إذا كنت تسلك الشارع نفسه الذي تقطعه كلّ يوم في ذهابك للعمل، وتفضّل الجلوس في مقهى معيّن، وتركن إلى الزاوية نفسها التي اعتدت عليها، وتمارس عاداتك اليوميّة التي دأبت عليها، منذ سنوات، وتنزعج، إذا ما اقتضت الضرورة في المكتب، أن تنتقل إلى مكتب آخر، ولا تفكّر بتبديل عملك، رغم إنّه لا يلبّي احتياجاتك، وطموحاتك، إذا كانت اجاباتك بـ (نعم)، فأنت تقيم في (منطقة الراحة)، وهي منطقة تشعرك بالأمان، وتجعل جسدك (مبرمجاً)، فتمضي حياتك مثل قطار يضع أقدامه على سكّة يوميّة، بمنجى من دائرة الخطر، مجنّبا نفسك الدخول في مغامرة، فتريح ذهنك من التفكير، ولكنّ حياتك تمضي على وتيرة واحدة، يغلّفها الضجر، والملل، كشعور تلك الصديقة التي تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، كما كشفت لي في رسالة وصلتني منها، ورغم أنّها تعيش حياة مستقرّة، ناجحة مهنيّاً، وتعيش مع زوجها، وأولادها بهدوء، وتدرّس في احدى كبريات الجامعات العالميّة، وتعيش ظروفاً، كان التفكير فيها جزءاً من أحلام يقظة، لكنّ الشعور بالملل، اليوم، لا يفارقها، فهي تقول في رسالتها: (رغم أنّ الحياة رخيّة مستقرة، أولادي يكبرون، وتختلف شخصياتهم في جو صحّي، ولكنها لا تضيف لي شيئاً… أشعر كأني أراوح في مكاني)!
لم أستغرب ما ورد في رسالة هذه الصديقة التي وجدت نفسها مقيمة في (منطقة الراحة)، وهي بالنسبة لها منطقة خطر، فالشعور بالضجر هو نتيجة جانبيّة، لكلّ من يقيم في هذه المنطقة، فليست هي، كما يظنّ البعض، قطعة من النعيم، إلّا لمن يحبّ العيش بعيداً عن براكين الحياة، ممن يصدق به قول الشاعر أبوالقاسم الشابي:
ومن يتهيّب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فيعيش حياة رتيبة مثل (نصيب) الشاب الذي يعمل في بمحطّة تعبئة بترول، السعيد بعمله، الراضي بالراتب الذي يتقاضاه، وهو راتب يكاد يسدّ معظم احتياجاته الحياتيّة، لذا لم يفكّر بتغيير عمله، ونمط حياته، كما روى د. عامر الروّاس في جلسة حواريّة عقدها مجلس (ميثاق) ببنك مسقط (الأسبوع الأخير من يناير 2016)، وظلّ (نصيب) على هذا المنوال ثمانية أعوام، ليس لحبّه لهذا العمل، ولا لأنّ العمل مجز، بدليل إنّه انتقل بعد ذلك إلى محطّة أخرى عرضت عليه راتباً أعلى، بل لأنّه وجد نفسه يقبع في (منطقة الراحة)، ورغم شعوره بالأمان، لكنّ حياته لم تتقدّم إلى الأمام، ولم يتعلّم مهارات جديدة، فمنطقة الراحة هي منطقة أمان، لذا تغري صاحبها بالركون إليها، فلا ضغوطات نفسيّة يتعرّض لها حين يقدم على عمل جديد، ولا يخامره أدنى خوف من الفشل، متجنّباً دخول منطقة خطر، وفي هذا يقول برنادشو: (الفرق بين الرجل العاقل، والرجل غير العاقل أن الرجل العاقل يتأقلم مع المحيط الذي يعيش ضمنه، بينما غير العاقل، فهو الذي يريد للمحيط أن يسير وفق ما يراه مناسبا، لذلك فالتغيير الذي حصل في العالم جاء على أيدي رجال غير عقلاء)، وقريباً من هذا القول تندرج مقولة مفادها (الهادئون يجلسون في أماكنهم، والمتحركون يغيّرون العالم)، ولهذا يشعر أصحاب الطموح بالضجر، والرتابة، حين يطيلون المكوث في تلك المنطقة، وكما هو واضح من رسالة تلك الصديقة، فيتوقون إلى مغادرتها، وهذه تحتاج إلى إرادة، وتخطيط، واعتلاء مركب الخطر.
وللخروج من هذه المنطقة ينبغي توفّر إرادة قويّة، ورغبة حقيقيّة بتغيير نمط الحياة، ولابدّ من الاطّلاع على التجارب الناجحة لجعلها قدوة، وقبل كلّ ذلك ينبغي وضع هدف بعيد، وهذا ما يفعله أفراد قبيلة من الهنود الحمر، كما ذكر د. عامر الروّاس، في الجلسة نفسها، إذ يمضي كلّ فرد من أفرادها أسبوعاً في خلوة يحدّد خلالها هدفه، ثمّ يغيّر اسمه بما يتناسب مع الهدف الذي رسمه لنفسه، فإذا كان قد اختار أن يكون طيّارا يصبح اسمه (يطير فوق السحاب)، فهذا الاسم يجعل الهدف يقف نصب عينيه، فيسعى لتحقيقه، لأنّ الأهداف الكبرى تحتاج إلى سعي لبلوغها، وجهد، ومداومة، وهذه تجعل من شاب كـ (نصيب) يقتنع بنصيبه من الحياة، فالعمل الذي مارسه، وضعه في منطقة راحة، لكنّ تلك المنطقة هي منطقة خطر بالنسبة للصديقة صاحبة الرسالة.
مواليد بغداد 10 أبريل 1961
بكالوريوس آداب لغة عربية من جامعة بغداد 1986
عمل في الصحافة الثقافية وفي التعليم الثانوي
شارك في عدة مهرجانات شعرية من بينها: مهرجان المربد، ملتقى الفينيق، مهرجان بغداد المسرحي، المهرجان العالمي الثامن لمسرح المضطهدين 1997 في تورنتو من خلال نص مسرحيته (آه أيتها العاصفة) للمخرج كريم جثير، مهرجان المسرح الخليجي السابع في الدوحة، مهرجان الدوحة الأول.
الأعمال:
- إلحاقاً بالموت السابق بغداد 1986
- حداداً على ما تبقى بغداد 1993
- موجز الأخطاء جنيف 1999
- أصابع فاطمة
- جنائز معلقة مسقط 2000
- شمال مدار السرطان دار ألواح بمدريد 2001
- قميص مترع بالغيوم (تحت الطبع)
- كواكب المجموعة الشخصية، القاهرة 2004
- وطن جميل (للأطفال) بغداد 1985
- نجمة الليالي (للأطفال) بغداد 1987
- أمير البيان (إشراف وتقديم) مسقط 2000
- غدا تخرج الحرب للنزهة ـ اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين – صنعاء 2004
- خذ الحكمة من سيدوري -منشورات بابل دمشق 2006
- كأسك يا سقراط (مسرحية شعرية) عرضت في أيام
- الشارقة المسرحية اخراج محمد شيخ زبير 2004 نشرت في دراسات
- مسرحية ـ تونس ع 10 في 1999
- آه أيتها العاصفة (مسرحية) عرضت في صنعاء وتورنتوبكندا صيف 1996 وشتاء 1997 إخراج الفنان كريم جثير، وفي مهرجان المسرح الكويتي للشباب اخراج سلطان خسروه 2004
- البهلوان (مسرحية) عرضت في هولندا ربيع 1997 إخراج الفنان رسول الصغير
- ضجة في منزل باردي (مسرحية)
- الصعاليك يصطادون النجوم (مسرحية)
- ذات صباح معتم (مسرحية)
- حلم في فنجان (مسرحية)