قد تكون هذه العبارة من أبسط المتطلبات الحياتية اليومية لتحقيق وإثبات وجودنا، وتأسيس شخصية متوازنة ومتماسكة، وهي هاجس يومي بالنسبة لمن يعانون من إعاقات مختلفة حيث يبدون في نظر الآخرين أكثر الأشخاص حاجة للمساعدة وذلك مردّه للزاوية الوحيدة الجانب التي يرونهم منها. إنهم يتذكرون النقص الذي فيهم ويتعاملون على أساسه وينسون رؤية الإمكانيات التي بقيت لديهم.
يحاول الإنسان المعاق أيا كانت إعاقته التغلب على مشكلته بالسعي المتواصل ليتغلب على مشكلة الآخرين معه. ولهم أسبابهم في ذلك / محبتهم الزائدة، خوفهم الزائد، عدم ثقتهم… الخ. وهذه الأسباب تجعلهم يتجاهلون رغبته في أن يجرّب ويتعلّم. وهم بهذا يؤسسون دون قصد منهم شخصيات هشة، ضعيفة، اتكالية ومستهلكة. إن عطفهم المبالغ فيه وحرصهم على حمايتهم والتحكم بأفعالهم يؤدي إلى حصار وتحجيم قد ينتج عنه إعاقات أخرى أشد وطأة وأكثر ألما.
من مّنا لا يرغب بالاعتماد على نفسه والتحرر من حاجته للغير ولو بشكل جزئي. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على احترام الإنسان لقدراته وبالتالي هو حالة تستحق الإعجاب. فلماذا نصرّ على إضعاف الهمم بدل تقويتها. ويتوجب أن نقول: لا بأس جرّبوا، تعلّموا وإن تعلّمتم علّموا…!
حتى الطفل الذي لم يكد يبلغ السنتين من عمره نجده راغبا بالاعتماد على نفسه ويرفض مساعدته في ارتداء ملابسه أو بإطعامه أو الذهاب إلى الحمام أو الإمساك بيده في الشارع ويحاول أن يبرهن معرفته بالتجربة. يخطئ أحيانا وينجح أحيانا لكنه يجرب ليتعلم ما يستطيعه وما يجب فعله وما لا يجب.
إذن، لم لا نؤمن بفكرة: قبل أن تتعلم أكل السمك، تعلم كيف تصطاده. ولنقس ذلك على أصحاب الإعاقات. مقعد، كفيف، فاقد أحد أو كلا طرفيه.. الخ. إنهم جميعاً بحاجة لتعلم الصيد، وإن وجدنا حقاً نماذج غير قليلة تحرص على الوقوف إلى جانب هؤلاء ومساعدتهم في الاعتماد على أنفسهم دون تشكيك بطاقتهم وحماسهم ومنحهم الثقة والابتسامة لمعاودة المحاولة، فإننا نجد نماذج أخرى غير قليلة أيضاً وبدافع المحبّة / السلبيّة / تمتص قدرات الآخرين بالعمل الدائم على تأمين متطلباتهم وجعلهم تحت رحمتهم بحيث ننظر إليهم فنراهم لا حول لهم ولا قوة ولا يتمتعون بأي نشاط، لكن نظراتهم تقول غير ذلك.
وهكذا نجد أن الحب ضروري لكن الإفراط فيه يؤدي إلى ثغرات نفسية لا تظهر إلا مع مرور الوقت. والتعاون واجب لكن المبالغة فيه يؤدي إلى اتكالية مريضة وضعف جسدي يتضح من خلال الممارسات اليومية التي لا نفع منها ولا معنى لها. ليس أفضل من أن نجعل الشخص الضعيف قوياً بتوجيه سلوكه ومساعدته على النظر الجيد نحو ما يمكنه فعله. وبهذا فقط نثبت له حبنا وصداقتنا له أياً كان هذا الشخص / معاق أو غير معاق من الداخل أو العكس/ فالجميع بحاجة للأخذ بيدهم ليأخذوا بيد بعضهم، ومن ثم ليحققوا إنسانيتهم بالعمل على ما جربوه واستفادوا منه. وهنا في الختام يحضرني الكاتب العظيم دوستويفسكي بقوله: إذا وقعت، أقرض الأرض بأسنانك.