التطوع هو المجهود القائم على مهارة أو خبرة معينة، والذي يبذل عن رغبة واختيار بغرض أداء واجب اجتماعي يساعد على نهضة المجتمع ورقيه، وبدون توقع جزاء أو مقابل مادي بالضرورة.
أو هو ذلك الجهد الذي يفعله أو يقوم به الإنسان لمجتمعه، وبدون انتظار مقابل له، قاصداً بذلك تحمل بعض المسؤوليات في مجال العمل الاجتماعي المنظم الذي يستهدف تحقيق الرفاهية للمجتمع بوجه عام، وعلى أساس أن الفرص التي تحتاج لمشاركة المواطنين، وكذلك الجهود المجتمعية المنظمة، ميزة يتمتع بها الجميع، وأن المشاركة تعهد يلتزمون به.
وعلى ذلك فإن مفهوم التطوع يشمل الأبعاد التالية:
- إنه جهود إنسانية تبذل من جانب كل أفراد المجتمع، سواء أكانت فردية أو جماعية.
- إنه يقوم أساساً على الرغبة الحرة، والدافع الذاتي، أي أن وراء التطوع دائماً دافع يحركه سواء كان هذا الدافع شعورياً أو لا شعورياً.
- إن المتطوع لا ينتظر بالضرورة من تطوعه مقابلاً مادياً، فالهدف من التطوع هو الإسهام في تحمل مسؤوليات تحقق للمجتمع الرفاهية والتقدم.
- إن التطوع غالباً ما لا يتطلب إعداداً مسبقاً، حيث أنه يقوم على المهارة أو الخبرة السابقة التي يتمتع بها المتطوع، ولكن هذا ـ في رأينا ـ لا يمنع من إمكانية بل وضرورة، تدريب المتطوعين على الأعمال التي سيشاركون فيها من أجل أداء أفضل وأحسن.
- إن التطوع ركيزة أساسية للمشاركة الاجتماعية، حيث يقصد بالمشاركة تلك المساهمة التي تقوم أساساً على التطوع، بمعنى آخر: مساهمة المواطنين في تحمل المسؤولية، وإبداء الآراء، والتعبير عن الأفكار التي تفيد في رقي المجتمع ونهضته، وكذلك المشاركة الفاعلة في التنفيذ دون مقابل مادي.
وغني عن البيان أن جميع قيمنا وثوابتنا تدعو إلى التطوع من أجل مساعدة الآخرين دون مقابل، وبذلك نجرد من أنانيتنا، فما خير في إنسان عاش لنفسه.
مصادر التطوع
يمكن الحصول على متطوعين من مصادر متعددة، نذكر منها:
- بعض سكان المجتمع ممن شاركوا في بعض نشاطاته، واكتسبوا المهارات والخبرات التي تساعدهم على المساهمة في بعض العمليات المهنية.
- الطلاب على مختلف مستوياتهم، لأن ثقافتهم، ومهاراتهم في تخصصاتهم، والوعي المفترض أن يكون سائداً بينهم، كل ذلك يتيح لهم أن يكونوا مورداً خصباً للتطوع، ونشير هنا بصفة خاصة إلى طلاب كليات الدراسات الإنسانية لأنهم يعدون إعداداً مهنياً وقومياً من المفترض أن يدفعهم إلى التطوع في مختلف المؤسسات الاجتماعية، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي كافة الأنشطة المجتمعية، وهذا لا يمنع بالطبع أن يكون طلاب الكليات العملية والمهنية مصدراً من مصادر التطوع.
- الأعضاء الذين ينتمون إلى هيئات اجتماعية يكون من ضمن أهدافها خدمة المجتمع، والبيئة المحيطة به.
- أعضاء منظمات المجتمع المدني، لأن من أهداف هذه التنظيمات استثارة الوعي لأعضائها حتى يعملون في خدمة المجتمع، ويسعون لإيجاد الحلول الذاتية لمشكلاته. وهنا نحب أن نشير بصفة خاصة إلى جهود شباب منظمات المجتمع المدني ومؤسساته سواء كانت منظمات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو مهنية، كإمكانية وطاقة، يجب عليهم أن يبادروا إلى التطوع، هذا بجانب التنظيمات المهنية والعمالية والشبابية.
- قد تستفيد بعض المؤسسات الاجتماعية من الجهود التطوعية لبعض من استفادوا بالفعل من خدماتها.
شروط ومواصفات المتطوع
يمكن لنا أن نسترشد بمجموعة الشروط والمواصفات التالية للشخص المتطوع:
- احترام المتطوع للناس، وتقبل فروقهم الفردية، والرغبة الصادقة في مساعدتهم، من أجل أن يساعدوا أنفسهم بعد ذلك.
- النضج العقلي والانفعالي الذي يمكنه من العمل على خير وجه.
- القدرة على العمل مع الناس بإسلوب تعاوني.
- القدرة على تحمل المسؤولية، ورغبته الحميمة الصادقة، وتحمسه للعمل التطوعي من أجل صالح مجتمعه، دون انتظار لأجر أو جزاء مادي.
- أن يكون لديه القدر الكافي من الثقافة العامة، والمهارات الخاصة في المجال الذي يرغب التطوع فيه.
- أن يكون لديه الاستعداد التام والكامل من أجل أن يعطي من وقته القدر اللازم للعمل التطوعي.
- أن تكون لديه المعرفة التامة بموارد وإمكانات المجتمع الذي يعمل من خلاله.
- أن يكون لديه الوقت الكافي الذي يمكنه من ممارسة نشاطه التطوعي.
- أن يكون في صحة جيدة، ولياقة معقولة، تمكنه من بذل الجهد المطلوب.
- اهتمامه بالمسائل الاجتماعية والقومية في المجتمع الذي يعيش فيه.
- أن يكون من أصحاب السيرة الطيبة، والسمعة الحسنة، من أجل أن يكون مثلاً أعلى وقدوة حسنة لمن يتعامل معه.
المتطوعون: الاختيار والإشراف والإعداد
يمكننا أن نتحدث عن طرق أساسية لاختيار المتطوعين، مثل: المقابلة الشخصية، وملء الاستمارات الخاصة بالتطوع، والتقدم بالمصادر التي يمكن العودة إليها في حالة أي استفسار عن المتطوع، والاختبارات الموضوعية.
وكذلك يمكن مناقشة إعداد المتطوعين، وتدريبهم، والإشراف عليهم، وفي الواقع فقد تناولت الدراسات الحديثة كل هذه الموضوعات من منظور جديد أسمته (إدارة التطوع )، وهي تعني بذلك كل القضايا والموضوعات الخاصة باختيار المتطوعين، وإعدادهم، وتدريبهم، والإشراف عليهم من أجل أن يأتي تطوعهم بثمرته المرجوة.
كما تناولت هذه الدراسات الحديثة أهمية إدارة المتطوع، وعملية التطوع ذاتها، وتدريب وتعليم مشرف المتطوعين، وتخطيط وتقييم أداء المتطوع وما حققه من تقدم في مجاله، وتصميم الوظائف وتوظيف (تعين) المتطوعين، والعلاقات بين موظفي الهيئة والمتطوعين، والإدارة المالية للمتطوعين، والمخاطرة والمسؤولية القانونية… كل ذلك يدرسه الآن علم (إدارة التطوع).
الجودة في القطاع التطوعي
عندما نتكلم عن جودة الخدمات في القطاع التطوعي، نجد أن بعض الباحثين يميل إلى التركيز على الجودة في القطاع التطوعي تحديداً، ولعل ذلك لأن هذا القطاع تحرك نحو مركزية في التزويد بخدمات الرعاية الاجتماعية، والوصول إلى مجتمع الرفاهية، الذي تطمح إليه كل المجتمعات.
وطالما أن هذا القطاع التطوعي يسعى لتحقيق المطالب الجديدة الملقاة على عاتقه، فإنه يتعرض إلى سلسلة من التغيرات الكبرى، وربما تكون التغيرات التي تنصب على علاقة هذا القطاع بالسلطات المحلية تغيرت نتيجة للانفصال الذي حدث بين مشتري أو مستهلك خدمات الرعاية الاجتماعية، وبين المصدر الذي يوفرها.. وهذا موضوع يحتاج إلى تحليل أكثر، لا يتسع المقام له.
بين مفهومين
لابد لنا أن نوضح مفهومين مهمين، هما: (تنظيم الخدمات) و(الجودة)، فعملية تنظيم الخدمات كمسؤولية للحكومات المعاصرة، قضية تؤثر تماماً في كل مظاهر الحكومة، كما أن لهذه المسألة أهمية خاصة بالنسبة للعلاقات بين الحكومة والقطاع التطوعي، فكلما تقدم القطاع التطوعي لتأدية أكثر إيجابية وفاعلية، أصبح إطار تنظيم هذه الخدمات أكثر أهمية وخطورة، وفي رأينا: إن التحول من دولة تقديم الخدمات إلى الدولة المنظمة لهذه الخدمات في السنوات القليلة الماضية، قد أوجد جدول أعمال جديد للسياسة العامة.
كذلك أشارت دراسات حديثة إلى أن كثير من المنظمات التطوعية اهتمت بزيادة تعقيد تنظيم الخدمات، والملاحظ أن أشكال التنظيم ستختلف بالطبع باختلاف الغرض الذي تستهدف إحداثه في إطار التنظيم.
ولعل أهم أغراض التنظيم هي: الأمانة، والاستقامة، والتمسك بالمبادئ والمثل العليا (في إجراءات التكامل المالي)، وحماية جماعات المستهلكين (من تؤدى لهم الخدمات)، والجماعات المعرضة للأخطار، والمشكلات الاجتماعية بجانبيها الوقائي والعلاجي، وجودة الخدمات (مستوى الخدمات).
ويمكن إحداث تنظيم الخدمات من خلال عدة مراحل مختلفة، ففي مرحلة المدخلات ـ على سبيل المثال ـ يجب على السلطة المنظمة أن تتأكد من استيفاء متطلبات دنيا مثل: الاستقرار التمويلي، وتوظيف المهنيين المؤهلين، وتشكيل بناءات إدارية فعالة… وهكذا..
وختاماً: إن التطوع أصبح علماً حديثاً قائماً بذاته، ضمن منظومة الرعاية والتنمية الاجتماعية والبشرية، وعلينا أن نطالع ما كتب فيه حديثاً، ونأخذ منه ما يناسب مجتمعنا، وما يناسب قيمنا وثوابتنا، حتى لا يفوتنا قطار التقدم السريع الذي لحقت به الدول الأخرى.
- باحث في العلوم الاجتماعية / أخصائي اتصال سياسي بمكتب وزير التضامن الاجتماعي.
- حصل على ماجستير، في الخدمة الاجتماعية / قسم تنظيم المجتمع (منظمات المجتمع المدني )، كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان (2013)، وكان عنوان الرسالة: (دور المنظمات الأهلية في مواجهة مشكلة العمل القسري كأحد أنواع الاتجار بالبشر).
- حصل على دبلوم الدراسات العليا في الخدمة الاجتماعية / تخصص تنظيم مجتمع / من كلية الخدمة الاجتماعية / جامعة حلوان، بتقدير (جيد مرتفع) (2010).
- حصل على دبلوم الدراسات العليا في الخدمة الاجتماعية / تخصص قضائي (قضاء اجتماعي ـ تنظيم مجتمع) من كلية الخدمة الاجتماعية، جامعة حلوان، بتقدير (جيد مرتفع) (2009).
- حصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، بتقدير تراكمي (جيد مرتفع)، وتقدير البكالوريوس (جيد جدًا)، المعهد العالي للخدمة الاجتماعية، بنها (2008).
- له عدد من المؤلفات والدراسات والأبحاث والمقالات حول: الدفاع الاجتماعي ـ مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي ـ المشروعات الصغيرة ـ مشكلة البطالة ـ الطفولة ـ المرأة ـ رعاية الشباب ـ أطفال الشوارع ـ الرعاية العمالية ـ التنمية الريفية ـ منظمات المجتمع المدني ـ حقوق الإنسان ـ الخدمة الاجتماعية الطبية والتأهيلية ـ الإدارة العامة وإدارة المؤسسات الاجتماعية، نظم المعلومات الاجتماعية، تم نشرها في مصر وخارجها ـ كذلك شارك المؤلف في العديد من المؤتمرات والملتقيات والندوات المحلية والإقليمية التي تناقش قضايا الدفاع الاجتماعي، التنمية الإدارية، التنمية الاجتماعية، الإدمان والتعاطي، الإدارة المجتمعية وحقوق الإنسان الأسرة والطفولة والمرأة والإصلاح الاجتماعي في الفترة من (2008) إلى الآن.