الأسباب والنتائج – ج1
مجلس النطق واللغة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
من أكثر الكلمات التي يطرب لها الوالدان ويتوقان إلى سماعها هي الكلمة الأولى التي ينطقها طفلهما وتكون غالباً (ماما) أو (بابا) عندما يكون الطفل في شهره الحادي عشر أو ما دون ذلك بقليل. وبعد أن ينطق الطفل هذه الكلمة يحدث ظهور تدريجي وسريع في اللغة ويعبر الطفل مراحل متعددة وصولاً إلى مرحلة القدرة على تكوين جمل طويلة ومركبة من عدد كبير من الكلمات باستخدام قواعد اللغة المتعارف عليها وما أن يصل الطفل إلى سن ست سنوات حتى نجد أن قدراته اللغوية قد اكتملت أو كادت تفعل.
اقرأ ايضا: تنمية مهارات الاستعداد اللغوي لدى الأطفال الصم في مرحلة ما قبل المدرسة
إلا أن بعض الأطفال ولسبب من الأسباب التي سنستعرضها فيما بعد يخفقون في اكتساب اللغة حيث تظهر الكلمة الأولى في سن ثلاث سنوات أو حتى بعد ذلك وقد يصل الطفل إلى السنة السادسة من العمر وقدراته اللغوية لا تزيد عن بضع كلمات بسيطة يستعملها في مختلف المواقف وقد يحدث أن يتأخر في اكتساب جوانب معينة من اللغة أو أن يكون بطيئاً في مراحل التطور اللغوي حيث يحتاج إلى وقت أطول من الأطفال الآخرين لتعلم اكتساب جانب معين من اللغة مثل استعمال قواعد بناء الجملة أو الكلمة أو القدرة على التعبير باستخدام جمل صحيحة وطويلة.
الاضطراب اللغوي أو الإخفاق في اكتساب اللغة له مظاهر وأشكال عديدة ومتنوعة ونكتفي هنا بالقول إن الاضطراب اللغوي قد يكون في جانب فهم اللغة والتعليمات الشفهية أو في الجانب الاستقبالي من اللغة, وقد يكون في جانب إنتاج اللغة والقدرة على التعبير اللغوي وقد يشمل كلاً من الجانبين. وعند الحديث عن اضطراب اللغة التعبيري فقد يكون شاملاً لجميع المظاهر التعبيرية أي يشمل القدرة على تكوين الكلمات واستخدام القواعد الصوتية phonology واستخدام قواعد النحو والصرف syntax and morphology والقدرة على استعمال اللغة واستخدامها بشكل صحيح language use or pragmatic
الاختلاف بين اضطراب اللغة واضطراب الكلام
قبل الخوض في أسباب الاضطرابات اللغوية نشير إلى وجود اختلاف بين اضطراب اللغة واضطراب الكلام أو نطق الأصوات اللغوية فقد يمتلك الطفل قدرات لغوية عادية إلا أنه يعاني من صعوبة أو عسر في النطق. أي أن اضطرابات النطق شيء مختلف عن الاضطرابات اللغوية من ناحية الأسباب والمظاهر والتعامل معها من ناحية التقييم، ويختلف العلاج بشكل جذري عن الاضطرابات اللغوية ومنبع هذا الاختلاف هو الاختلاف الحاصل بين اللغة والكلام فاللغة هي قدرة ذهنية مكتسبة يتواصل بها الفرد مع الآخرين وهي مجموعة من المعارف تشمل المعاني والمفردات والقواعد التي تنظمها أو تضبطها وهذه اللغة تتولد في ذهن الفرد وتمكنه من إنتاج وفهم العبارات والجمل المسموعة والمكتوبة أما الكلام فهو حركة أعضاء النطق في إنتاج الأصوات اللغوية أي أنه رموز منطوقة نتيجة حركة أعضاء النطق والكلام ووسيلة للتعبير عن اللغة، وهناك وسائل تعبير أخرى غير كلامية مثل الكتابة وإشارة اليد ولغة الجسد وغير ذلك من وسائل التعبير .
العوامل المساعدة على تعلم واكتساب اللغة
اكتساب اللغة وتطورها لدى الأطفال لا يمكن أن يتم بمعزل عن توفر عوامل وظروف معينة، هذه العوامل التي تمكن الطفل من اكتساب اللغة وتعلمها بشكل تلقائي دون أن يحتاج إلى مساعدة خاصة هي:
القدرات الحسية السليمة وأهم هذه الحواس (السمع والبصر)
القدرات العقلية السليمة: من المعروف أنه كلما زادت درجة ذكاء الطفل كلما زادت قدرته على فهم ما يسمع من عبارات أو جمل (أو يقرأ عندما يتعلم القراءة) وزادت حصيلته اللغوية وتطورت قدراته على إدراك العلاقة بين الكلمات في الجملة وبذلك تتطور قدراته اللغوية بشكل سريع.
وترى مجموعة كبيرة من الباحثين في مجال التربية وعلم النفس أن النمو العقلي مرتبط إلى حد كبير بالنمو اللغوي عند الطفل فكلما تطورت قدراته اللغوية تطورت قدراته العقلية.
الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة: ويطلق عليه البعض مسمى (الملكة اللغوية) وهي الاستعداد الفطري عند الطفل لتعلم اللغة ويشمل الاستعداد الذهني أو العقلي الذي يمكن الدماغ من القيام بوظائفه في تعلم اللغة من خلال التعامل مع المدركات (المعلومات) الواردة إلى الدماغ من الحواس المختلفة وبشكل خاص حاستي السمع والبصر وتصنيف وتخزين واسترجاع هذه المعلومات أو المدركات ويشمل ذلك القدرة على ملاحظة وتقليد الآخرين في نطق أو ترديد النماذج اللغوية.
البيئة اللغوية المحفزة: فاللغة هي سلوك إنساني ولا تكتسب بمعزل عن الآخرين وبشكل خاص أسرة الطفل والمحيطين به.
إن تفاعل هذه العوامل وتكاملها عند الطفل تمكنه من اكتساب اللغة وفي المقابل غياب أو ضعف عامل واحد من هذه العوامل قد يترك تأثيره السيئ على قدرات الطفل في اكتساب اللغة والأداء التواصلي بشكل عام ومن شأن التدخل المبكر والصحيح والفعال أن يساعد الطفل على اكتساب اللغة أو أن يخفف من الاضطراب اللغوي الذي يعاني منه الطفل إلى الحد الذي يمكنه من التواصل مع المحيطين به.
أسباب الاضطرابات اللغوية عند الأطفال:
ليس من السهل دائما تحديد معاناة الطفل من اضطراب في اللغة أو الإخفاق في تعلم واكتساب اللغة فهناك عدد من الحالات التي يبقى سببها غير معروف حتى مع اتباع أدق الوسائل في التشخيص والتقييم.
ودرجت العادة لدى اختصاصيي اضطراب اللغة والكلام أن يتم تقسيم اضطرابات اللغة إلى مجموعتين أساسيتين هما:
- اضطراب اللغة الأساسية أو المحددة.
- اضطراب اللغة الثانوية.
ضمن المجموعة الأولى نجد مجموعة من الأطفال يواجهون اضطراباً في اللغة فقط دون معاناة من اضطراب آخر، وقد ساد في الماضي مصطلح developmental aphasia أو dysphasia للإشارة إلى هذه الفئة من الأطفال حيث يتشابه اضطراب اللغة عند هذه الفئة من الأطفال مع اضطراب اللغة الذي نجده عند الأشخاص البالغين والذين فقدوا قدراتهم اللغوية أو أصيبت هذه القدرات باضطراب بعد تعرضهم لضرر معين (نزيف أو تجلط على سبيل المثال) في المناطق اللغوية الموجودة في نصف الدماغ الأيسر left hemisphere عند الغالبية العظمى من الناس، والصعوبة هنا في إثبات أن اضطراب اللغة عند الطفل يعود إلى إصابة المناطق اللغوية في الدماغ أو عدم تطورها إلى الحد الكافي وبالتالي عدم قدرة الطفل على اكتساب وتعلم اللغة أو معاناته من اضطراب في جوانب مختلفة من اللغة، وفي الوقت الحالي يستعمل مصطلح اضطراب اللغة المحدد لوصف اضطراب اللغة عند هذه الفئة من الأطفال.
المجموعة الثانية من الاضطرابات اللغوية، وعلى العكس من المجموعة الأولى يكون سببها واضحاً حيث يعاني الطفل من اضطراب محدد وتكون مشكلة اللغة أو التأخر في اكتسابها ناتجاً عن هذا الاضطراب أي أن اضطراب اللغة هو ثانوي للمشكلة الأساسية التي يعاني منها الطفل ومن هنا جاءت التسمية باضطرابات اللغة الثانوية ومن أهم العوامل التي تسبب حدوث تأخر أو اضطراب في اللغة:
ضعف أو فقدان لحاسة السمعHearing loss .
تختلف الاضطرابات اللغوية عند إصابة حاسة السمع في شدتها من طفل إلى آخر اعتماداً على عوامل وظروف من أهمها زمن حدوث إصابة السمع، فهناك اختلاف في القدرات اللغوية بين الطفل الذي يولد مصاباً بفقدان او ضعف في السمع والطفل الذي يصاب بفقدان السمع بعد اكتساب اللغة أو اكتساب قدر معقول من القدرات اللغوية، ففي الحالة الأولى تكون مشكلة اللغة أشد، ويعتمد الأمر كذلك على فعالية التدخل المبكر والتزود بالمعين السمعي الصحيح والملائم لمشكلة السمع فكلما كان هناك تدخل مبكر فعال وصحيح كلما تطورت القدرات اللغوية بشكل أفضل وتمكن الطفل من اكتساب اللغة والكلام والأداء التواصلي الشفهي بشكل جيد.
ومن الأمور الأخرى التي تعتمد عليها شدة المشكلة اللغوية لدى المصابين بحاسة السمع هي درجة وشدة فقدان السمع فالطفل الذي لديه ضعف بسيط في السمع لا يتجاوز مستوى 40 ديسبل dB يختلف عن الطفل الذي يعاني من فقدان السمع الشديد أو العميق والذي يتجاوز مستوى 90ديسبلdB
يتبع في العدد القادم ……
المراجع
- مقتبس من كتاب اضطرابات النطق واللغة للدكتور فيصل العفيف
- مقتبس من كتاب اضطراب النطق والكلام للدكتور عبد العزيز الشخص