تحظى وسائل الإعلام بأهمية بالغة في وقتنا الحاضر، فقد جاء تطورها الكبير مصاحباً لما يشهده المجتمع من تطورات متسارعة في مختلف نواحي الحياة فضلاً عن التقدم التكنولوجي الهائل وتعاظم دخل الفرد ومستوى المعيشة بشكل عام، ناهيك عن انحسار بعض الصيغ التقليدية للهيمنة والسلطة.
تحول وسائل الإعلام من النخبة إلى عامة الناس
هناك ثمة ارتباط وثيق بين تطور وسائل الإعلام والتغيّر الاجتماعي رغم أن درجة مثل هذا الارتباط ووجهته ما تزالان موضع نقاش متواصل في أعقاب سنوات طويلة من الدراسات والبحوث ذات الصلة بتأثير وسائل الإعلام.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من النتائج، بجانبيها الصالح والطالح التي ارتبطت بوسائل الإعلام، تعزى، في الواقع، إلى توجهات ونزعات أخرى داخل المجتمع.
وحظيت مسألة تأثير وسائل الإعلام على المجتمع وتركيبته الثقافية باهتمام الكثير من المنظّرين البارزين، وشاركهم الحوار أيضا أولئك الذين يرتبطون بوسائل الاعلام بشكل من الأشكال. ولا يختلف اثنان على تأثير وسائل الإعلام، غير أن مثل هذا التأثير ينجم عن صيغ مختلفة ودقيقة.
التأثير على المجتمع والأفراد
تشير جين روت Jane Root في كتابها الموسوم (افتح الصندوق Open the Box)، الذي يهدف إلى بيان ما تتمتع به وسائل الإعلام من إمكانيات وتأثير، تقول جين روت: (لوسائل الإعلام دور في تحديد طريقة تفكيرنا… إنها تعمل على إعطاء صورة مفصلة عن ذواتنا). وإذا أردنا تبيّن مدى تأثير وسائل الإعلام فإن علينا أن نشخص مثل هذا التأثير ونحدده وفق فهمنا وعلاقة ذلك بالمجتمع وتأثيره الشامل.
وينظر إلى وسائل الإعلام اليوم باعتبارها صرحا هاما في المجتمع يرتبط، في الغالب، بمفهوم التأثير الاجتماعي. والمجتمع يفهم هذه الفكرة أو المفهوم المؤثر باعتبار وسائل الإعلام (قوة خارجية) ترتبط بالنشاط الشخصي للمتلقي أو بوجهة نظره (John Corner, 2000: 378).
إن قوى التأثير، التي توصف باعتبارها قوة أساسية في إطار تأثيرات وسائل الإعلام، هي تلك القوى التي ينظر إليها باعتبارها ظرفية وموجّهة والتي يمكن أن نضعها في إطار ما أو نموذج ما مثل (الاستعمالات ومصادر السرور uses and gratifications).
نموذج الاستعمالات ومصادر السرور
تعتبر نظرية الاستعمالات ومصادر الرضا والسرور بمثابة نموذج نظامي يستخدم على نطاق واسع في دراسات العلوم الاجتماعية المهتمة بتأثير وسائل الإعلام في مجالات مثل السلوك والموقف الحياتية والمعتقدات. وقد ذهب كل من بلومر وكاتز Blummer and Kats, (1974) إلى أن تلبية احتياجات الجمهور تقع ضمن الرغبات التالية:
- التحول Diversion: وهو شكل من أشكال الهروب أو التحرر العاطفي من الضغوط اليومية.
- العلاقات الشخصية: وتعني الرفقة من خلال الشخصيات التلفزيونية وحب التواصل مع الآخرين عبر النقاشات مع الآخرين حول التلفزيون.
- الهوية الشخصية: المقدرة على مقارنة حياة الإنسان مع الشخصيات والموقف التي تحويها البرامج وبالتالي استكشاف المشاكل ووجهات النظر الشخصية.
من هنا لابد من دراسة وجهة النظر التي تؤمن أن وسائل الإعلام تمثل قوة مهيمنة تؤثر على الناس لكونها تروق لرغباتهم واحتياجاتهم بالمقارنة مع فكرة أن (المرء حر فيما يفعل)، بمعنى أن الجمهور المتلقي لوسائل الإعلام بمقدوره التصدي للتوجهات الرامية للتحكم به من خلال خياراته التي يلجأ إليها، فأي فرد يستطيع ببساطة الإحجام عن مشاهدة برنامج ما أو عدم قراءة هذه الصحيفة أو تلك. والفرد ذاته هو الذي يقوم بتجديد واختيار ما يقرأ أو يشاهد، وأن مثل هذا الاختيار يدعم وجهات النظر والميول التي يؤمن بها.
في الختام نطرح السؤال الآتي: ما مدى تأثيرنا على العالم من حولنا وما الانطباعات التي نمتلكها حيال ذلك؟ وما أوجه النفع أو الضرر في ذلك؟
بقلم: جي ديراكون Jay Deragon
المصدر
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.