خفض السعرات الحرارية المستهلكة والتركيز على تغيير عادات الأكل واتباع أساليب ضبط المثير وتدريب الوالدين على استخدام تعديل السلوك وزيادة النشاط الرياضي وملاحظة الفروق الفردية بين الأطفال من الوسائل الهامة لمعالجة مشكلة البدانة
البدانة في مرحلة الطفولة مشكلة هامة آخذة بالازدياد في المجتمعات الغربية. فقد أظهرت دراسات عديدة أن حوالي 5 إلى ?30 من الأطفال يمكن اعتبارهم بدينين اعتماداً على المعايير المستخدمة لتعريف البدانة. وهذه التعريفات تشير في العادة إلى زيادة في الوزن تتراوح بين 10 و?30 بالنسبة للطول والعمر. والاستنتاج بأن البدانة ازدادت بشكل ملحوظ في العقدين الماضيين يكتسب أهمية خاصة لأن البدانة في الطفولة ترتبط بمشكلات صحية وانفعالية عديدة. فثمة دراسات عديدة تربط البدانة بمشكلات صحية مختلفة مثل ارتفاع نسبة الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، واضطراب جهاز الغدد الصماء والاضطرابات العظمية. علاوة على ذلك، فإن عواقب نفسية قد تنجم عن البدانة بما في ذلك الاستجابات السلبية من قبل الأقران وانخفاض مفهوم الذات.
تتزايد درجة الاهتمام بالبدانة في مرحلة الطفولة عندما ندرك أنها إذا تركت دون معالجة فهي ظاهرة غير مؤقتة بل هي قابلة للاستمرار في مرحلة الرشد. فالأطفال البدينون لديهم قابلية ليصبحوا مراهقين بدينين وبالتالي راشدين بدينين. والدراسات ذات العلاقة تبين أن هذه العلاقة الارتباطية قوية جداً حيث أن 75 ـ %80 من الأطفال البدينين من أعمار 9 ـ 13 سنة يصبحون بدينين في سنوات الرشد. وهكذا يتضح أن لبرامج معالجة البدانة لدى الأطفال مبررات حقيقية. على أن العلاقة بالنسبة للبدانة في مرحلة الرضاعة ليست بنفس المستوى من القوة إذ أن الغالبية (حوالي80) % من الأطفال الرضع البــدينين لا يصبحون بدينــين في مراحل الطـفولة اللاحــقة.
إن البدانة قد تعود لعوامل عديدة وراثية وفيزيولوجية وبيئية وسلوكية. ومهما كانت العوامل المسببة للبدانة لدى أي شخص فالمشكلة الرئيسية تتمثل في عدم التوازن بين السعرات الحرارية المستهلكة والطاقة المبذولة الأمر الذي ينجم عنه خزن المواد الدهنية في خلايا الجسم. وإذا استمرت هذه الحالة مدة طويلة، فإن كمية الأنسجة الدهنية تزداد.
ولذلك فإن أساليب العلاج السلوكي للبدانة تركز في العادة على طرق خفض السعرات الحرارية المستهلكة وزيادة الطاقة المبذولة من خلال التمارين الرياضية، إلا أن معظم الدراسات المنشورة تتضمن استخدام رزم علاجية متعددة العناصر على أمل أن ينجح أحد العناصر في تحقيق الأهداف. وبوجه عام، فقد أخفقت الدراسات السابقة في تحديد العوامل المسببة للبدانة لدى الأطفال على مستوى فردي بغية تصميم البرامج العلاجية الفعالة على ضوء البيانات التي تم جمعها، ولابد من تذكر هذا العامل عند البحث في الدلالة العيادية للتغيرات في الوزن التي يشير إليها الأدب.
محتوى البرامج وطرق القياس
تنزع برامج العلاج السلوكي في العادة إلى التركيز على طرق خفض السعرات الحرارية المستهلكة. أما الاهتمام بأساليب زيادة النشاطات الرياضية للأطفال فلم يظهر إلا حديثاً. ومن أكثر أساليب خفض السعرات الحرارية استخداماً التثقيف الغذائي، ومتابعة الطفل أو والديه لكمية السعرات الحرارية أو لأنواع الأغذية المتناولة. واجراءات زيادة مستوى النشاط الرياضي، واجراءات ضبط المثير (مثل تناول الطعام في مكان محدد وفي أوقات محددة وعدم تأدية أية نشاطات أثناء تناول الطعام).
وتتفاوت الدراسات من حيث تأكيدها على مشاركة الوالدين والمعززات المادية، والطرق المعرفية وتدريب الوالدين على أساليب تعديل السلوك واستخدام الجلسات العلاجية بهدف تعزيز أثر العلاج. ومثل هذا التباين في محتويات البرامج العلاجية يحد من إمكانية اجراء المقارنات بين الدراسات ويفرض قيوداً على الاستنتاجات التي يمكن التوصل إليها. وعلى أية حال، فهناك عدد كاف من البحوث لتلخيص الفاعلية الكلية لطرق العلاج السلوكي ولتحديد بعض الأساليب التي تعزز فوائد المعالجة.
وقبل الخوض في مناقشة نتائج الدراسات، يجب التأكيد على المشكلات في قياس البدانة لدى الأطفال. الدراسات الأولى كانت تعتمد مقدار الإنخفاض في الوزن كأداة كشف عن البدانة لدى الأطفال. ومن الواضح أن هذه الطريقة غير كافية حيث أنها لا تأخذ بالحسبان حقيقة أن الأطفال يتطورون مع مرور الوقت وأن وزنهم يزداد. وهذا أدى إلى استخدام الرسومات البيانية التي توضح النسب المئوية للزيادة في الوزن ليتم تحديد الوزن المثالي للطفل على ضوء الطول والعمر لمعرفة نتائج العلاج في معظم الدراسات الحديثة.
فاعلية البرامج الحديثة
من الأمور العامة التي تحظى بالقبول حالياً أن البدانة لدى الأطفال تبقى على ما هي عليه لدى الغالبية العظمى من الحالات إذا لم تتم معالجتها. إن الحجم الحقيقي للمتغيرات في وزن الجسم يتباين من دراسة إلى أخرى وليس من شك في أن ذلك يرتبط بخصائص الأفراد الذين تتم معالجتهم وبالأساليب العلاجية المستخدمة، وبوجه عام، فإن النتائج التي تمخضت عنها الدراسات ليست مذهلة حيث أن معدل نسبة انخفاض الوزن يتراوح بين 4 إلى 8 من الوزن الزائد كما يشير إلى ذلك معظم الدراسات. وعندما نتذكر أن الأطفال يكون لديهم زيادة في الوزن تتراوح بين 20 إلى 50 قبل المعالجة فإنه يتضح بجلاء أن أثر العلاج ليس هائلاً إذ أن البدانة تبقى موجودة لدى معظم الأطفال على الرغم من أن التحسن الذي يحدثه العلاج يكون ذا دلالة احصائية. وعندما تتم متابعة أثر العلاج على المدى الطويل فإن الأثر يكون ضعيفاً أيضاً بل إن بعض الدراسات تبين أن الوزن يعود إلى ما كان عليه قبل المعالجة، والبعض الآخر يظهر أثراً محدوداً جداً للعلاج.
ولما كانت الدراسات توضح أن الفوائد العلاجية غالباً ما تكون صغيرة فمن المهم مراجعة الأدب للتعرف على إسهامات العناصر المختلفة في البرامج السلوكية، فذلك قد يزودنا بمؤشرات عن الطرائق العلاجية التي تستطيع زيادة فاعلية البرامج المستخدمة من جهة وتعميم أثر العلاج والمحافظة على استمراريته من جهة أخرى.
إن معظم البرامج تتضمن شكلاً أو آخر من ضبط الغذاء كوسيلة لخفض كمية السعرات الحرارية المستهلكة. واستخدام الغذاء ذي السعرات الحرارية المنخفضة بمفرده تبين أنه محدود الفاعلية. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه المحاولات قد تعرضت للانتقاد لأنها تهتم بخفض كمية السعرات الحرارية ولا تركز على تغيير عادات الأكل. ومن الواضح أن أي غذاء يتم اقتراحه للطفل يجب أن يهدف إلى تعليم الأطفال عادات الأكل الصحية طويلة المدى ويجب أن يتجنب التأثيرات الصحية السلبية المحتملة التي قد تنجم عن التغذية غير المناسبة. وهذا أدى إلى تطوير برامج تثقيف غذائي للأطفال لا تتضمن أكثر من 1000 إلى 2000 سعر حراري يومياً، ومع ذلك فهي توفر غذاء صحياً ومتوازناً. وقد استخدم هذا الأسلوب بشكل واسع ولكن ليس بمفرده وإنما ضمن برامج سلوكية متعددة العناصر.
طريقة أخرى لخفض السعرات الحرارية هي استخدام ضبط المثير والضبط الذاتي، في الضبط الذاتي غالباً ما تستخدم أساليب المتابعة الذاتية للسعرات الحرارية وأنواع الغذاء المستهلكة والنشاطات الرياضية المبذولة على الرغم من أن فاعلية هذه الطريقة في خفض الوزن ما زالت بحاجة إلى مزيد من البحث، أما أساليب ضبط المثير فقد حظيت باهتمام كبير وقد اتضح أنها تؤدي إلى إنخفاض كبير في الوزن، وفي الواقع فإن هذه الطريقة تحدث تحسناً طويل المدى في حين أن الريجيم الغذائي بمفرده أو الريجيم الغذائي والمكافأة معاً قد فشلا في تحقيق ذلك.
إلا أن ذلك لا يعني أن التعزيز عديم الأثر حيث بينت بعض الدراسات أن مكافأة انخفاض الوزن قد تعمل على تحقيق الأهداف العلاجية بنجاح، ولذلك فلا غرابة في أن تبين الدراسات أن تدريب الوالدين على استخدام أساليب تعديل السلوك غالباً ما يزيد من فاعلية العلاج، وقد حظيت مشاركة الآباء في معالجة البدانة لدى الأطفال باهتمام كبير، فالوالدان يلعبان دوراً مهماً في تطور البدانة واستمراريتها لدى الطفل حيث أنهما يتحملان مسؤولية ابتياع المواد الغذائية ويؤثران على العادات الغذائية والنشاطات الرياضية للطفل.
أما طرق زيادة مستوى النشاط الرياضي للطفل فلم تحظ باهتمام كبير في أدب العلاج السلوكي على الرغم من أن معظم البرامج تحاول بشكل أو بآخر زيادة مستوى النشاط، فالنشاط الرياضي قد يلعب دوراً مهماً في التغلب على عدم التوازن السلبي في الطاقة وإنه لمثير للإهتمام حقاً أن دراسات قليلة حاولت تقييم فوائد البرامج الرياضية المختلفة.
التوجهات المستقبلية
لما كانت برامج العلاج السلوكي ذات فائدة في معالجة البدانة ليس على المدى القصير فقط وإنما على المدى الطويل أيضاً فمن المهم تفعيل أثر هذه البرامج، فثمة حاجة إلى دراسات لمعرفة أثر بعض العوامل على فاعلية العلاج، ومن هذه العوامل عدد الجلسات العلاجية وتوزيعها واستخدام الجلسات الداعمة، وبالمثل فلابد من إجراء الدراسات للتعرف على خصائص الأطفال الذين لديهم قابلية الإستفادة من البرامج العلاجية المحددة، فذلك سيسمح بتكييف العلاج وفقاً للحاجات الفردية لكل طفل.
كذلك ينبغي دراسة مدى عدم امتثال الأطفال للتعليمات التي تقدمها برامج العلاج السلوكي، إنه لأمر مثير للاهتمام أن يتم البحث عن مدى تغيير الأطفال للعادات الغذائية والرياضية نتيجة للعلاج ومدى تأثير الإلتزام بشروط العلاج على النتائج فمن المنطق إفتراض أن البرامج التي تغير العادات الغذائية والرياضية ستكون أكثر فاعلية من البرامج التي لا تغير تلك العادات.
وإلى أن تجرى البحوث التي تهدف إلى تطوير طرق علاجية فعالة تستطيع تحقيق تحسن ملحوظ في الوزن، يجب ألا نغفل عن حقيقة أن معظم برامج العلاج السلوكي التي طورت فيما مضى تحقق فوائد محدودة فقط من حيث الدلالة العيادية وعلى أية حال، فذلك يعكس إخفاق معظم البرامج في إجراء تقييم فردي لمحددات البدانة بالنسبة لكل طفل على حدة وتنفيذ البرنامج العلاجي على ضوء ذلك التقييم.
أستاذ التربية الخاصة في قسم الإرشاد والتربية الخاصة، كلية العلوم التربوية/الجامعة الأردنية. حصل على البكالوريوس من الجامعة الأردنية (1976) ، والماجستير من جامعة ولاية متشيغان (1982)، والدكتوراه من جامعة ولاية اهايو (1982). عمل نائباً لعميد كلية الدراسات العليا، ورئيساً لقسم الارشاد والتربية الخاصة، ومستشاراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية.
له أكثر من عشرين كتابا في التربية الخاصة وتعديل السلوك منها: المدخل إلى التربية الخاصة، وتعديل السلوك الإنساني، ومناهج وأساليب التدريس في التربية الخاصة، ومقدمة في الإعاقة العقلية، ومقدمة في تأهيل الأشخاص المعوقين، ومقدمة في الإعاقات الجسمية والصحية، واستراتيجيات تعليم الطلبة ذوي الحاجات الخاصة في المدارس العادية، ومقدمة في التدخل المبكر. ونشر أكثر من خمسين بحثاً في مجلات عربية وأجنبية محكمة.
شارك في أكثر من 100 دورة تدريبية، ومؤتمر علمي، وندوة. وأشرف على أكثر من ستين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه في التربية الخاصة، وقام بتدريس أكثر من 40 مادة في التربية الخاصة على مستوى البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. وقدّم عدداً كبيراً من الاستشارات في التربية الخاصة على المستوى المحلي والعربي.
وشارك في عضوية العديد من اللجان والمجالس العلمية والمنظمات المحلية والدولية مثل: المجلس الأمريكي للأطفال ذوي الحاجات الخاصة، والأكاديمية الأمركية لاختصاصيي التربية الخاصة، ومجلس البحث العلمي في الجامعة الأردنية، والمجلس الوطني للأشخاص المعوقين، وهيئة تحرير مجلة دراسات، ومجلسي أمناء جامعة عمان الأهلية وجامعة الحسين بن طلال، ولجنة ترجمة الفكر العالمي في الجامعة الأردنية.
حصل على الجوائز العلمية التالية: جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان للعلوم الانسانية (1993)، وجائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم (1994)، وجائزة جمعية الأطفال المعاقين للبحث العلمي في التربية الخاصة، السعودية، (1998)، وجائزة وزارة التعليم العالي للباحث المتميز في العلوم الإنسانية (2005)، وجائزة خليفة التربوية في مجال التعليم العالي على مستوى الوطن العربي (2010)، وجائزة جامعة فيلادلفيا لأفضل كتاب مؤلف (2010).