إن مستقبل الإنسانية مهدد بشكل عام بسبب تزايد وانتشار الفقر، فبسببه تتعثر الكثير من مسيرات وخطط التنمية وتتزايد أيضاً بسببه الهوة بين الأغنياء والفقراء، مما يؤدي إلى زوال أحلام الشعوب والدول في الوصول إلى مستوى إنساني أفضل تتوافر فيه الحياة الكريمة للأفراد خاصة فيما يتعلق منها بالاحتياجات الأساسية مثل التعليم والصحة والمأكل والمشرب، ويؤثر اختفاء امكانية تحقيق آمال الشعوب في التنمية وصعوبة كفاية الحاجات الضرورية للأفراد بشكل مباشر على الجهود المبذولة من أجل مسيرة التنمية والتقدم في العالم أجمع.
إن الفقر ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب، فليس الفقر نقصاً في الدخل فحسب، أو حتى ندرة في فرص العمل، ولكنه أيضاً تهميش لطبقة من المجتمع وحرمان للفقراء من المشاركة في صنع القرار وإبعادهم عن الوصول إلى الخدمات الاجتماعية.
وربما نجد الفقر مقترناً بإحباط لآمال أجيال بأسرها وبإحلال ثقافة الفقر.
يقول د. اسماعيل سراج الدين في كتاب (الفقر والأزمة الاقتصادية): إن ثمة ارتباط وثيق بين قضايا الفقر والجوع والأمن الغذائي والبيئة والتنمية الزراعية، فالواضح أن الجوع مرتبط بالفقر المدقع، والأمن الغذائي ليس قضية توافر الغذاء فحسب، ولكنه قضية توافر الامكانات المادية التي تسمح للفقراء أن يقتنوا الغذاء.
من هم الفقراء إذن؟..
بيّنت الدراسات أن الغالبية العظمى من أفقر الفقراء هم من سكان الريف، وإن كان عدد الفقراء في المدن في تزايد مضطرد، ومن بين سكان الريف، فإن الغالبية من الأكثر فقراً هم من سكان المناطق الصعبة بيئياً للزراعة.
حقيقة الأمر، فإن هجرة السكان، رغم كل ما نسمعه عنها، ما زالت ظاهرة محدودة بالنسبة للفقراء المعدمين، وكثيراً ما يكون ذلك لأسباب عرقية، وليس لأسباب اقتصادية.
ولذلك رأى العديد من الخبراء أن الوصول للفقراء في الريف هو من أهم القضايا لمكافحة الفقر المدقع ولحماية الأمن الغذائي الوطني.
بل من المهم أن نتذكر أن تطوير الريف مؤداه خفض سعر الغذاء مع ارتفاع دخل الفلاحين، وإن خفض سعر الغذاء من أهم الوسائل المناسبة لمساعدة فقراء المدن.
إن قضية الفقر في العالم تتشابك مع قضايا كثيرة معاصرة، وكلها تتعلق بقضايا التنمية والأوضاع المختلفة لها، وخاصة قضايا الاصلاح الاقتصادي التي تؤدي إلى مزيد من الفقر للفقراء أو إلى مزيد من التنمية والرخاء.
وقضية الفقر تعتبر قضية محرجة ومؤسفة تنتشر وتتزايد في كثير من الدول في عالمنا اليوم وبطريقة مخيفة ومضطردة.
فالفقر الذي ينتشر في عالمنا اليوم بشكل مخيف لا يقل في حدته عن أخطار أخرى يواجهها العالم مثل أخطار انفجارات الأسلحة النووية.
كما أنه يشكل تحدياً أخلاقياً للإنسانية، إذ بسببه تتزايد مظاهر العنف والذي يتزايد مع تزايد أعداد الفقراء في العالم، ومع تزايد النمو غير المتساوي بين الدول وما ينجم عنه من احباطات اجتماعية واقتصادية يعاني منها مباشرة الفقراء في معظم الدول الفقيرة.
يقول د. محسن يوسف في كتاب (الفقر والأزمة الاقتصادية): إن قضية الفقر وما لها من تراكم اجتماعي وثقافي واقتصادي وحضاري لا تؤثر فقط على الدول الفقيرة وشعوبها التي تعاني من مستويات مختلفة ومتباينة، ولكنها تؤثر وتنتشر في معظم الدول في العالم مما يؤثر على مستقبل الإنسانية بشكل عام، وكذا معظم الدول.
لذا ازدادت حدة مشكلة الفقر إذ لاحظنا أن انتشارها لا يتوقف في تفشيها في الدول الفقيرة ولكنه يتزايد أيضاً في الدول المتقدمة والغنية، حيث نجد حسب الاحصاءات الأمريكية شخصاً واحداً من بين كل سبعة أمريكيين يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وخاصة بين الأمريكيين السود، مما أدى إلى ازدياد ظواهر مخيفة ومخزية مثل انتشار العنف والجريمة والتشرد والبطالة وزيادة التناسل بين الطبقات الفقيرة، والتي تضغط كلها مباشرة على امكانيات الدول في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يشكل تحقيق توفير الاحتياجات الأساسية للفقراء في البلدان النامية تحدياً كبيراً وخاصة في البلاد التي لا يزال الجوع ووفاة الرضع منتشرين فيها بسبب قلة الموارد أو سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية.
منذ فترة طويلة، كان النقاش يدور بين الخبراء المتخصصين حول ما إذا كان الفقر سبباً أو نتيجة للنمو السكاني! وعلى الرغم من وجود علاقة قوية بين الفقر وسرعة تزايد معدلات النمو السكاني، إلا أن الدراسات لم تستطع تقديم دليل على أن النمو السكاني هو سبب الفقر، وإنما أكدت على تعقد العلاقة بينهما.
ورغم انتشار الفقر في جميع أنحاء العالم والذي يتزايد يوماً بعد يوم في جميع البلاد بما فيها الدول المتقدمة إلا أن تزايده وانتشاره أصبح أمراً مخيفاً في مناطق معينة من العالم مثل بعض الدول الافريقية، بحيث أصبحت مشكلة الفقر تؤثر بشكل ملحوظ على استنزاف المصادر المتنوعة والمتوافرة في هذه البلاد سواء منها المصادر البشرية أو المادية أو البيئية.
ويؤثر ذلك على الدول التي تعاني من قضية الفقر كما يؤثر على الدول الأخرى والتي لا تعاني بنفس الدرجة من هذه القضية المفزعة، مما يجعل من قضية الفقر مشكلة عالمية لا تتوقف آثارها على الدول التي تعاني منها مباشرة، ولكنها تنتشر لتشمل أجزاء أخرى من العالم.
إن انتباه العالم في محاولاته لاحتواء مشكلة الفقر يرجع إلى بداية الخمسينات من هذا القرن حيث شرعت الكثير من دول العالم في وضع برامج وخطط للتنمية تعتمد على ما توافر للبشرية من إنجازات علمية وتقدم تقني.
ومع تطور الانتباه العالمي لاحتواء مشكلة الفقر بدأت المؤسسات الدولية والدول المانحة برامجها للمساعدات في هذا المجال.
وحدث تحول أكبر خلال الفترة الأخيرة، حيث ركّز البنك الدولي للإنشاء والتعمير جهوداً أكبر للمساعدة في التقليل من حدة الفقر في العالم من خلال برامج القروض.
وبصفة عامة، فإن أي تقدم في تخفيض أعداد الفقراء يتوقف على نجاح الاصلاحات الاقتصادية بالإضافة إلى تشجيع ازدياد استخدام القدرة على العمل والتي تشكل أكبر مورد متوفر لدى الفئات الفقيرة.
وتشير جميع الدلائل إلى أن المنظمات غير الحكومية يتعاظم دورها بحيث أصبح يمثل أهمية كبيرة في مجالات التنمية ورفع الظلم عن الفقراء.
ختاماً أقول: إن التصدي لمشكلة الفقر يحتاج لرؤية مستقبلية واسعة مصحوبة بعمل دؤوب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
فهل آن أوان ذلك؟
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مكان الميلاد: الرياض
تاريخ الميلاد: 1385هـ
المؤهلات العلمية:
الماجستير: ماجستير اقتصاد إسلامي عام 1413هـ.
الدبلوم العالي: دبلوم عالي اقتصاد اسلامي عام 1414هـ.
الدكتوراه: دكتوراة اقتصاد اسلامي عام 1419هـ.
التاريخ الوظيفي:
مدرس مواد تجارية: الثانوية التجارية بالرياض 1/2/1408هـ.
معيد: كلية الشريعة بالرياض 30/6/1408هـ.
محاضر: كلية الشريعة بالرياض 29/12/1413هـ.<
محاضر: عمادة البحث العلمي بالرياض 1/4/1416هـ.
محاضر: كلية العلوم الاجتماعية بالرياض 1/6/1418هـ.
عضو هيئة التدريس: عمادة المركز الجامعي لخدمة المجتمع بالرياض 1/11/1421هـ.
مستشار اقتصادي: معهد البحوث والخدمات الاستشارية بالرياض 15/7/1423هـ.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات والملتقيات وورش العمل
عضو في عدد من الجمعيات العلمية العربية والأجنبية
عضو في عدد من اللجان العلمية
أشرف على عدد من الرسائل العلمية
كاتب متطوع في مجلة المنال
صدر له كتابان في سلسلة كتاب المنال، العاشر؛ مشكلات العصر والإعاقة والسادس عشر؛ رؤى فكرية لقضايا عصرية.