نعيش جميعنا فيما يشبه أفلام الرعب، غير أنه فيلم بلا خلفيات زرقاء، بلا أبطال خارقين يهزمون كل شيء. أين سوبرمان أين الرجل الوطواط أين الرجل العنكبوت أين المنتقمون (Avengers) أين المتحولون (Transformers) أين رجال إكس (X Men) أين رجل المصباح (Lantern man) أين الرجل النملة (Ant Man) …؟ أين أمثال هؤلاء الذين أرونا وربما أقنعونا بأنهم يدحرون أي خطر في الكون؟ ببساطة كان وراء انتصار هؤلاء الأبطال خلفيات زرقاء يضعون عليها ما رغبوا.
الأبطال الحقيقيون في مواجهة كورونا هم أطباء وممرضون ومتدربون وباحثون.
لقد أيقظ فينا كورونا حس المسؤولية الفردية والجماعية.
لدينا الآن أجيال شابة أجلست في المنازل لتخوض أول تجربة عزل عالمية في تاريخ البشر. هذه الأجيال لن تنسى ما عايشته هذه اللحظات وستبني عليها المستقبل القادم عندما تصبح في مقاعد صياغة القوانين والنظم والتشريعات والبناء المستقبلي العالمي.
كنا نعيش مقولة: (أصبح العالم قرية صغيرة بل غرفة صغيرة) لنجد هذه المقولة واقعاً لا مفر منه، إذ لم تعد الجغرافيا تنفع عندما جاء كورونا.
نحن ننحني احتراماً لهذا المخلوق الذي أماط اللثام عن حقيقة أن أي إنسان سواء أكان في أعالي الجبال أم في أسفل الوديان يشذ عن السلوك البشري المعتاد قد يدخلنا في جائحات لا مثيل لها من قبل.
لقد تنبهت الدول لأول مرة إلى أن شخصاً ما قد أكل وطواطاً أو طعاماً غير معتاد للبشر (إذا سلمنا أن هذا هو السبب) قد يكون سبباً في جائحة مهلكة.
لقد تنبهت الدول لأول مرة إلى أن شخصاً آخر يعبث بالتراكيب الجينية (إن سلمنا أن هذا هو السبب) قد يكون سبباً في فناء البشرية. والعبث هنا أن يقوم بهذه الأبحاث دون حكمة وبوصلة إنسانية.
لقد اعتادت الدول أن تتسابق على تسجيل أكبر عدد من براءات اختراعات بعيداً عن مفهوم (الإنسان والطبيعة أولاً)؟ لقد جاء فيروس كورونا ليؤكد ويدعم مفهوم أن السباق القادم بين الدول هو على من الذي يقود البشرية إلى الحكمة والرشاد وتنقية الهواء والرفع من قيمة الإنسان والتخفيف عنه وطأة الحياة باستخدام المعرفة والتكنولوجيا.
إعادة نظر:
من الأفضل للدول التي تمتلك القدرة والأدوات على العبث بمقدرات البشر أن تعيد النظر وأن تتزود بالحكمة وأن تعي أن ما يحدث عندك أو ما تفعله سيعود إليك ويرتد عليك.
لذا يجب أن ندعو كبشر إلى سن قانون يتعلق بدراسة الجائحات على أنها أمن أممي.
ندعو إلى أن يكون في الأمم المتحدة مجلس أمن طبي، مجلس أمن صحي، مجلس أمن غذائي، مجلس أمن جرثومي، مجلس أمن حكمة ورشاد.
فكما أن مجلس الأمن مسؤول عن ضبط الأسلحة النووية والكيميائية، فالأحرى أن يكون هناك مجلس أمن يضبط مراكز أبحاث الفيروسات لنعرف تماماً عندما تحدث جائحة ما، من أي دولة جاءت؟ فتحمّل المسؤولية وتعزل وتعاقب لأنها تهدد البشرية جمعاء.
ضرورة إعادة ترتيب الأولويات:
لقد وضعنا كورونا وجهاً لوجه مع إعادة ترتيب الأولويات.
كشف لنا كورونا على أن الصحة والاقتصاد والتعليم والأمن الغذائي هي الأساس وليس الترفيه.
عندما نقول الصحة نعني كل ما تتضمنه الصحة من تعليم وطب وكتب ومراجع وأبحاث وأدوية وتمريض وتجهيزات طبية وهندسة طبية، فنحن لا نتكلم فقط عن طبيب وسماعة، بل نتكلم عن الصحة بمفهومها العام الشامل الذي يشمل حتى الزراعة والمبيدات الحشرية والمبيدات الزراعية والتشجير.
تصنع الأدوية حالياً بناء على الربح الاقتصادي وليس بناء على الحاجة الإنسانية وهذا أمر يجب أن يعاد النظر فيه وتصحح بوصلته.
لقد جعلنا كورونا نعيد النظر في الصحة وأهمية الطبيب وإكرام الأطباء.
تصحيح البوصلة الاقتصادية:
كشف لنا كورونا عن أن هناك بشراً قد قطعت أرزاقهم بسبب الحجر وأن هناك من يكسب عيشه بشكل يومي وانقطاعه عن العمل جعله ينهار اقتصادياً.
صغار الكسبة ومن لديهم أعمال عائلية صغيرة والذي يعيش على المياومة والذي يعمل بدوام جزئي، كل هؤلاء الناس دمرت حياتهم بقرار صغير لأن المخزون الذي يكفيهم غالباً لن يصمد أكثر من شهر وسيدخلون في متاهات الفقر والحاجة والعوز الحقيقي.
العمل العائلي هو الأكثر تأثراً حيث يعمل في مهنة ما كل أفراد العائلة، الأب والأبناء والأصهار، فعندما توقف العمل تأثرت العائلة كلها وتراكمت الفواتير لأنهم يستندون إلى بعضهم بعضاً.
وهنا لابد أن نوجه العائلات الكبيرة إلى المسارعة إلى إنشاء صندوق العائلة، حيث يضع كل فرد من أفراد العائلة مبلغاً محدداً كل شهر ليكون سنداً في مثل هذه الأوقات الصعبة.
أيضاً إغلاق الحدود فتح أعين العالم على مشكلة كبيرة، فهؤلاء الذين يسكنون في مكان ويعملون في مكان آخر أصبحوا بلا عمل فجأة.
أيضاً الدول التي تعيش على استقدام الخضار والفواكه والطعام يومياً يجب أن تجد طرقاً للتخزين تكفيها لأشهر إن أغلقت الحدود حتى لا تدخل في أزمات غذائية داخلية في مثل هذه الحالات.
تراث منسي:
قيل: جاء الأعداء إلى قرية وخيروا أهلها أن يقتلوا شبابهم أو يقتلوا كبارهم، لم يكن لأهل البلدة إلا أن يختاروا أن يؤخذ الكبار منهم أملاً في أن يستمر الشباب في مسيرة الكبار فأفنى العدو الكبار.
استيقظ شباب القرية لتسيير أمورها اليومية فلم يجدوا من يوجههم في الأزمات، في الأمطار، في الفيضانات، في الأنواء، لم يجدوا من يزودهم بخبرات زراعية وصناعية، لم يجدوا من يعينهم بحكمته على اتخاذ القرارات فهلكت القرية.
كورونا ذو التاج، أخذ منا تيجاننا، استهدف أكثر ما استهدف الكبار في السن من لديهم زخم تاريخي وثقافي ومعرفي، إنهم تراث ومراجع موسوعية متحركة.
لقد حصد كورونا من الأطباء وأساتذة الجامعات والباحثين والعلماء والكتاب والمبدعين الكبار في السن الكثير.
قد تكون الوفيات لنا أرقاماً على شاشة، لكن وراءها هامات وقامات غفلنا عنهم ونسيناهم.
لابد من تصحيح بوصلتنا بعد كورونا ونتوجه إلى هؤلاء بالعناية ونستخلص منهم ما نستطيع من معارف بطريقة أو بأخرى.
لابد لهم أن يرووا لنا قصصهم، مع من عاشوا؟ مع من جلسوا؟ بعضهم قد قارب شخصيات كبيرة كعلماء مثلا أو مثقفين أو بعضهم قد جاور مستكشفاً أو عاش مع مبدع مما يلقي بالضوء على نواح أخرى من التاريخ والعلوم كنا غافلين عنها.
لابد للأمم أن تتوجه لكبارنا وتسجل ما لديهم لأنه مخزون حقيقي للتراث فالتراث ليس فقط رماح وأبنية وآثار وإنما هو فكر وتجارب متراكمة.
أخيراً:
نحن كبشر نتعلم من أخطائنا، وجائحة كورونا ربما لن تكون الأخيرة، لذا وجب على البشرية أن تستعد بعد مرور هذه الأزمة.
لقد أصبحت السماء صافية والماء رقراقاً عذباً وتوقف الإنسان عن إيذاء نفسه بنفسه. لقد جعلتنا هذه الجائحة ربما نسارع إلى الدخول في عصر الطاقة المتجددة أسرع مما كنا نخطط له.
لابد لكورونا أن ينظف القلوب ويغسل الأحقاد ويقوي الوشائج بين الأهل والأقرباء والأصدقاء والمجتمع، لأن كثيرا ممن أخذهم كورونا افتقدوا يدا يمسكونها قبل الموت، افتقدوا المسامحة مع الآخرين، حرموا من فرصة للمصارحة والصفح والعفو بينهم وبين من حولهم.
تصحيح البوصلة الإنسانية بات مسؤولية تقع على عاتق الدول والأفراد ومن بيدهم القوة والقرار.
بقلم د. نورا الشرابي
24-11-2020
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.