عزيزي القارئ، قبل أن ندخل في صلب الموضوع، أولاً علينا أن ننوه إلى سبب كتابة هذا المقال، وثانياً المرور عبر كلّ المؤسسات التعليمية: الأسرة، المدرسة، الجامعة، ثمّ المجتمع، لنرى أين يقع الإبداع.
ذات يوم كنت أزور مدرستي التي تخرّجت منها، وحين التقيت بمديرتي رحّبت بي كثيراً، وخضنا أحاديثَ عديدة، منها ما كان يسرّ الخاطر، ومنها ما كان يحزن القلب.
من أهمّ ما تطرّقنا إليه هو موضوع الأسرة.
لقد رأيت علامات الحزن على وجهها، ما ينذر بالمستقبل المشؤوم، وهي تتكلّم عن خبرتها كمدرّبة تربوية ووظيفية، قالت: (يا بنيتي، هناك طلاب لا يعرفون ماهية الصلاة، ولا يدركون أساسيات الوضوء جيداً، فإذا لم ينشؤوا عليها منذ الصغر فمن الصعب أن نجدهم يقبلون على التعلّم في سنّ مبكّرة ولا سيما أنّ أسس التربية الإيمانية الصحيحة تحتاج إلى أن تعود إلى أساسها الصحيح وهو المنزل، ناهيك عمّا أراه من أخلاق باهتة دمّرت الفرد، وباتت تسود المجتمع كلّه. إنّ المدرسة كمؤسّسة تعليمية وحدها تستطيع أن تضيف للفرد علوماً نافعة، ولكن التربية الصحيحة تحتاج إلى أساس متين).
وقالت في نهاية حديثها وفي عينيها شعاع الأمل: (ابدئي بأبحاثك التربوية عن معضلة حديثنا – الأسرة – ستؤكّد لك دراستك نتائج كلامي).
حين انتهت من كلامها شعرت أنّ عقلها ما زال يتدفّق بالأفكار التربوية، وبالحلول الإبداعية نتيجة عمق خبرتها، لذلك منحتني هاجس الفضول كي أبحث في هذا الموضوع.
في حينها وقع بين يديّ الكثير من المصادر والمراجع، ولم أكتفِ فقط بالقراءة، فأردت أن أصوغها، وأنقحها، وأستخلص منها القدر المفيد، وأقدمها لقارئي.
الإبداع.. ماهيته ومفهومه:
بادئ ذي بدء، الإبداع يعود إلى العوامل الذاتية خاصّة، وإلى العوامل الموضوعية عامّة. إذ تتّخذ العوامل الذاتية الفروقات الفردية التي يتميّز بها الناس عن بعضهم، أما الموضوعية فهي البيئة الخارجية.
يتّخذ الإبداع اتجاهاتٍ رئيسية نحو استقامته أولها: الإلهام، وهو بثّ النشوة في العقل أو الروح. ثانيها: البصيرة، وهي القدرة على التمثيل العقليّ للأشياء المتخيّلة أو المعروفة سابقاً. ثالثها: ضرورة وجود عالم الخيال، إذ يشير إلى القدرة العقلية، وبها يستطيع الإنسان تكوين مفاهيم أو تصورات لأشياء ليست موجودة، أو قد ظهرت في زمن بعيد. رابعها: الحدس هو إحساس داخليّ يملكه الإنسان، ويكون مرجعاً أساسيّاً للأشخاص المبدعين في اتّخاذ قرارتهم أو إطلاق مهاراتهم الإبداعية. خامسها: التبصر في العملية الإبداعية يعني القدرة على الرؤية الطبيعة الداخلية للأشياء، وفهمها بوضوح دون أن تكون ضبابية، ولا بدّ أن تكون عن طريق الحدس. سادسها: الحضانة، وهذا المفهوم يحدث عندما يكون الدماغ في حالة الراحة، وبهذا تتقدّم المشكلة لترشّح نفسها في عوالم الصمت، ولكن في مكان آخر تدور المشكلة في الحركة، ويظهر الحلّ في خيوط التشكل.
إذن، مفهوم الإبداع يتطلّب الأصالة والتعبير الذاتيّ،
وليس التعبير الجماعيّ، إضافة إلى الأفعال والأفكار غير التقليدية.
الإبداع في الأسرة:
نقطة الارتكاز الإبداعي في الأسرة هو كلما كان الأب والأم على دراية عالية بالثقافة التربوية ومنهجها الصحيح من القرآن والسنة تمكّنا من إبداع تربية الطفل واستقامته. وكلما استطاع الابن توسيع نطاق أفقه وضبط أفكاره وسلوكه أصبح على الوعي التام مهما أنتج المجتمع من أشباه القطيع.
إذن، التربية تؤثّر على أمن المجتمع، صحته ونظافة بيته، وإنتاجه، واستقراره
الإبداع في المدرسة:
نقطة الارتكاز الإبداعيّ في المدرسة هي كلما كان الطفل قد نما في كنف أبويه بطريقة سليمة، وبأساليب صحيحة كان متميّزاً في محيطه المدرسيّ. وعلى الأخصائيين والنفسيين أن يبدؤوا بإطلاق مشاريعهم التربوية، إذ تعين الطلبة على توسيع مداركهم، وأن يشجعوهم على الجوائز العلمية التي تصقل مهاراتهم، وترفع من شأنهم.
الإبداع في الجامعة:
نقطة الارتكاز الإبداعي في الجامعة أن يأتي الطلبة بأفكار مبدعة، تحثّهم على تطوير أنفسهم، وأن يبحثوا كثيراً، وألا يحاولوا البحث في مواضيع قد كتب فيها كثيراً، وأن يناقشوا المواضيع التي تنير عقولهم، وأن يأتوا بالبراهين والحجج التي تؤيّد كلامهم بدلاً من أن تعارضه. وعلى التربويين التشديد عليهم بالأبحاث الجامعية، وعدم قبول أيّ إنجاز إذا لم يأتِ بالجديد ولو قليلاً.
الإبداع في المجتمع:
سؤالي هنا هو: كيف نحقّق الإبداع في المجتمع؟ ولماذا نركّز على الإبداع بعد الجامعة؟ نتيجة ما أراه من شباب اليوم، يذهب ثلثهم إلى العمل التطوعيّ على أنه ركيزة أساسية في بناء المجتمع، وهذا الاتّجاه عظيم جدّاً، لما فيه من خيرات تعود على الفرد والمجتمع. وفي هذه المرحلة خاصّة يبدأ الإنسان، ويحاول أن ينطلق بقوة نحو المجتمع، لأنه المنتج الأساسيّ.
إنّ صناعة الإنسان لابدّ أن تكون صناعة ممتازة وبجودة عالية،
فلماذا لا تكون صناعته منذ تأسيسه في ميدان الأسرة؟
في الختام أشكر قارئي لمنحي بعض وقته في قراءة هذا المقال، وأسال الله تعالى أن أكون قد حقّقت مقصدي، وهو أنّ الإبداع يولد في الأسرة، ويتأثّر بجميع من حوله.
المراجع:
- بيغوتو، رونالد، وكوفمان، ترجمة: الوحيدي، محمود، رعاية الإبداع في غرفة الصف الدراسي، العبيكان، ط1، الرياض، 2017، ص: 251.
- رنكو، مارك، ترجمة: علاونة، شقيق، الإبداع نظرياته وموضوعاته البحث، والتطور، والممارسة. العبيكان، ط2، الرياض، 2011، ص40.
- العزب، هاني السيد، القائد الصغير ضرورة لبناء مستقبل جديد، المجموعة العربية للنشر والتدريب، القاهرة، 2015، ص19.
هدى محمد الشاوش
-
- مكان الإقامة: الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة
- أخصائية اجتماعية
- بكالوريوس في علم الاجتماع – كلية الآداب والعلوم الانسانية ـ قسم علم الاجتماع ـ جامعة الشارقة – 2014-2018م.
- تدريب: إخصائية اجتماعية بمدينة الشيخ خليفة الطبية: 24 ديسمبر 2017 ـ 18 يناير 2018.
- مدرب معتمد دولي من جامعة أريزونا الدولية للأعمال وإدارة الأعمال شهادة الدراسات العليا في التدريب الدولي من المدربين 15-1-2019.
- مدرب معتمد من جامعة عين شمس بنجاح الدورة التدريبية للتدريب المهني للمدربين التي عقدت في القاهرة مصر خلال 60 ساعة من 20 يناير إلى 20 فبراير. TOT
- مدرب دولي معتمد من Longevity professional Management and Develop Training
- أكملت بنجاح متطلبات برنامج الخطابة المعتمد لمدة 36 ساعة بمقر أكاديمية آرت اند ساينس انترناشونال آسوسييشن للتدريب من 25 سبتمبر إلى 1 مايو 2019.
- عضوة فعالة في جمعية طالبات علم الاجتماع بجامعة الشارقة.
- متطوعة فعالة في منصة متطوعين إمارات ـ أكملت 84 ساعة تدريبية – و148ساعة تطوعية.
- متطوعة منطلقة من سفراء الخير التطوعي.
- من الأبحاث العلمية المنجزة: ـ اتجاهات الشباب نحو فاعلية العمل التطوعي بمدينة أبو ظبي: مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب نموذجاُ.
- (بحث مقدم لجائزة خليفة التربوية).
- ـ اتجاهات الطلبة نحو فاعلية المكتبات الجامعية في التحصيل العلمي (بحث التخرج).