، فإن قيام المعلمين بأدوار التشخيص والإحالة والمعالجة ليس بالأمر السهل وينبغي على برامج إعداد وتدريب المعلمين ايلاء هذا الموضوع العناية التي يستحقها.
أستاذ التربية الخاصة في قسم الإرشاد والتربية الخاصة، كلية العلوم التربوية/الجامعة الأردنية. حصل على البكالوريوس من الجامعة الأردنية (1976) ، والماجستير من جامعة ولاية متشيغان (1982)، والدكتوراه من جامعة ولاية اهايو (1982). عمل نائباً لعميد كلية الدراسات العليا، ورئيساً لقسم الارشاد والتربية الخاصة، ومستشاراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية.
له أكثر من عشرين كتابا في التربية الخاصة وتعديل السلوك منها: المدخل إلى التربية الخاصة، وتعديل السلوك الإنساني، ومناهج وأساليب التدريس في التربية الخاصة، ومقدمة في الإعاقة العقلية، ومقدمة في تأهيل الأشخاص المعوقين، ومقدمة في الإعاقات الجسمية والصحية، واستراتيجيات تعليم الطلبة ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية، ومقدمة في التدخل المبكر. ونشر أكثر من خمسين بحثاً في مجلات عربية وأجنبية محكمة.
شارك في أكثر من 100 دورة تدريبية، ومؤتمر علمي، وندوة. وأشرف على أكثر من ستين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه في التربية الخاصة، وقام بتدريس أكثر من 40 مادة في التربية الخاصة على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وقدّم عدداً كبيراً من الاستشارات في التربية الخاصة على المستوى المحلي والعربي.
وشارك في عضوية العديد من اللجان والمجالس العلمية والمنظمات المحلية والدولية مثل: المجلس الأمريكي للأطفال ذوي الحاجات الخاصة، والأكاديمية الأمركية لاختصاصيي التربية الخاصة، ومجلس البحث العلمي في الجامعة الأردنية، والمجلس الوطني للأشخاص المعوقين، وهيئة تحرير مجلة دراسات، ومجلسي أمناء جامعة عمان الأهلية وجامعة الحسين بن طلال، ولجنة ترجمة الفكر العالمي في الجامعة الأردنية.
حصل على الجوائز العلمية التالية: جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان للعلوم الانسانية (1993)، وجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم (1994)، وجائزة جمعية الأطفال المعاقين للبحث العلمي في التربية الخاصة، السعودية، (1998)، وجائزة وزارة التعليم العالي للباحث المتميز في العلوم الإنسانية (2005)، وجائزة خليفة التربوية في مجال التعليم العالي على مستوى الوطن العربي (2010)، وجائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب مؤلف (2010).