يحث الإسلام الإنسان على الصبر في مواجهة متاعب ومصائب الحياة وما يحل بجسمه أو ماله أو أي ابتلاء في أية نعمة أخرى. قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) (سورة التغابن ـ آية 1).
وقال بعض السلف عن الابتلاء: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم، وقال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (سورة التوبة ـ آية 15). وقال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) (سورة محمد ـ آية 13).
إذن، فقد دلنا الإسلام على الصبر والمصابرة والترغيب بثوابه في أكثر من مائة آية. وأضاف الله أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، فالهدى والرحمة والصلوات مجموعة للصابرين دون غيرهم.
لتعلم أخي أن الذي ابتلاك هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه سبحانه لم يبتليك ليهلكك أو يعذبك وإنما ليمتحنك في صبرك ورضاك وإيمانك وليسمع لجوءك واستعانتك به.
مفهوم الصبر
- الصبر لغة ـ الحبس والكف، وهو حبس النفس عن الجزع والتسخط وحبس اللسان عن الشكوى.
- وفي القاموس ـ الصبر: نقيض الجزع، صبر يصبرُ فهو صابر وصبير وصبور وتصبّر واصطبر واصّبر.
- والصبر بكسر الباء: هو دواء مر يضرب به المثل لشدة مرارته وهو موجود ويباع عند العطارين.
- حقيقة الصبر ـ خلق فاضل من أخلاق النفس وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها.
- والصبر بالله هو الاستعانة به سبحانه فهو وحده المعين كما في قوله: (واصبر وما صبرك إلا بالله) (سورة النحل ـ آية 127).
- والصبر لله هو أن يكون الباعث له على الصبر محبة في الله وإرادة فيه والتقرب إليه، ومن أنواع الصبر الواجب: الصبر على المصائب التي لا يد للعبد فيها كالأمراض، والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن جوازيه أحلى من العسل.
الصبر في القرآن
ذكر الله الصبر في كتابه العزيز في نيف وتسعين موضعاً وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وهو واجب بإجماع الأمة، وله عدة صور في كتاب الله منها ما ذكره ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين):
- أخبر سبحانه عن مضاعفة الأجر للصابرين وأنهم سيجزون بأحسن أعمالهم. قال تعالى: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) (سورة النحل ـ الآية 96).
- أنه علق الفلاح بالصبر فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) (سورة آل عمران ـ الآية 43).
- أنه أثنى على بعض عباده بالصبر كما أثنى على أيوب عليه السلام، قال تعالى: (إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب) (سورة ص ـ الآية 44).
- أنه أخبر أن ملائكته يدخلون الجنة فيسلمون على المؤمنين في الجنة لصبرهم. قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) (سورة الرعد ـ الآيتان 23 ـ 24).
- أنه جعل الصبر عوناً وأمر بالاستعانة به في كل نازلة تنزل بالعبد. قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة ـ 153).
فضل الصبر في الأحاديث النبوية
إن هذا المقام يجعلني استشهد بتوجيهات ونصائح الرسول صلى الله عليه وسلم كأفضل من صبر وأفضل من يعلمنا الصبر والاحتساب عند الله.
- عن ابن سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (… وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر).
- قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يصب منه).
- كما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها عن خطاياه).
- جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد خيراً وأوسع من الصبر).
- عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة).
- وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).
- وقال صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة).
- وقال صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
من أقوال السابقين في الصبر
- قال الحسن البصري رحمه الله: (الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده).
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (وجدنا خير عيشنا بالصبر).
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو).
- وقال أبو الدرداء: (ذورة الإيمان الصبر للحكم والرضاء بالقدر).
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (أفضل العدة الصبر على الشدة).
- وقال الإمام الشافعي: (لا يمكن الرجل حتى يبتلى فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة).
- قال سعيد بن جبير رحمه الله: (الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه واحتسابه عند الله).
- وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا ما كان ما عوضه خيراً مما انتزعه منه).
من قصص السابقين في الصبر
لتكن هذه القصص التي سأذكرها دافع لنا لتقوية الإيمان في نفوسنا والصبر على ابتلاء الله لنا وعدم الشكوى والتسخط، ولنا القدوة في يعقوب عليه السلام حيث بث حزنه وشكواه إلى الله. ليكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الصبر فهو إمام الصابرين حيث لقي من قومه أشد أنواع الأذى فصبر على ما لقي.
- قال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد، لنتعلم من ذلك الرضا وعدم التضجر والانزعاج.
- كان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال: سحابة صيف ثم تنقشع.
- قال علي بن الحسن: كان رجل بالمصيصة ذاهب نصفه الأسفل ولم يبق منه إلا روحه في بعض جسده ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل. فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: ملك الدنيا منقطع إلى الله ـ عز وجل ـ ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام.
- بعث عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ برسالة إلى أبي موسى الأشعري فيها: عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر، الصبر في المصيبات حسن وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى).
- كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك).
- قال شفيق البلخي: من شكا مصيبة به إلى غير الله لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداَ.
بعض مظاهر اليأس والقنوط لدى بعض الأشخاص ذوي الإعاقة
إن مما يدعو للأسى رؤية بعض الأخوة من ذوي الإعاقة بسبب من قلة اليقين وضعف الوازع الديني تظهر لديهم بعض مظاهر اليأس متمثلة في اعتزال المجتمع أو الخضوع أو الاستسلام للأهواء وما تمليه وساوس النفس بدعوى عدم القدرة على مواجهة الناس والمجتمع ورفض أي مسؤولية بدعوى عدم القدرة على تحمل المسؤوليات وتبعاتها ولا أدل على ذلك مما جاء في نتائج بعض الدراسات والبحوث في إحدى الدول العربية من أن 08% من الأشخاص ذوي الإعاقة يعانون من القلق النفسي و37% منطوون نفسياً. وهذه النتائج المؤلمة تدعونا إلى ضرورة تضمين الجانب الايماني في مناهج تربية الأشخاص ذوي الإعاقة وتقوية الوزاع الديني لديهم وتعويدهم على الصبر.
كيف الصبر على البلاء وعلاج اليأس
- توطين النفس على أن كل بلاء هو من عند الله وأنه بفضائه وقدره وأنه امتحان لصبرك ورضاك كما قال بعض السلف: فقد الثواب على المصيبة أعظم من المصيبة.
- العلم بأن الدنيا دار ابتلاء. أن تقدر وجود ما هو أكثر من ذلك البلاء والتأسي بمن هم أكثر ابتلاء منك. طلب الأجر بالصبر في فضائله وثواب الصابرين.
- أن تعلم أن الله قد ارتضى لك ذلك الابتلاء واختاره لك وأن العبودية تقتضي رضاك بما قسمه لك ربك.
- عدم التضجر. وفي هذا يقول يحيى بن معاذ: (ابن أدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت وما لك تفرح بموجود لا يتركه بين يديك الموت)، وليكن شعارك الرضا:
- رضيت بالله في عسري وفي يسري فلســت أســـلك إلا أوضــح الطــرق
- الاستفادة من قصص السابقين ممن ابتلاهم الله وكيف صبروا والاقتداء بهم ودوام النظر في قصصهم.
- الاستعانة بالله ودوام اللجوء إليه حتى يخلصك من كل يأس وقنوط.
- عدم تحقير النفس والعمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فلا تقل إني عاجز بل عليك أن تستعين بالله في كل أحوالك.
- إن جزاء من يصبر بيت الحمد الذي بني في الجنة لمن شكر ربه.
- آيات القرآن الكريم.
- قراءة الكتب التي تتحدث عن الصبر وأهمها: كتاب (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) لابن القيم، وكتاب (تسليم أهل المصائب) لابن عبد الله المنبجي.
من أدعية الصبر على البلاء والتخلص من الهموم
- روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها) والحكمة من ذلك حفظ المبتلى من الشيطان لئلا يوسوس له بالأفكار والوساوس الرديئة.
- كان من دعاء عروة بن الزبير رضي الله عنه عندما فقدت ساقه: (اللهم لك الحمد لئن أخذت لقد أبقيت ولئن أبليت طالما عافيت).
- جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم).
- كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال). وقد أخبرنا الرسول أن ما من أحد قال هذا الدعاء إلا وذهب همه.
- اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت أعطيت فأجزلت وقضيت فلطفت لا نرجو سواك ولا نلجأ إلا إليك.
ختاماً،
إن أعظم دواء لمواجهة كل بلاء يصيب الإنسان هو الصبر، فعلينا أن نتواصى بالصبر جميعاً وخاصة الأشخاص من ذوي الإعاقة وكل من يتعامل معهم كالآباء والمعلمين ولا بد من إشاعة الروح الايجابية بينهم وحثهم على التخلق بخلق الصبر.
وعلى الشخص ذي الإعاقة أن يتسلح بسلاح الايمان بالله والثقة به والصبر لأنه أعظم سلاح لمقاومة النفس والشيطان وعليه أن يعلم أن الإعاقة الحقيقية هي التي تصيب القلب والروح ولو كان صاحبها ذا جسم غير معاق لكنه يشقى في الدنيا والآخرة. لننظر إلى قوله تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل أهم أضل أولئك هم الغافلون) (سورة الأعراف ـ آية 971).
وقد جاءت الآية بوصف المصابين في أرواحهم وفي قلوبهم وكأنها لا تخفق وفي عيونهم فكأنها لا ترى وفي آذانهم فكأنها لا تسمع. أولئك هم الغافلون عن الله تعالى وعن الغاية من وجودهم في هذا الكون والغافلون عن الخلق والخير والفضيلة وكل معاني الإنسانية، وبسبب هذه الغفلة استحقوا هذا الوصف (أولئك كالأنعام بل هم أضل) فهم عندما شلوا عقولهم وأماتوا ضمائرهم ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم فأصبحوا دون الحيوانات.
عليك أخي أن تحمد الله على القليل الذي أخذه منك والكثير الذي أبقاه لك فلتصبر ولتحتسب واخلص النية لله تحصل على ثوابه بإذنه تعالى.
أهيب بنفسي وبكل العاملين في حقل تربية الأشخاص ذوي الإعاقة أن يتحلوا بخلق الصبر واتساع الصدر وأن يقوموا بمسؤولية بث معاني الإيمان والصبر في نفوس أبنائنا ليكون لهم زاداً على طريق تحديات الحياة ولزيادة التوافق النفسي وتوازن الشخصية والارتقاء بمرتبة الصبر إلى مرتبة الرضا.
أخي.. عليك بالصبر ولتجعل من كل ألم أملاً جديداً مشرقاً لتحقيق ما تصبو إليه فكم من الأشخاص ذوي الإعاقة حققوا أسمى مراتب العلم والحياة بالصبر.. فلن تبلغ المجد والمراد إلا بالصبر..