على مر الزمن كان ينظر إلى العنف الأسري، على أنه أمر عائلي خاص لا يحتاج إلى تدخل الحكومة أو إلى العدالة الجنائية، وفي كثير من الأحيان كان رجال الشرطة يرفضون التدخل باعتقال الجاني، فقد كانوا بدلا من ذلك ـ في أغلب الأحيان ـ يختارون ببساطة نصح الزوجين أو توجيه أحد الطرفين بترك المسكن لفترة من الزمن، كما أن المحاكم كانت لا ترغب في فرض أي عقوبات جادة على أولئك المدانين بارتكاب جرائم العنف المنزلي، وهذا في المقام الأول لأن جريمة العنف الأسري كانت تعتبر جنحة.
مشاركة جميع السلطات في معالجته
وأما وجهة النظر الحديثة في المدن الصناعية فهي تشير إلى أن العنف المنزلي ينبغي أن يعتبر قضية عامة، وينبغي أن تشارك في معالجته جميع السلطات الجنائية، إذ انه ينبغي التعامل مع واقعة العنف بجدية بمجرد الإبلاغ عنها، فيمكن للمتخصصين الطبيين إحداث فرق في حياة أولئك الذين يتعرضون لاعتداء، حيث أن العديد من حالات الاعتداءات الزوجية تتم معالجتها من جانب الأطباء بصورة فردية دون تدخل الجهات الأمنية.
هذا بالإضافة إلى علاقاتهم الطويلة الأمد التي تحدث غالبا مع المرضى، إذ أن الأخصائيين من الأطباء كانوا في مكانة تسمح لهم بتمكين الأفراد وتقديم النصيحة وإحالتهم إلى مصادر تقديم الخدمة المناسبة، وعلى الرغم من ذلك فإن أخصائي الرعاية الطبية لا يقومون دائما بهذا الدور، وذلك في ظل تقديم جودة غير متساوية من الرعاية، وفي بعض الحالات يكون لديهم سوء فهم حول العنف الأسري.
قصور نظام الرعاية الصحية
وفي الولايات المتحدة الأمريكية اعترف معهد الطب بقصور نظام الرعاية الصحية في تقريره لعام 2002م، والذي أتى تحت عنوان مواجهة الإهمال المزمن وقد نسب بعض المشكلات التي استشهد بها إلى نقص التدريب المناسب بين متخصصي الرعاية الصحية الذين تقع على عاتقهم مسؤولية أخلاقية فيما يتعلق بإقرار التعرض للاعتداء ومعالجته لدى المرضى الذين يعالجونهم في أماكن الرعاية الصحية.
وينص قانون الأخلاق الطبية الخاص بالجمعية الطبية الأمريكية على أنه نتيجة لانتشار العنف الأسري وتبعاته الطبية ينبغي على الأطباء السؤال دوريا عن مدى تعرض المريض لاعتداء بدني أو جنسي أو نفسي كجزء من تاريخ حالته المرضية، وينبغي كذلك على الأطباء النظر بعين الاعتبار إلى الاعتداء في التشخيص التفريقي فيما يتعلق بعدد من الشكاوى الطبية خاصة عند معالجة النساء.
زيادة الوعي تجاه المشكلة
في فترة السبعينيات من القرن الماضي كان يعتقد بصورة كبيرة أن الرد على المكالمات المتعلقة بالاضطرابات الأسرية يعتبر أخطر الأنواع بالنسبة لرجال الشرطة اينما كانوا والذين يصلون إلى موقف مشحون بدرجة عالية من الانفعالات، وقد اعتمد هذا التصور على إحصاءات مكتب المباحث الفيدرالية والتي ثبت عدم صحتها حيث أنهم كانوا يجمعون جميع أنواع الاضطرابات معاً إلى جانب الاضطرابات الأسرية، وذلك علي غرار تلك المشاجرات التي تقع دوما في الحانات.
هذا وقد أظهرت الإحصاءات اللاحقة والتحليل عدم صحة هذا التصور، وقد ساعدت الإحصاءات المتعلقة بحوادث العنف الأسري والتي تم نشرها في أواخر السبعينيات على زيادة الوعي العام تجاه المشكلة وزيادة النشاط في هذا الخصوص، وقد أظهرت دراسة نشرتها مؤسسة الشرطة في عام 1976م أن الشرطة تدخلت مرة واحدة على الأقل خلال العامين السابقين في 85 بالمائة من حالات قتل الزوجات.
ولكنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات طالبت ناشطات الحركة النسائية، ومجموعات دعم النساء اللائي يتعرضن لانتهاكات الشرطة بالتعامل مع العنف المنزلي بجدية أكثر، وذلك فضلا عن تغيير إستراتيجيات التدخل لمنعه.
وفي بعض الحالات كانت هذه المجموعات تقوم باتخاذ إجراء قانوني ضد إدارات الشرطة، بما في ذلك تلك الخاصة بكل من لوس أنجلوس وأوكلاند وكاليفورنيا ونيويورك، وذلك من أجل دفعهم للقيام باعتقال المعتدين في حالات العنف الأسري وكانت تزعم أن الشرطة في كثير من الأحيان تقلل من أولوية المكالمات المتعلقة بالاضطرابات الأسرية.
مشروع للتدخل للعلاج
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1981م بات مشروع (دولوث) للتدخل لمنع العنف الأسري أول برنامج متعدد التخصصات تم تصميمه لمعالجة مشكلة العنف الأسري، وقد أُجريت هذه التجربة في دولوث مينيسوتا، ويشار إليها غالبا باسم مشروع دولوث وذلك نظرا لأنها قامت واستمرت من خلال دعم مجتمع كامل.
وقد قام المشروع بالتنسيق بين الوكالات التي تتعامل مع حالات العنف المنزلي، إلى جانب جمع عناصر النظام المختلفة معا، وذلك بداية من رجال الشرطة الموجودين في الشوارع مرورا بأماكن إيواء النساء المتعرضات للانتهاك، وانتهاء بمراقبي السلوك الذين يراقبون سلوك المنتهكين.
وقد أصبح هذا البرنامج نموذجا للسلطات المختصة الأخرى التي تسعى للتعامل بصورة أكثر فاعلية مع العنف الأسري وتقوم وكالات الإصلاح ومراقبة السلوك في العديد من المناطق بمراقبة المنتهكين فيما يتعلق بحالات العنف الأسري عن كثب، وكذلك تبدي اهتماما كبيرا بمتطلبات الضحية والأمور المتعلقة بسلامتها.
وقد ثارت حالة من الجدل نظرا لأن إطار عمل مشروع دولوث يعتمد على نموذج العنف الأبوي الحازم ويفترض أن جميع حوادث العنف في المنزل وغيره يكون الذكر فيها هو الجاني والأنثى هي الضحية، وتعتبر جميع البراهين على أن فرص نجاح هذا النموذج محدودة، بالإضافة إلى تعرضه للنقد والتحليل من جانب أكاديميين، ويشار إلى أن العديد من الضحايا يتركون المعتدين عليهم إلى أن يعودوا إليهم لانتهاكاتهم مرة أخرى.
فقد أظهر البحث أن أحد العوامل الرئيسية التي تساعد الضحية على تحقيق الاستقلال النهائي عن الطرف المعتدي، هو قدرته أو قدرتها على الحصول على مساعدة قانونية، وقد حلل الاقتصاديون في مركز (برينان) للعدالة بيانات مكتب إحصاءات العدالة لتحديد سبب الانخفاض في الإبلاغ عن حالات اعتداء على الصعيد الوطني، وقد كشفت النتائج التي توصلوا إليها أن أحد العوامل المهمة وراء ذلك كان توفر الخدمات القانونية لمساعدة الضحايا المتعرضين للاعتداءات.
تقليل خوف المعتدي من العقاب
لم يدرك متخصصو علم الجريمة بصورة تامة أسباب عدم استمرار آثار الردع بمرور الوقت، ولكنهم افترضوا أن المعتدين أصحاب الوظائف، والذين لديهم علاقات بالمجتمع يمكن أن يخافوا في بادئ الأمر من التعرض للعقاب، وهذا بالرغم من أن العديد من الحالات لا تتم معالجتها من خلال إجراءات العدالة الجنائية فحسب، وإذا كانت الضحية غير متعاونة خلال التحقيق فإن المدعي قد يفضل عدم مواصلة القضية، وفي حالة ما إذا تمت مواصلة القضية من خلال نظام العدالة الجنائية فإن الحكم الصادر في بعض الأحيان يكون طفيفا، ونتيجة لذلك قد يقل أي خوف لدى المعتدي من التعرض للعقاب.
محاكم العنف ضد المرأة في اسبانيا
تم تأسيس القانون التأسيسي لإجراءات الحماية المتكاملة ضد العنف الأسري أي محاكم العنف ضد المرأة في اسبانيا عام 2004م، ويمكن أن تسمح المحاكم الإسبانية بالاستماع للقضية في سرية إلى جانب عدم نشر وقائع المحاكمة للعامة، كما يمكن أن تطالب الشخص المتهم بارتكاب جريمة العنف بترك مسكن الزوجية الذي يشاركه مع ضحيته، ويمكن أن تعلق حق المسؤول المزعوم عن ارتكاب أعمال العنف عن ممارسة سلطة الرعاية الأبوية، أو أن تعلق حضانته أو وصايته المتعلقة بالقصر الذين اختص برعايتهم، ويمكنها أيضا إصدار أمر بتعليق حق حيازة الأسلحة، وقد أُعلن في الثالث عشر من شهر أبريل / نيسان عام 2011م أن جميع وقائع القتل الناتجة عن أعمال الاعتداء الأسري في إنجلترا وويلز ستخضع لمراجعة من قبل هيئات متعددة والتي تتضمن هيئات الشرطة والخدمات الصحية والسلطات المحلية وجهات مراقبة السلوك والمجموعات المتطوعة والكيانات الأخرى المرتبطة بالضحية.
وقد أشار مدير الادعاءات العامة إلى أن الاستبيان أظهر أن الشابات بين سن السادسة عشر والتاسعة عشر يتعرضن لمستوى خطورة مرتفع من الاعتداء الأسري، حيث يقول إن هذا يوضح أنه ربما يكون هناك جيل قادم من العنف المنزلي يتحين الفرصة المناسبة للظهور وأن العنف المنزلي يعتبر خطيرا ومؤذيا فهو يدمر الحياة ويفتت الأسر ويكون له تأثير مستمر.
يشار إلى أنه لا توجد في إنجلترا وويلز تهمة محددة للعنف الأسري، ولكن يتم نظر القضايا في ظل القوانين المعمول بها بصفة عامة، ومع ذلك فعند حدوث واقعة اعتداء في إطار أسري، فإن عوامل الخطورة المحددة تظهر بصورة عامة.
وتسمح خطة السلامة للضحية بالتخطيط للمواقف الخطرة التي يمكن أن تواجهها، كما أنها تعتبر فعالة بغض النظر عن قرارها المتعلق ببقائها مع الجاني من عدمه، وتبدأ عادة خطة السلامة بتحديد مسار التصرف إذا وقعت حادثة حادة في المنزل مرة أخرى، وينبغي أن يمنح الضحايا إستراتيجيات لضمان سلامتهم مثل تجنب المواجهات في الغرف التي تتضمن مخرجا واحدا فقط وتجنب غرف معينة تحتوي على العديد من الأسلحة المحتملة مثل المطابخ والحمامات.. الخ.
تقديم العلاج للمعتدين
بات واضحا أن الغاية الرئيسية من تقديم العلاج للمعتدين في حالات العنف الأسري تكمن في تقليل خطورة قيام المعتدين بالعنف المنزلي في المستقبل، سواء أكان ذلك في نفس العلاقة أم في علاقة جديدة فينبغي أن تركز معالجة المعتدين على تقليل مخاطر تعرض الضحية للخطر، وينبغي أن تخضع المعالجة للتعديل بناء على تاريخ المعتدي، والتعرض لخطورة تكرار الاعتداء، والاحتياجات المتعلقة بمعالجة أسباب السلوك الإجرامي.
وغالبية برامج معالجة المعتدين تستغرق ما بين 24 إلى 36 أسبوعا، وتجرى في أماكن للمجموعات وذلك مع مجموعات لا يتجاوز عددها 12 مشاركا، كما يتم وضع معايير تتعلق بأن تكون المجموعات محددة بجنس معين، وقد اتضح أن مرتكبي جرائم العنف الأسري يحافظون على واجهة اجتماعية مقبولة لإخفاء السلوك الإجرامي ولذلك يعتبر تحمل المسؤولية نقطة التركيز الموصى بها في برامج معالجة هؤلاء المعتدين.
ويقترن إكمال المعالجة الناجحة بصورة عامة بالسن المتقدم ومستويات التعليم العالي، فضلا عن حالات الإبلاغ القليلة فيما يتعلق بتناول المخدرات، والتواريخ الجنائية غير المشتملة على وقائع عنف، والعلاقات الطيبة الطويلة… إن إدارة الغضب وحدها لم يثبت أنها فعالة في معالجة مرتكبي جرائم العنف المنزلي وذلك نظرا لأن هذا النوع من العنف يعتمد على النفوذ والسيطرة، وليس على مشكلات تنظيم ردود الأفعال الغاضبة.
ويوصى بالاعتماد على إدارة الغضب كجزء من منهج معالجة مرتكبي جرائم العنف الأسري والذي يعتمد على تحمل المسؤولية، بالإضافة إلى موضوعات مثل إدراك أنماط السلوك المؤذي وإعادة هيكلة مهارات التواصل، وتتضمن عملية معالجة مرتكبي العنف الأسري أكثر من مجرد التوقف عن ممارسة السلوك المؤذي، حيث تتطلب أيضا قدرا كبيرا من التغيير الشخصي وبناء تصور عن الذات منفصل عن السلوك السابق في الوقت الذي يظل المجرم فيه مسئولا عن جرائمه.
المصادر
http://www.peaceoneday.org/ar
http://swmsa.net/forum/showthread.php?t=13251
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20131106/Con20131106652473.htm
https://www.portlandoregon.gov/police/35679
https://www.childwelfare.gov/systemwide/domviolence/prevention
الاسم:
رضا ابراهيم محمود عبد الرازق
السن:
40 سنة
الاسم:
رضا ابراهيم محمود عبد الرازق
السن:
40 سنة
الجنسية
:
مصري
الهواية:
قراءة المجلات ـ الرسم ـ الكتابة ـ المراسلة.
الوظيفة الحالية:
مشرف عمليات بترسانة السويس البحرية (هيئة قناة السويس),.
المجلات التى ينشر لي فيها:
مجلة جند عمان (سلطنة عمان),
مجلة الجندي (دبي، الإمارات العربية المتحدة),
مجلة الحرس الوطني (المملكة العربية السعودية),
مجلة المسلح (ليبيا),
مجلة (درع الوطن), الإمارات العربية المتحدة
مجلة العين الساهرة (الإمارات العربية المتحدة),.