يحتفظ الطلبة في تلافيف ذاكرتهم بالمئات من معلميهم لكن قلة قليلة من أولئك المعلمين فحسب تظل محفورة في ذاكرة الطلبة لما للمعلمين من مكانة مرموقة في نفوسهم. ترى ما الصفات التي يتحلى بها المعلم المقتدر الذي لا تعافه الذاكرة؟ لماذا يحفز بعض المعلمين طلبتهم على العمل الدؤوب أكثر بكثير من غيرهم فيما يدفع معلمون اخرون الطلبة للتهرب من المدرسة؟ لماذا يتعلم الطلبة أكثر من بعض المعلمين قياسا بآخرين؟ إن المزايا الجوهرية التي تميز المعلمين الأفذاذ عن غيرهم هي: المعرفة ومهارات توصيل المعلومات والاهتمام بالمادة المنهجية واحترام الطلبة.
تجربة
أود ان أطلعكم على تجربة جربتها أنا شخصيا في عدد من الصفوف الدراسية التي درستها. ربما تشعرون بالدهشة لما تمخضت عنه تلك التجربة من نتائج: أطلب من أحد الصفوف التي تدرّسها أن يهيء الطلبة ورقة يدونوا عليها أهم الصفات التي تميز المعلم الناجح وأكد عليهم أيضا بأن يحددوا السمات التي استرعت أنتباههم في أفضل المعلمين الذين درسوهم من قبل. أعط الطلبة وقتا كاف للتفكير (5-10 دقائق) ليبدأوا بعدها بتسجيل ملاحظاتهم ودعهم يعطونك اجاباتهم دون الحاجة إلى ذكر الأسماء أن رغبوا في ذلك. أن إجابات الطلبة لابد أن ترفدك أنت المعلم بباقة من الأفكار المتنوعة التي يمكن حصرها في صنفين محددين هما: مجموعة من الصفات الجوهرية التي يشخصها الطلبة في معلميهم المقتدرين ؛ ومجموعة من المهارات المحددة التي يطورها المعلمون المقتدرون أنفسهم.
المعرفة
لاحظت أن الطلبة يكادون يجمعون على أن سعة معرفة المعلم وعمق اطلاعه بالموضوع الذي يدرسه يأتي في أولوية السمات الأساسية، فعلى المعلم المثابر أن يكون خبيرا في اختصاصه. وتغدو مثل هذه السمة متطلبا جوهريا هاما للأستاذ الجامعي على وجه الخصوص.
ايصال الأفكار للطلبة
الصفة الهامة الثانية التي لابد أن يتحلى بها المعلم المتميز هي القدرة على أيصال معرفته وخبراته إلى الطلبة، فربما تكون من أفضل الخبراء المتمرسين في موضوع اختصاصك لكن ما جدوى محاضراتك أن أنت ألقيتها باللغة اللاتينية على سبيل المثال؟ وما مدى المعرفة التي يتلقاها طلبتك عندئذ؟ في هذا السياق هناك اعتقاد خاطئ في الوسط الجامعي مفاده أن التمكّن المعرفي لموضوع الاختصاص هو كل ما يحتاجه الأستاذ الجامعي القدير وما على الطلبة سوى تدوين أهم ملاحظات أستاذهم بصرف النظر عن طريقة طرح المادة العلمية وضمان استيعاب الطلبة لها. وربما يصح مثل هذا الأمر في الدراسات العليا فحسب لكنه لا يصح مطلقا في الدراسات الجامعية الأولية. ولاشك أن مهمة الأستاذ الجامعي تتمحور في الأساس في تقصي المعرفة العلمية المتقدمة ومن ثم وضعها في متناول أيدي طلبته وضمان استيعابهم وفهمهم لها، ففهم الكيفية التي تعمل بموجبها القنابل النووية شيء وفهم طبيعة القنابل النووية شيء آخر مختلف تماما.
وفي حين يستطيع المعلم القدير أن يبسّط الموضوع الذي يدرسه لطلبته بحيث يستوعبونه بشكل لا لبس فيه فإن المعلم غير المقتدر يجعل من الموضوع ذاته مادة عصية على الفهم والأدراك لكون مثل هذا المعلم لا يكرس سوى وقت محدود للغاية ويبذل أدنى جهد في تحضير المادة التي يدرسها بحيث تغدو في النهاية مربكة للطلبة ومرتبكة في طرحها إلى حد كبير. أضف إلى ذلك يعمد المعلم المقتدر إلى بذل كل ما في وسعه لإيجاد وسائل مبتكرة وإيصال حتى الأفكار المعقدة إلى طلبته والتأكد من أنهم يطلعون على الأفكار الجديدة ويفهمونها جيدا.
أود هنا أن أورد القول المأثور (أعطني سمكة وسوف أتناول طعام يوم كامل لكن علّمني صيد السمك وسوف أضمن طعامي طيلة عمري). هذه في الواقع هي فلسفة المعلم المتمكن فأنت تسطيع أن تعطي طلبتك الإجابة الأمر الذي يعينهم على حل مسألة محددة، غير أن اطلاع الطلبة على الأساليب التي يحتاجونها للتوصل إلى الإجابة بأنفسهم سوف يفسح المجال أمامهم للاتكال على أنفسهم في التعاطي مع المشاكل التي تواجههم.
أبدأ الاهتمام
إضافة إلى التمكن والاطلاع الواسع على المادة الدراسية يتعين على المعلم المقتدر في المرحلة التالية أن يبدي اهتماما وولعا بالمادة التي يدرسها ومنها إشاعة جو تحفيزي وشائق داخل قاعة الدرس ويجعله ذي صلة بالطلبة فالمعرفة تفقد بريقها أن هي قدمت للطلبة بصيغة تعيق الفهم. ثم أن الجهود التي يبذلها المعلمون تذهب سدى أذا أبدى الطلبة لامبالاة وعدم اكتراث بالمادة الدراسية أو لا يرى أولئك الطلبة أية جدوى في تعلّم تلك المادة الدراسية. أذن المعلمون المقتدرون يدركون مثل هذا الأمر ويعملون جاهدين لجعل مادتهم ذات صلة بما يطرحونه في قاعة الدرس. وفي حين يعمل المعلمون الفاشلون على جعل المادة (ذات صلة) من خلال تهديد الطلبة بالرسوب في الامتحانات فإن المعلمين الناجحين يعملون على خلق الدافعية لدى الطلبة في التعلّم من خلال إشاعة جو مشجّع وشائق داخل قاعة الدرس.
ومثل هذه الأمور تضفي على البحث العلمي أهمية قصوى في الجامعات فالبحث يجعل الأفكار التي تطرح في قاعة الدرس مثيرة للاهتمام ومهمة لكل من المعلم والأستاذ الجامعي فضلا عن الطلبة فإذا لم يبدي المعلم اهتماما بما يدرسه ترى كيف يمكن أن نتوقع من الطلبة إيلاء الاهتمام المطلوب؟!
الاحترام
إضافة إلى الصفات الهامة التي ذكرتها آنفا يبدي المعلمون المتميزون اهتماما واحتراما كبيرين لطلبتهم. هنا نقول: لماذا يصرف المعلم الكثير من الوقت ويبذل الجهد بهدف بلورة صف دراسي ذي مواصفات عالية؟ أن خلق صف دراسي متميز يقتضي بذل مساع وجهود مضنية، فلا يتعين على المعلم أن يقدم، وبكل بساطة، شروحات مباشرة ويطرح أمثلة ويقوم بتجارب لصفه دون أعداد مسبق. وينطبق الأجراء ذاته على أجراء الاختبارات وكذلك الواجبات البيتية المناسبة ذات المواصفات العالية، كما لا ينبغي العمل على أدخال مواد جديدة أو أجراء البحوث المتعلقة بالعملية التعليمية بعد تهيئة لا تتعدى ساعات الصباح! هذا الأمر يعني أن على المعلم أن يعمل بجد ومثابرة طيلة الوقت وعليه أيضا أن يمضي وقتا مع طلبته ليطلع عن كثب على أية ثغرات تتعلق بفهمهم للمادة الدراسية، وعليه أيضا ان يواظب على القراءة والكتابة ويبدع سعيا وراء خلق صف دراسي يجتذب الطلبة ويشحذ اهتماماتهم يوميا. ولاشك ان احترام الطلبة وابداء الاهتمام بهم داخل قاعة الدرس يمثل الشيء الوحيد الذي يدفعك لتحقيق مثل هذا الأمر.
خلاصة
حين تسعى جاهدا لتكون معلما ناجحا وتعمل على خلق صف دراسي متميز فلابد من توفر المزايا الأربعة الأساسية وهي: سعة المعرفة والقدرة على نقل تلك المعرفة إلى الطلبة والعمل على جعل المادة الدراسية ممتعة ولها صلة بتوجهات الطلبة فضلا عن التعامل بكل احترام وتقدير معهم. ولا يمكن لنا أن نتوقع تعليما ذا جدوى أن نحن افتقرنا إلى الصفات الأربع تلك.
بقلم: مارشال برين Marshall Brain
المصدر:
www.bygpub.com/eot/eot1.htm
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.