(بدأ المجتمع المسلم خطواته نحو دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، ولكن ما زال أمامه الكثير)
محمد يوسف
نشأ محمد يوسف في قريةٍ ريفية بالقرب من مدينة حيدر آباد في الهند، وعند بلوغه سن العامين والنصف، اُصيب بشلل الأطفال الذي أدى للحد من حركته بشكل شبه تام، وبعد خضوعه للعلاج المتواصل لفترات طويلة، انحصرت الإعاقة في رجليه.
عبّر أصدقاء والديه عن حالته، حيث أخبروا والديه أن ليس بمقدور ابنكم ممارسة حياته بشكل طبيعي، فهو لم يلتحق بالمدرسة طيلة السنوات الماضية، فلذلك ليس هناك بصيص أمل بان يتعايش ابنكم مع المجتمع بشكل طبيعي، ما بمقدوره فعله فقط، هو التنقل زحفاً في الأماكن المجاورة، وذلك بمساعدة الأشخاص من حوله.
سعى والداه لإيجاد حلول لحالته ومساعدته، فوفرا له مشدات للساق، وكان هذه باعثاً للسخرية والتهكم من بعض الناس من حوله ولسان حالهم يقول: كيف بوسع هذه المشلول أن يتحسن للأفضل؟ وبحسبان أن الحالة ميؤوس منها كيف لمشلول مثل هذا أن يعالج؟ كل ما بوسعه هو أن يزحف متنقلاً من مكان إلى آخر.
في إحدى المرات وعند حضور جدته لزيارتهم، يحكي محمد الذي بلغ سن الثانية عشرة من عمره، عن تلك الواقعة فيقول: عندما حضرت جدتي لزيارتنا لاحظت شيئاً ما بداخلي، فخاطبت والدي قائلة له: سأصطحب محمد معي إلى منزلي وأقدم له ما يلزم من الرعاية المطلوبة.
اصطحبت الجدة معها محمداً إلى حيدر اباد، واستأجرت له مساعداً شخصياً ليقوم برعايته وملازمته. فكان محمد معتمداً بشكل كلي على مساعده الشخصي، مثل مساعدته في حمل الكتب المدرسية.
بدأ محمد في محاولة تعويض ما فاته، فبدأ بعمل عدة أشياء معتمداً على نفسه، جذب نحوه الكثير من الأصدقاء الذين التفوا حوله، ويقول محمد معلقاً على ذلك: كُنتُ اشعر بسعادةٍ غامرة عندما أرى الأصدقاء من حولي، وكانت هذه السعادة لا تبرحني حتى عندما يلقبني بعض الأشخاص بألقاب غير مقبولة، فحسبي أن لدي أشخاص من حولي لا تثنيهم عزيمة عن فعل ما بوسعهم تجاهي وهذا يكفيني.
بعد تخرجه من المدرسة، وضع محمد التعليم العالي نصب عينيه وعزم على دراسة الهندسة، رغم أنه ما زال يعاني من مسألة عدم الاحتواء، فالكثيرون من أرباب الأعمال كانت تترسخ لديهم القناعة بأنه ليس بمقدور هذا الشخص الالتحاق بالعمل (الذي هو في الأصل مؤهلاً له)، فأكثرهم تفاؤلاً كان يراهن على أن أكبر نجاح يحققه محمد في حياته لا يعدو أن يكون كاتباً.
سافر محمد إلى الولايات المتحدة الامريكية لنيل درجة الماجستير وأثناء تلك الفترة التحق بشركة كرايسلر، جنرال موتور (Chrysler) كما عمل في دائرة النقل بالولايات المتحدة.
وفي العام 2001 أسس محمد ما يسمى بمؤسسة ايكوليابل فاونديشن equallyable.org والتي أراد من خلالها ان يخدم قطاعأً عريضاً من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين جابهوا نفس العقبات والظروف المشابهة التي خاضها.
يسرد محمد يوسف ملامح تجربته في حيدر أباد: تعلقت كثيراً بالتقرب من لله تعالى، وازددت قرباً عندما أخذتني جدتي إلى منزلها، حيث كان جدي رجلاً ورعاً وتقياً، وعندما أراه يصلي أوقاته الخمسة، كنت أريد أن أحذو حذوه في أداء الصلوات، ونسبة لوجود مشدات في رجله كان جدي يصلي دون أن يخلع نعليه، وما زال على هذا الحال حتى يومنا هذا. كان رجلاً متعاوناً إلى حد بعيد، فأخبرني أن الصلاة تجوز على هذا النحو. وخلال مكوثه لفترة العامين في ذاك المسكن (مسكن جده وجدته) يقول محمد: لم أكن أغفل صلواتي، كانت تنتابني حالة مستمرة من التفاؤل والأمل.
إن ما تعرض له محمد من خلال إعاقته لا يتماشى مع تعاليم الإسلام السمحاء التي تخبرنا عن كيفية التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمثل القدوة الحسنة في التعامل مع الأشخاص ذوي الاعاقة، فعمل (صلى الله عليه و سلم) جاهداً لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة على أعلى مستويات الحياة الاجتماعية، فلنأخذ حالة عبد الله بن أبي مكتوم مثالاً، الرجل الذي نزلت في حقه سورة عبس، فقد بلغ أن عبد الله بن أبي مكتوم كان يعمل آمراً على المدينة في حال غياب الرسول (صلى الله عليه و سلم) بالرغم من أنه كان كفيفاً، فقد كان الرسول صل الله عليه وسلم ينظر إلى قدرات الشخص و لا ينظر إلى إعاقته، و ينبع ذلك من منطلق النفع الذي يعود على المجتمع والشخص من ذوي الإعاقة من خلال إعطاء هذه الحقوق وصيانتها.
قد لا تكون جميع الإعاقات واضحة للعيان، أو تكون غير مرئية مثل وضوح الإعاقات الجسدية الظاهرة، التي تؤثر في قدرة الشخص على المشي أو الإعاقة الحسية، العديد من الإعاقات قد تكون غير مرئية. ولكن يمكن أن تلاحظ من خلال تفاعل الشخص بالحديث أو من خلال سلوك تعامله مع الآخرين. وكمجتمع أو أفراد أنه ملقي على عاتقنا تحمل مسؤولياتنا المجتمعية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة وكيفية العمل على دمجهم في المجتمع بصورة تامة.
تجربة صفية أمين ـ على سبيل المثال ـ في مدينة نيو جرسي، وهي أم لولد يدعى سفيان من ذوي اضطراب طيف التوحد، الاضطراب الذي جعله يتصرف على نحو من الغرابة، وبعض الأحيان يقوم بسلوك تخريبي داخل المسجد القريب منهم (مسجد وارث عود الدين – نيو جيرسي) كان المجتمع يتعامل مع سفيان بطريقة مختلفة، عن تلك التي يعامل بها الأشخاص ذوي الإعاقة الظاهرة، فقد كان الناس يستهجنون تصرفاته، ويرفعون أصواتهم في وجهه (بان أمك لم تحسن تربيتك).
كان أخوان سفيان يشعرون بالإحراج حيال تصرفاته، بينما هو مثله مثل الذين هم في حالته ينسحب بكل هدوء ويجلس بعيداً عن المسجد، ولكن الأم ترفض تلك التصرفات وترد عليهم بقولها: من حق سفيان أن يُصلي. ذهبت الاُم تشتكي لإمام المسجد عن هذا الوضع. وفي خطبة الجمعة القادمة، تناول الإمام موضوع التراحم والشفقة، كان هذا حافزاً كبيراً للحاضرين بأن يتعرفوا أكثر على اضطراب طيف التوحد، ويبحثوا عن كيفية مساعدة محمد وسفيان وبقية أفراد الأسرة وبذلك صار المسجد وجهة لتعديل السلوك ونموذجاً للقيم الدينية التي تنشر التوعية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقد تم تناول هذا الموضوع من خلال تضمينه في كتاب البروفيسور مارك بنسكي (الهدايا المدهشة – Amazing Gifts) الذي يتناول الدين وعلم الأخلاق ويحتوي على موضوعات تتناول، الإيمان، الإعاقة والاحتواء. فقصص مثل قصة سفيان ربما تمر علينا ولكنها تتطلب منا الكثير من الصبر والتروي وعدم التسرع في الحكم على الحالة قبل أن نفهم بعمق أسباب ذلك السلوك، كما يجب ان نفهم الظروف المحيطة بذلك.
وفقا لمكتب الإحصاء في الولايات المتحدة الامريكية، وجد أن هناك ما يقارب نسبة شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص لديه نوع من أنواع الإعاقة، وشخص من بين ثلاثة أشخاص لديه أحد أفراد أسرته أو أحد أصدقائه المقربين معاق، بينما لا توجد حتى الآن احصائيات دقيقة عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة من الذين يرتادون المساجد، السبب في ذلك ربما يعود لكون الإعاقات غير مرئية ولا نستطيع اكتشافها. أو لربما يكون هناك سبب آخر هو شعور بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة بأنهم لا يجدون الترحيب اللازم، أو لم يتلقوا المساعدة اللازمة، أو لربما غفلنا أن من بيننا أشخاص من كبار السن يواجهون مشاكل قد ترتقي لطور الإعاقة مثل مشاكل ضعف السمع، ضعف النظر، التهابات المفاصل المزمنة، الاكتئاب، أو عدم التوازن والتأرجح في المشي أو الإصابة بمرض السكري.
من أجمل المُثل والقيًم التي يختص بها المسلمون دون غيرهم حول العالم، هي الطريقة الرائعة في تعاملهم مع الأشخاص كِبار السن، فيُمكن الاستفادة من هذا النموذج عند التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا يستثنى من ذلك حالات الشباب مثل محمد يوسف، فهم أيضاً جديرون بالاحتواء والدمج في المجتمع.
ربما لا يتطلب منك أمر مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، كرسياً أو أدوات مساندة، فقط ما يأملونه منك هو بسمة في وجوههم تبعث على الشعور بالرضا والتقبل.
تقول رئيسة مبادرات التعايش بين الأديان لدى (الجمعية الامريكية للأشخاص ذوي الإعاقة) السيدة جيني ثورنبيرج: البعض يتجنب التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، ربما لتوجسه من التفوه بكلمة تجرح مشاعرهم، أو يريد بعض الأشخاص مثلاً الاكتفاء بالترحيب بهم فقط. فهم يريدون أن يشعروا بأن وجودهم بيننا هو موضع تقدير وإعجاب.
إن من السهل على الانسان الحضور إلى المسجد، ولكن ليس من السهل عليه أن يبني علاقات صداقة، فكل شخص لديه الرغبة في الانتماء والاحتواء ضمن المجتمع.
ومثال لعدم التسرع في الحكم المسبق على الأشياء، حينما أقتني حزمة من الزهور، يتبادر إلى أذهان البعض أني محبة للزهور، ولكن في الواقع إن أمي مريضة وأنا قلقة بشأنها، لذلك فالهدايا هي أفضل طريقة نعبر بها عن الاحتواء في مجتمعنا، إضافة لروح التحلي بالنزاهة والاحترام والتعامل بصبر مع جميع الناس من حولنا.
المصدر:
الكاتبة: ماجي صديقي
- [email protected]
- باحث ومترجم، مهتم بالقضايا الاجتماعية والعمل الإنساني ومناصرة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.