كثير منا يصنف ممارسة الرياضة على أنها نوع من أنواع الترف، غير أن فوائدها على الصحة الجسدية والنفسية للإنسان لا يمكن حصرها في ذلك، خاصة حين يتعلق الأمر بالأشخاص من ذوي الإعاقة الذين أفقدتهم إعاقتهم الطاقة الجسدية والنفسية والمعنوية والقدرة على الإندماج المجتمعي وحقهم في الإنتماء والمشاركة كغيرهم من أفراد المجتمع غير المعاقين، لذلك أثبت العلم والخبراء المختصين في المجال أن ممارسة الرياضة تعد من أهم وأنجح الخطوات لإعادة الأمل ومعنى الحياة إلى فئة ذوي الإعاقة، فمن خلالها يثبت الشخص المعاق لنفسه ولأسرته وللمجتمع عامة أنه قادر وإعاقته لا يمكنها أن تكون سببا لتحقيق طموحه في الحياة.
وتساعد ممارسة المعاقين للرياضة على اكتساب الثقة في أنفسهم وتخلق لديهم مقومات الإرادة والعزيمة كما تشكل لهم هدفا يستطيعون من خلاله تجاوز المصاعب وتحدي الضغوطات والإرتقاء إلى أفضل المستويات وتحقيق نتائج وإنجازات تستحق الاعتراف بوجودهم كعنصر وطني له كامل الحقوق في الإنتماء والمشاركة المجتمعية.
سعادة ماجد العصيمي عضو مجلس دبي الرياضي أمين سر اتحاد الإمارات لرياضة المعاقين والذي يعد من أبرز النماذج في عالم رياضة المعاقين يقول: “لقد أخرجتني الرياضة من حاجز نفسي كبير ولاسيما عند تحقيقي لأول ميدالية لي في بريطانيا حيث عززت من ثقتي بنفسي وساهمت بشكل كبير في كسر حواجز الإعاقة لدي، وأصبحت أكثر أملا وإصرارا على رفع راية الدولة في الخارج والمطالبة بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، وذلك من خلال استخدامنا للرياضة كبوابة للوصول إلى تلك الحقوق”.
ومهما استطاع الرياضيون المعاقون تحدي إعاقاتهم والانتصار عليها من خلال ممارسة الرياضة والبروز فيها، إلا أن العوائق الاجتماعية تعد التحدي الأكبر بالنسبة لهم، وفي هذه المسألة يقول العصيمي: “بفضل الله وبفضل أصحاب السمو الشيوخ وثقتهم ودعمهم، وجدنا الرياضة بوابة لإثبات الذات ولإيصال رسالة للناس وللمسؤولين بأننا نستطيع أن نكون سفراء لبلدنا وأن نمارس الرياضة وأن ننافس ونحقق إنجازات عالمية.. ولكن حين تحقق هذا الإنجاز كان هناك الكثير من النواقص في المجتمع، فالبيئة المؤهلة هي إحدى الأشياء الأساسية لأي فرد للتنقل، سواء معاق أو غير معاق ولا شك بأن العمل يجري حالياً على تذليل العوائق، ما يتيح للشباب والشابات من ذوي الإعاقة أن يمارسوا دورهم ونشاطهم في المجتمع”.
الأسرة والمجتمع… المحرك الأساسي في دعم رياضة المعاقين
وحتى يتجه المعاقين نحو بوابة الرياضة، كان لابد من وجود من يؤمن بأهميتها ويقوم بتشجيعهم على ممارستها، فنظرة المجتمع القاصرة والأفكار الخاطئة اتجاه هؤلاء المعاقين تشكل السبب الرئيسي في رفض هذه المبادرات، غير أن الوعي الحضاري يدعو إلى تحفيز وتشجيع الأشخاص من ذوي الإعاقة لخوض التجربة وكسر لديهم حواجز الخجل والعزلة والتضامن معهم ومساندتهم لإثبات قدراتهم ومهاراتهم التي تفوق أحيانا غير المعاقين.
والأسرة باعتبارها الأهم بالنسبة لكل فرد منا لها دور تشجيعي فعال وإلزامي منذ البداية مع المتابعة الغير محدوة، وأيضا مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الأندية الرياضية لها دور مهم في استقطاب الأفراد من ذوي الإعاقة وتحفيزهم على الانضمام للأندية الرياضية بوسائل متعددة.
ويقوم اتحاد الإمارات لرياضة المعاقين بدور بارز في تشجيع المعاقين على ممارسة الرياضة والالتحاق بالأندية والمراكز التدريبية الخاصة بهم، ويؤكد العصيمي قائلا:” إن انتشار الأندية في خمس إمارات يغطي مساحة مقنعة نوعا ما، وهي كلها مجهزة بمرافق وبأجهزة إدارية وفنية ذات كفاءة عالية، مع مدربون محترفون في كل هذه الأندية وهي إحدى الوسائل التي نشجع من خلالها الأهالي الذين لديهم أطفال معاقون لأن يضموهم إلى واحد من هذه الأندية، إضافة إلى مراكز تأهيل المعاقين التي تبلغ حوالي أكثر من 20 مركزا مابين حكومي وخاص”.
إنجازات مشرّفة للأبطال الرياضيين من ذوي الإعاقة
تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل دائم في الأنشطة الرياضية العالمية لذوي الإعاقة، التي حقق فيها الرياضيون الإماراتيون نتائج مشرفة، يقول العصيمي عن ذلك:”تشرفت برئاسة بعثة الإمارات لرياضة المعاقين في العديد من المحافل العالمية والأولمبية، وكان لي شرف كبير بأن أكون ضمن هذه الوفود، وما لاحظته أنّ الأبطال المعاقين كانوا ينتظرون الفرصة وكانوا يتشوقون لأن يكونوا مساهمين في رفع علم الإمارات في محفل رياضي أو أولمبي في مختلف دول العالم”.
ويضيف: “في محفل دولي فيه حوالي 100 ألف متفرج، رفع السلام الوطني الإماراتي، وفوجئنا أنّ بعض لاعبينا الذين لم يكن لديهم ما يشير إلى أنّهم سيكونون بين الثلاثة الأوائل، وقفوا على منصّة التتويج.. وكان ذلك نابعاً من رغبة من الداخل وحبّ للوطن، وإرادة يثبتون فيها للناس أنّ المعاقين لا يقلون عن غيرهم، وأنّ علم دولة الإمارات العربية المتحدة غالٍ عليهم.. وحين يعزف السلام الوطني يشعر المقعد أنه يسير والمكفوف بأنه مبصر، والأصم كأنه يسمع.. لأن العلم للجميع.. والوطن للجميع”..
ومن جهته أكد سعادة طارق سلطان بن خادم رئيس مجلس إدارة نادي الثقة للمعاقين، أن الرياضة تساهم بشكل كبير في تفجير طاقات وقدرات ذوي الإعاقة وتسهل دمجهم المجتمعي وتكسر لديهم الحاجز النفسي والخوف من الظهور في الحياة الإجتماعية، وأضاف أن جذب المعاق نحو النادي الرياضي تعد من أكبر الصعوبات التي تواجه الإدارة ويعود ذلك لعدة أسباب منها عدم توعية أولياء الأمور بقدرات أبنائهم المعاقين وإحساسهم بالخجل وقال:” عندما ينضم العضو للنادي يتم التعرف على جميع جوانب حياته الشخصية والإجتماعية والنفسية من خلال أخصائيين ثم نبدأ بتوجيه العضو للرياضة ويتحول النادي إلى بيته الثاني ومع الممارسة يشعر المعاق بأنه شخص فعال ويكتشف قدراته الخاصة ويبدأ رحلته مع النجاح والإندماج المجتمعي”.
الإحتراف في رياضة المعاقين أساس للإنطلاق نحو العالمية
وعن نادي الثقة للمعاقين أوضح بن خادم أن النادي يقدم جميع خدماته المجانية لأعضائه من ذوي الإعاقة وتتنوع الأنشطة لتشمل الألعاب الجماعية مثل كرة القدم للإعاقة السمعية وكرة السلة للكراسي المتحركة والألعاب الفردية مثل السباحة والرماية ورفع الأثقال وألعاب القوى وكرة الطاولة والريشة الطائرة، ويسعى نادي الثقة للمعاقين من خلال أبطاله للإنطلاق نحو العالمية من خلال توفير الكوادر الفنية على أعلى المستويات وتوفير معسكرات أوروبية والمشاركة في البطولات الدولية.
وقال عن واقع رياضة المعاقين في دولة الإمارات:” إن رياضة المعاقين تحولت من مجرد رياضات علاجية وترفيهية إلى رياضة تنافسية وراءها منظومة عمل واسعة بحيث أصبح الإحتراف ضرورة ملحة للرياضيين من ذوي الإعاقة وأصبح تفرغ اللاعبين أساسا من أجل الوصول إلى العالمية والإمارات تسير نحو إنجاح تطبيق تجربة الإحتراف المطبقة في مل الدول المتقدمة في رياضة المعاقين”.
الرياضيون المعاقون قدوة لأسرهم وفخر لمجتمعهم ووطنهم الغالي
وعن أهمية دور الإعلام في المجال الرياضي يؤكد الخبراء على أنه أحد أهم الوسائل في إبراز الأبطال، لافتين إلى أن رياضات ذوي الإعاقة ما زالت تحتاج للمزيد من الاهتمام الإعلامي في الوطن العربي، وضرورة استثمار الطاقات الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام، للتوعية بطبيعة رياضة المعاقين، بنفس القدر الذي يهتم فيه برياضات غير المعاقين التي تستحوذ على الاهتمام الأكبر من وسائل الإعلام.
وقد أثبت الأشخاص من ذوي الإعاقة أنهم أهل للثقة من خلال مشاركتهم الفعالة في مختلف مجالات الحياة، ويبقى الأمل في تفعيل التوصيات التي تساهم في دعم مسيرة رياضة المعاقين وتذليل كافة التحديات التي تواجههم والسعي إلى تفعيل دمجهم الرياضي والمجتمعي لتحقيق مساواة ومستقبل يرضيهم ويرضي أسرهم وكافة المجتمع وتعزيز مكانة الرياضيين المعاقين وحضورهم في المنافسات الدولية لتحقيق الإنجازات الرياضية وصناعة الأبطال ليكونوا قدوة لأسرهم وفخر لمجتمعهم ووطنهم الغالي.