تعد الأسرة عماد المجتمع البشري وأساس الاستقرار الأسري للإنسان، قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).
أصبح البعض الآن يتداول لفظ الطلاق الصامت ولكن الكثير من الأشخاص لا يعرفون ما هو؟ ومدى تأثيره على تربية الأبناء.
يعني الانفصال بين الزوجين رغم أنهما ما زالا أزواجاً، فالزواج لا يعني الحياة في منزل واحد فقط بل يعني المشاركة في كل تفاصيل الحياة، وهو يعد نهاية غير رسمية للعلاقة الزوجية حيث يظل عقد الزواج سارياً أمام الجميع لكنه انفصال حقيقي داخل المنزل، مما يؤدي لوجود حالة من الجفاف العاطفي والانفصال الوجداني بين الزوجين، يعيش كلٌ منهما وليس له أي علاقة بالآخر، ويمكن أن يمثل حياة مزيّفة بين الطرفين للحفاظ على الشكل العام أمام المجتمع، وأيضاً من أجل الأولاد فقط، مما يؤدي للدخول في حالة نفسية يشعر فيها أحد الزوجين أو كليهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر.
مظاهر الطلاق الصامت بين الزوجين:
- تتلاشى كلمات الحب والمودة، أصبح لا وجود للعاطفة في قاموسهما، تتبدل المودة والرحمة جفاء وقسوة.
- التزام الزوجين بالصمت الدائم، لا وجود للنقاش بينهم، وإن وُجد يصبح ذا طاقة سلبية.
- فقد الشغف بالآخر، وتحوّل نظرات الحب والرحمة والمودة إلى نظرات لوم وعتاب وألم.
- انعدام الغيرة بين الطرفين.
- ضعف العلاقة الحميمة بين الطرفين.
- انعدام الرغبة الحقيقية في التواجد معاً.
- الشروع في ارتكاب بعض التجاوزات والخلافات غير المسموحة من قبل الطرفين.
أسباب انتشار الطلاق الصامت:
- عدم التوافق الذهني والثقافي والاجتماعي بين الزوجين من بداية الزواج، مما قد يحدث عدم تكيّف أحد الأطراف مع الآخر لاختلاف ثقافته وبيئته أو اختلاف سنّه أو تعليمه، وأيضاً الاختلاف في الطموح والهوايات والقناعات.
- التعنّت والأنانية، كل منهما يريد كل شيء لنفسه، لا يدركان أنه كما لهما حقوق عليهما واجبات، مع مرور الزمن تتولَّد ردة فعل عكسية تدعو إلى التمرُّد والنفور كل منها من الآخر.
- تراكم المشاكل وغياب الكلمة الحسنة، تأجيل حلول المشاكل أو عدم الوصول إلى حل من الأساس في وقتها وتركها تتفاقم، وإلقاء أعباء المنزل والأبناء على الزوجة.
- تدخل أهل الزوجين أو الأقرباء بشكل زائد عن الحد فينتج عنه مزيد من المشكلات، والذي ينتج عنه مزيد من التوتر في العلاقة، وصعوبة رجوع الحال كما كان.
- الضغوطات المادية والحياتية، سواء كان بسبب غلاء المعيشة وعدم استطاعة الزوج سدّ احتياجات الأسرة، أو بسبب الانشغال بتعليم وتربية الأولاد والعمل وغيرهم.
- التقييد، أحياناً يشعر طرف ما أنه مقيد ومسلوبة منه حريّته في تحقيق أحلامه أو غيرها من الأمور التي يتطلع إليها، مما يشعر أن الزواج ما هو إلا قيود تقيّد حريته التي كان يحلم بها قبل الزواج.
- الرهبة من شبح الطلاق، خوفهم من الطلاق الحقيقي ونظرة المجتمع والناس إلى الرجل المطلق والمرأة المطلقة خاصة إذا كان هناك أولاد، ما يؤدى إلى ميلهم للطلاق الصامت.
- الخرس الزوجي، كل طرف متمسك برأيه، لا يوجد أي نوع من الحوار بينهما، فالزوج لا يحب أن يسمع المشاكل التي تمر بها زوجته، والمرأة بالتالي تتعمد الصمت لعدم خلق المشاكل، وأيضا الرجل يلتزم الصمت ولا يبوح بما يمر به في العمل أو الشارع أو الأسرة أو غيره، لأنه يرى أن لا حق لها في ذلك، فينعدم الحوار أكثر.
تأثير الطلاق الصامت على الزوجين:
الطلاق الصامت يتسبب في الكثير من الأزمات النفسية للزوجين وهذا يتسبب في ظهور الكثير من المشكلات:
- يفتقد الزوجان العاطفة والمشاعر التي تجعلهما سعيدين وبهذا يفتقدان الإحساس بالاستقرار والآمن.
- يتسبب الطلاق الصامت في أن أحد الطرفين يقدم على تصرفات غير مقبولة.
- الطلاق الصامت يجعل الزوجين يشعران بالكثير من الحزن والألم وينتج عنه الكثير من الأمراض الجسمانية.
تأثير الطلاق الصامت على الأبناء:
هذا المحيط المليء بالتوتر بين الزوجين والحرب الباردة بينهما يؤثر بالطبع على حياة الأبناء في أمور متعددة لهذا لابد من معرفة مدى تأثير هذا الطلاق عليهم وهو كالآتي:
- تبلد المشاعر عند الأطفال، فهم يعيشون في جو غير أُسري لا يحث على المشاعر الكريمة كالحب والمودة والرحمة. وقد يشعر الأبناء بالسخط على والديهما، وتكوين مشاعر عدوانية تجاههما.
- عدم وجود القدوة في المنزل، وبالتالي من الممكن للابن أن يبحث عنها في البيئة الخارجية وهذا غير آمن، فالاختيار الخاطئ للقدوة قد يؤدي إلى كارثة حقيقية.
- من الممكن أن يكره الأبناء الزواج فيما بعد من كثرة ما رأوه وعايشوه في حياتهم مع الطلاق الصامت.
- اضطراب الشخصية وانحراف سلوك الأبناء رغبة في التمرد على صمت الوالدين، والجو الأسري غير الداعم، والذي له التأثير السلبي على مواهب الطفل وحياته التعليمية والعملية.
- يقوم الطفل بعمل مقارنات مستمرة بين أسرته المتفككة والحياة الأسريَّة التي يعيشها باقي الأطفال ما يولد لديه الشعور بالإحباط أو قد يكسبه اتجاهاً عدوانياً تجاه الجميع وبالأخص الأقران.
- قد تحدث حالات التسرب من التعليم للأبناء أو هروبهم من المنزل وهذا يتبعه الضياع الكامل للأبناء.
- قد تنمو داخل أحد الأبناء مشاعر استغلالية للوالدين يعقبها ابتزاز يكون من أبرز صفاته في حياته بعد ذلك.
- قد يتعرض الأبناء لأمراض نفسجسدية كتبعات المحيط المليء بالتوتر بين الوالدين.
كيفية التغلب على الطلاق الصامت:
يعد تفهم الوالدين لأسباب الطلاق الصامت وعلاج تلك الأسباب من أهم عوامل نجاح العلاقة بين الزوجين، وأن يكونان على دراية كافية بمدى تأثير هذا الطلاق على سلوكيات الأطفال ونفسياتهم وتعرضهم للعديد من المشكلات النفسية والجسمانية التي قد تصل إلى حد الإعاقات وحدوث جرائم ومشكلات خطيرة. ولابد أن ينسى كل طرف منهما سلبيات الآخر من أجل الأطفال فيعم التغيير والاهتمام والتغاضي عن الأخطاء والمشكلات وأي عواقب مادية أو نفسية. والحرص على ما يلي:
- الاعتراف بوجود مشكلة وتعد هذه أهم خطوة في العلاج، التحدث والحوار في هذه الأمر.
- من الضروري أن تكون هناك علاقة صداقة بين الزوجين لكي يتم تكوين علاقة زوجية ناجحة.
- يجب أن يتفاهم الزوجان ويتناقشا في مشاكلهما بعيداً عن الأطفال ويتجنبا وضعهم كطرف أو الأخذ بشهادتهم في مشكلة ما، وأن يحرصا على إظهار روح التعاون والمودة أمام الأبناء.
- يجب أن يتعلم الزوجان كيفية المصارحة بدواخلهما، والتعبير عن مشاعرهما السلبية والإيجابية، وعدم الاستسلام للصمت.
- يجب أن يعطي كل طرف فرصة الحديث للطرف الآخر، تفريغ شحناته الداخلية من الأمور المهمة في نجاح أي علاقة، وعلى الطرف الآخر امتصاص هذه الشحنات بصبر وحب.
- لابد أن يتقبل كل من الزوجين اختلاف الآخر مع محاولة كل طرف في تغيير تلك الاختلافات والمستوى الثقافي الفكري للتقارب بينهما.
- التصالح مع النفس ومع الغير فكل شخص يدرك عيوبه ومميزات، وأيضاً عيوب ومميزات شريك حياته فالرضا من أهم أسباب نجاح العلاقات.
- محاولة التجديد وكسر الروتين والتحلي بالمرونة والبساطة وتجنب ما يكرهه الطرف الآخر والوصول إلى نقاط مشتركة.
- لابد أن يحرص الوالدان على المشاركة في حل مشاكل الأبناء والاهتمام بهم.
- لابد أن يهتم الوالدان بالمناسبات التي تجمع الأسرة مع توفير روح المحبة والمرح في تلك المناسبات لأن هذا الأمر ينعكس على نفسية الطفل.
- الاهتمام بالخروج للمتنزهات بالأطفال مع توفير الترفيه والسعادة مع الوالدين.
- من المفيد الحصول على المساعدة من خبراء العلاقات الزوجية، ممن لديهم خبرة مهنية في هذا المجال.
كيفية الوقاية من الطلاق الصامت:
- يجب التعود من بداية الزواج على الصراحة والاتفاق على حل كل المشاكل في وقتها حتى لا تتراكم.
- معرفة كل طرف بحقوقه وواجباته تجاه الطرف الآخر.
- إدراك الطرفين جيداً أن الزواج عملية مشتركة، ولنجاح هذه العملية يجب أن يساعد كل منهما الآخر في ذلك وعدم الاتكال على الآخر.
- التوفيق في اختيار شريك الحياة بما يناسب ثقافتك وعمرك وطموحاتك.
- حسن الخلق في التعامل بين الزوجين وصبر كل منهما على الآخر في مقابل ما له من أخلاق وصفات طيبة أخرى.
- رعاية الجوانب النفسية في كون كل واحد من الزوجين لباساً وسكناً ومودة ورحمة، وأنهما من نفس واحدة، والنظر من كليها للآخر نظرة تقدير واحترام ومساواة.
- تنمية ثقافة الحوار والتشاور لحل جميع المشاكل فيما بين الزوجين.
ولاء أحمد علي
[email protected]
اختصاصي نفسي في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية (من يناير 2017 حتى الآن).
اختصاصي نفسي بمركز الغد لذوي الإعاقة بعجمان ـ دولة الإمارات العربية المتحدة 2016.
اختصاصي نفسي بمؤسسة كواكب الأطفال لذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم منذ 2012.
اختصاصي نفسي بمركز بذور الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة.
اختصاصي نفسي بجمعية الرعاية المتكاملة بحلوان تحت رعاية منظمة اليونسكو.
عضوة برابطة الأخصائيين النفسيين.
عضوة بجمعية أصدقاء الموهوبين لذوي الاحتياجات الخاصة.
عضوة بالجمعية المصرية للمعالجين النفسين.
حاصلة على ليسانس آداب، قسم علم نفس بتقدير عام جيد، كلية البنات للعلوم والآداب والتربية، جامعة عين شمس 2000.
حاصلة على تمهيدي ماجستير في الآداب قسم علم نفس جامعة عين شمس بتقدير عام جيد.
حاصلة على دبلومة مهنية في التربية الخاصة بتقدير جيد جداً.
حاصلة على الماجستير من كلية الآداب بتقدير امتياز.
حاصلة على الدكتوراه في كلية البنات للآداب، جامعة عين شـمس بتقدير مرتبة الشرف الأولى.
حاصلة على شهادة مدرب معتمد من هيئة المعارف والتنمية البشرية في دبي.
لها بحث نشر بعنوان: (الأطفال المتأخرون لغوياً والعاديون، دراسة فارقة في ضوء مقياس ستانفورد بينية للذكاء ـ الصورة الخامسة) في مجلة كلية البنات للآداب جامعة عين شمس 2016.