إعداد المشرف التربوي محمد عبد المنعم
مجلس الاختصاصيين النفسيين والمشرفين التربويين
نطالع العديد من الكتب والمقالات العلمية التي تناولت تحديات نواجهها كمربين ومقدمي رعاية في عمليات تعليم وتنشئة الأطفال خاصة المعضلة التي يواجهها العديد من الأطفال الذين يمتلكون قدرات ذهنية مميزة، ولكنهم يجدون صعوبة في تنظيم أفكارهم ومهامهم بطريقة فعالة. وتعتبر المهارات التنفيذية مثل التنظيم، والتخطيط، والتركيز، والتحكم في الدوافع، والمرونة، والتكيف، والتحكم في الانفعالات القوة الدافعة للنجاح في الحياة اليومية والأكاديمية.
في عالمنا المتسارع الذي نعيش فيه اليوم، أصبح من الأهمية بمكان تزويد أطفالنا بمجموعة المهارات المناسبة. لمساعدتهم على تحقيق إمكاناتهم” وتعتبر المهارات التنفيذية من أكثر المهارات التي يمكن أن يمتلكها الطفل وتؤثر في حياته بشكل كبير”، فما هي المهارات التنفيذية، ولماذا هي مهمة بهذا القدر؟
في جوهرها، تعد المهارات التنفيذية المهارات التي تستند إلى وظائف الدماغ والتي تساعد في إدارة العواطف والأفكار والأفعال. وهي المهارات التي توجه الأطفال (والبالغين) في كيفية التخطيط وتحديد الأولويات وتنظيم وتنفيذ المهام. تؤثر هذه المهارات ليس فقط في ما نفعله ولكن في مدى كفاءة وفعالية تنفيذه.
بالنسبة للأطفال، تلعب هذه المهارات دورًا محوريًا في التعامل مع التحديات الأكاديمية والتفاعلات الاجتماعية ومجموعة من القرارات اليومية التي تشكل مستقبلهم. إنها تشبه البوصلة الداخلية. فبينما قد يشير الذكاء إلى وجهة معينة، تحدد المهارات التنفيذية سهولة وفعالية الرحلة.
ويشير الباحث أن هناك شبكة معقدة من المهارات التي تقود أفعال وقرارات أطفالنا، وفي نهاية المطاف، نجاحاتهم. ففهم وتغذية المهارات التنفيذية استثمار في ضمان أن الأطفال لا يلبون إمكاناتهم فقط، بل يتفوقون في عالم يتطلب التكيف والمرونة والابتكار.
كيف تساعد علوم المخ في فهم تطور المهارات التنفيذية لدى الأطفال؟
عند التعمق في الأسس العصبية للمهارات التنفيذية، نكتشف علاقة رائعة بين تطور المخ وقدرة الطفل المتزايدة على إدارة المهام والعواطف والتفاعلات.
تتألف أدمغتنا من مناطق عديدة، كل منها مسؤول عن وظائف مختلفة. من بين هذه المناطق، تبرز القشرة الأمامية كمركز الأوامر للمهارات التنفيذية. تمر هذه المنطقة بمرحلة تطور طويلة، تنضج فقط في منتصف العشرينات إلى أواخرها. هذه العملية البطيئة للنضج تفسر لماذا يمكن للأطفال والمراهقين اتخاذ قرارات متسرعة أو مواجهة صعوبة في التخطيط والتنظيم
خلال السنوات الأساسية، يتم تكوين وتحسين وتقوية مسارات الأعصاب المتعلقة بالوظائف التنفيذية. ومع ذلك، يكتسب الأطفال تحكمًا أفضل في الاندفاع، وذاكرة محسنة، ومهارات حل المشكلات، والقدرة على التفكير المسبق.
ومع ذلك، الأمر ليس مجرد تشريح للمخ. الليونة العصبية، وهي القدرة الديناميكية للمخ على إعادة تنظيم نفسه عن طريق تكوين اتصالات عصبية جديدة طوال الحياة، تضمن أن هذه المهارات يمكن تطويرها وتحسينها مع مرور الوقت من خلال التدخلات المناسبة. هذا يدعم التوجه بأنه مع الإرشاد المستمر والاستراتيجيات المُخصصة، يمكننا دعم نمو وتطور هذه الوظائف التنفيذية الحيوية لدى الأطفال، على الرغم من التحديات التي تواجهها أدمغتهم النامية.
كيف نحدد نقاط القوة والضعف في مهارات الطفل التنفيذية؟
المهارات التنفيذية تشمل مجموعة من القدرات المعرفية التي تمتد من بدء المهمة والتحكم العاطفي إلى الذاكرة العاملة والتخطيط. ومن خلال الاعتراف بأن ليس كل طفل سيظهر هذه المهارات بنفس الطريقة أو بنفس الدرجة، وهنا يجب التأكيد على أهمية التقييم الفردي
فلكل طفل ملف شخصي فريد. فقد يكون لدى طفل قدرة تخطيط رائعة ولكنه يواجه صعوبة في التحكم في بالاندفاع، أو قد يكون لديه ذاكرة عاملة ممتازة ولكنه يواجه تحديات في بدء المهمة. من خلال التعرف على هذه التفاصيل، يمكن للمربين تكييف استراتيجيات الدعم لضمان تعزيز نقاط القوة والتصدي لمجالات النمو بشكل مناسب.
وأكثر من ذلك، فإنه لا يتعلق فقط بتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين ولكن أيضًا بفهم الأسباب الكامنة وراء هذه التحديات. من خلال التعمق في آليات المهارات التنفيذية، فيجب أن تكون التدخلات مبنية على فهم عميق للأسس المعرفية لكل مهارة كذلك لا يقتصر الدور على التعرف على التحديات فقط، بل لا بد من الإلمام بالمعرفة والأدوات لتحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو. من خلال ضمان نهج مُخصص لتطوير كل طفل.
كيف يمكن للأهل تطبيق استراتيجيات عملية لتعزيز مهارات الطفل التنفيذية؟
من أهم الحقائق التي يجب أن يؤمن بها الآباء أن كل طفل لديه ملف تعريف فريد للمهارات التنفيذية، ولا توجد استراتيجية تناسب الجميع. يعد تكييف التدخلات استنادًا إلى الاحتياجات الفردية أمرًا حاسمًا. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يعاني من مشكلة في السيطرة على الدوافع، يمكن أن يكون تحديد نظام مكافآت يعزز من ضبط النفس مفيدًا. ومن ناحية أخرى، بالنسبة للأطفال الذين يجدون صعوبة في بدء المهام، يمكن تقسيم الأنشطة إلى خطوات أصغر وقابلة للإدارة.
إلى جانب تقديم حلول، مع أهمية الثبات والصبر. الهدف ليس في تقديم حلول سريعة فقط ولكن في تعزيز العادات والأنماط العقلية على المدى الطويل. إشراك الأطفال في العملية وتحديد التوقعات بوضوح والاحتفال بالانتصارات الصغيرة يمكن أن يسهم في تحقيق تحسينات مستدامة.
كما أن تعزيز المهارات التنفيذية ليس فقط من أجل النجاح الأكاديمي ولكن لتشكيل أفراد مرنين ومتكيفين مستعدين لمواجهة التحديات المتعددة في الحياة.
كيف نساعد الأطفال على بدء وإتمام المهام بفعالية أكبر؟
لا يتعلق الأمر هنا فقط ببدء مهمة وإنهائها، بل يشمل مجموعة واسعة من المهارات تتضمن التخطيط، والتنظيم، وإدارة الوقت بكفاءة.
في الحقيقة التسويف لدى الأطفال غالبًا ما يُساء فهمه. فلا تنتج المراوغة فقط عن الكسل أو العناد، ولكن قد يكون لها علاقة بتأخر تطور المهارات التنفيذية لدى الطفل. قد يشعر الطفل بالإرهاق من حجم المهمة، أو لا يعرف كيف يقسمها إلى أجزاء صغيرة وقابلة للإدارة، أو قد يكافح في تقدير الوقت المطلوب لإتمامها.
يُعرف التخطيط على أنه الخطوة الأولية لأي مهمة. ويتضمن ذلك تقسيم المهام إلى خطوات أصغر وقابلة للتنفيذ. فالطفل الذي يكافح من أجل تقديم تقرير عن كتاب، على سبيل المثال، يمكنه بدءاً اختيار الكتاب، ثم تخصيص أيام للقراءة، وتحديد يوم آخر لصياغة التقرير، وأخيرًا يومًا للمراجعة والإنهاء. من خلال تحليل الواجب المدرسي، تصبح المهمة التي كانت تبدو ضخمة في البداية مجموعة من الخطوات العملية والممكنة.
التنظيم، وهو من المهارات التنفيذية الأساسية الأخرى، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتخطيط. فمساحة عمل منظمة، حيث تتوفر لدى الأطفال جميع المواد اللازمة، يمكن أن تقلل بشكل كبير من العقبات التي قد تعيق بدء المهمة. ومن الاقتراحات في هذا المجال إنشاء مناطق مخصصة للدراسة خالية من المشتتات، مما يعزز تركيز الطفل بشكل أكبر.
تظهر إدارة الوقت غالبًا كتحدٍّ للأطفال الذين قد يقللون من تقدير الوقت المطلوب لمهمة معينة. تقترح واحدة من الاستراتيجيات الفعالة استخدام المؤقتات المرئية أو التطبيقات التي تسمح للأطفال بـ “رؤية” الوقت. وهذا لا يقدم لهم فقط فهمًا أوضح للوقت الذي مضى، ولكنه يوفر أيضًا إحساسًا بالعاجلية للبقاء على المسار الصحيح.
أيضاً من الركائز الأساسية الفكرة التي تنص على أن كل طفل، بالاستراتيجيات والفهم المناسبين، يستطيع أن يتغلب على التحديات المرتبطة بالمهارات التنفيذية. وبصفتنا أولياء أمور، أو معلمين، أو مقدمي الرعاية، فإن فهم هذه التحديات وتوفير الأدوات والأطُر يمكن أن يمهد الطريق لنجاح الطفل ليس فقط من الناحية الأكاديمية، ولكن في مختلف جوانب الحياة.
المراجع :
- دانييل جي. غولمان “المهارات التنفيذية للأطفال كيف تساعد في تحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي”
- لورين كينيدي “تطوير مهارات الأطفال دليل للآباء والمعلمين”
- أسلوب المهارات التنفيذية الثوري لمساعدة الأطفال على تحقيق إمكاناتهم ” كتاب ذكي ولكن مشتت ”
- المؤلفان: ريتشارد جوار وبيج داوسون 1994 ، كتاب: “المهارات التنفيذية للأطفال: كيف تساعد في تحقيق النجاح الأكاديمي والاجتماعي”
- المؤلف: دانييل جي. غولمان 2004 ، كتاب: “تطوير مهارات الأطفال: دليل للآباء والمعلمين”
- المؤلف: لورين كينيدي Photos generator by AI
.