طفل مشوه كلمة إن سمعتها أشفقت منها وإن رأيت صاحبها فالمنظر رهيب، وما خلف هذه الكلمة يكمن فيروس أعطانا الله سر الوقاية منه ولكنه ما زال يرتع هنا وهناك تاركاً بصماته الشنيعة على البراعم البريئة.
ما هي الحصبة الألمانية؟
بادئ ذي بدء أقول إنها ليست الحصبة التي نعرفها، وإنما هي مرض شائع في الطفولة ويتميز بأعراض بسيطة وبطفح على الجلد وتدعى أحياناً حصبة الثلاثة أيام، وقد تسمى بالوردية الوافدة.
ما الذي يسببها؟
إنه فيروس مثواه الوحيد هو الإنسان، وينتقل بالرذاذ المتناثر من الفم كما ينتقل عبر المشيمة، كان سابقاً يكثر عند الأطفال، أما الآن فإنه أكثر عند الشباب. إن الأضداد المقاومة له والقادمة من الأم تحمي الطفل حتى عمر 6 أشهر، ويكثر الفيروس في فصلي الشتاء والربيع.
ما هي مظاهر هذا المرض؟
بعد أسبوعين أو أكثر من التعرض للفيروس تظهر أعراض كالزكام ومن ثم تتضخم العقد اللمفاوية بشدة، كما يظهر طفح يشبه طفح الحصبة، وقد ترتفع الحرارة، كما قد يتضخم الطحال، وتلتهب المفاصل عند النساء الشابات، وقد يحدث ألم في خصي الذكور، وقد تلتهب الأعصاب والدماغ.
هل تؤدي الإصابة للمناعة؟
نعم وهي مناعة دائمة عادة.
هل هذا المرض معدٍ؟
نعم، لا بل شديد العدوى بالنسبة للشخص غير الملقح أو غير المصاب سابقاً، إن الأولاد المصابين هم مصدر شديد العدوى لمن حولهم.
هل الإصابة ثانية بالداء واردة؟
نعم ولكن بنسبة قليلة.
ماذا عن الجنين؟
هذا هو الموضوع الأهم. لقد أدى التلقيح لامتلاك 90% من الناس مناعة ضد المرض، ولسوء الحظ لا تزال تحدث جائحات بين الفينة والأخرى، وخصوصاً عند الشباب والمراهقين. إن 50% من الحوامل المصابات لا تظهر عليهن أية أعراض، ولكن الفيروس بعد أن ينتشر بدم الأم يغزو المشيمة وينتقل للجنين. وتختلف نسبة إصابة الجنين ما بين 25% إلى 90% من الحالات حيث تكثر الإصابات في الأشهر الأولى من الحمل.
قد تؤدي إصابة الجنين للإجهاض، أو أن الجنين قد يولد ميتاً (مليصاً)، وقد تحدث تشوهات خلقية تختلف نسبتها باختلاف سن الحمل وتتراوح ما بين 10 ـ 30%. إن الوليد المصاب يبقى يطرح الفيروس من جسمه لأشهر وسنوات. إن هذا الفيروس يؤدي لمشاكل تشمل كل الجسم بأجهزته وخلاياه، فهو يؤدي لنقص النمو وبسببه يلتهب القلب والرئة والدماغ والكبد والأوعية الدموية والغدة الدرقية. إنه يؤدي للصمم ولداء السكري ولإصابات عصبية وللإعاقة الذهنية والاضطرابات النفسية. الكبد والطحال يتضخمان ويحدث فقر الدم ونقص المناعة ويرتفع ضغط الدم كما يحدث صغر في الرأس وشذوذ في الأسنان والعين والعظام وتحدث فتحات في القلب. والوفيات ليست قليلة.
ما هو علاج هذا المرض؟
إنه علاج الأعراض والاختلاطات ليس إلا.
هل هناك سبل للوقاية؟
نعم فهناك الوقاية الدوائية التي قد نحتاج لها في حالة الحوامل غير الممنعات واللواتي تعرضن للإصابة. أما الوقاية الأساسية فهي باللقاح الذي يعطى لمرة واحدة وذلك مع لقاحين غيره تحت اسم MMR ويخلف مناعة مدى الحياة عند 98% من الملقحين. المرض بسيط عند الأطفال ولكن حق الأجنة علينا يوجب التلقيح الشامل. ومن الضروري التأكد أن الفتاة لديها المناعة الكافية قبل أن تحمل. في الولايات المتحدة يتم التلقيح ما بين عمر 15 شهراً وسن البلوغ لكل من الذكور والإناث، ولكل الإناث غير الحوامل ما بعد البلوغ. أما في بريطانيا فيتم تلقيح الأطفال مرة ثانية عند دخولهم المدرسة بـ MMR وريثما يتم ذلك فإن الانجليز يلقحون أطفالهم ثانية في عمر 5 ـ 16 سنة، ويجب أن نذكر أن الحامل لا تلقح ويجب عدم الحمل لمدة 3 أشهر بعد التطعيم.
من غير الحامل لا يجوز تلقيحها؟
هناك المصابون بنقص المناعة لأي سبب كان، وكذلك الذين يعانون من مرض حموي شديد والذين يتحسسون من اللقاح، كل هؤلاء لا يجوز تلقيحهم.
إذا تعرضت الحامل للمرض فماذا تفعل؟
يستشار الطبيب فوراً فالقضية جدية تماماً.
في الختام أقول إن ما ذكرناه جدير بأن يجعلنا نحث الخطى باتجاه أن يشمل التلقيح الجميع ونتخلص من هذا الداء الوبيل بإذن الله. الحصبة الألمانية مخيفة حقاً، ولكن الوقاية منها سهلة ومتاحة للجميع والحمد لله.
من مواليد صماخ ـ حماة في سورية عام .1965
حائز على شهادة الطب البشري MBBCH، وعلى شهادة الماجستير MA في طب الأطفال من جامعة دمشق، وعلى شهادة البورد العربي (الدكتوراه Ph) في طب الأطفال من المجلس العربي للإختصاصات الطبية، وعلى الزمالة البريطانية في طب الأطفال AMRCPCH من لندن.
يتمتع بعضوية العديد من الهيئات والجمعيات العلمية والطبية والمهنية والإنسانية العالمية.
حاضر في العشرات من المؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية والطبية والأدبية في العديد من البلدان، وساهم بتقديم دورات تدريبية للأطباء.
له العشرات من الكتب والأبحاث والدراسات والمؤلفات والقصص.
حاز على براءة اختراع لتصميمه تقنية جديدة تمكن الشخص الأعمى من استخدام الحاسوب (الكمبيوتر) وما يتبعه من نظم.
نال العديد (15) من الجوائز وشهادات التقدير والشكر والثناء من جهات رسمية ومهنية وعلمية وطبية عديدة.
له أكثر من (1200) مقالة منشورة في أكثر من ستين من المجلات والصحف والدوريات في الدول العربية والدول الأوروبية، بالإضافة إلى مئات المقالات على العشرات من مواقع الإنترنت.
له سبق في مجال إدخال خدمات الطب عبر الإنترنت إلى المنطقة العربية.
عمل سابقاً كمدير لأحد مراكز الأبحاث.
يعمل حالياً كاستشاري في طب الأطفال وحديثي الولادة وأمراض الوراثة عند الأطفال في مجمع الأسد الطبي في مدينة حماة.