يشير التتبع التاريخي لعملية تقويم أداء العاملين بأنه ممارسة قديمة عرفت في حضارات قديمة وتطورت مفاهيمها بتطور وسائل القياس والتطور الإداري بشكل عام، فيشير البعض إلى أن العملية بدأت منذ بدأ الإنسان يفكر فيما يدور حوله ويصدر إشارات القبول أو الرفض عندما يراقب غيره يعمل، ويزن أداء الآخرين إعتماداً او قياساً لتصوراته الخاصة، وبتطور الحياة ونشوء وتطور الحضارات القديمة توسع استخدام هذه العملية، ففي حضارة وادي الرافدين في العراق تشير الوثائق إلى أن قدماء السومريين مارسوا فنون الإدارة عامة واستخدموا الأسس والقواعد التي بنيت عليها العملية الإدارية وعملية تقويم الأداء بشكل خاص، ومارست حضارة وادي النيل هذه العملية بشكل واسع واعتمدتها كنشاط من أنشطة الرقابة الإدارية والتي استهدفت متابعة أداء إدارات الأقاليم التي كانت تتبع هذه الحضارة وخاصة في مجال تنفيذ التعليمات الصادرة من الإدارة المركزية، فيشترك رؤساء المصالح العامة وحكام الأقاليم برقابة أداء الموظفين العاملين معهم مستخدمين في ذلك سلطتهم الرئاسية التي تمنحها القوانين التي استخدمت آنذاك.
ولقد استخدمت الحضارة الصينية القديمة شغل الوظائف على أسس اختبارات التسابق والتي اعتبرت إحدى مستلزمات القياس والتوقع لأداء من سيشغل الوظيفة، وتميزت الحضارة الرومانية بكونها الحضارة التي امتلكت أضخم جهاز إداري بيروقراطي بدرجة عالية من المركزية والكفاءة والذي استلزم ممارسة دقيقة للعمليات الإدارية كالتخطيط والتنظيم والرقابة التي استلزمت بدروها استخدام عمليات اختبار وتعيين على درجة عالية من الدقة.
وركزت الإدارة العلمية على الأسلوب العلمي في الإدارة الذي ركز بشكل أساسي على تصميم الوظائف فاستخدمت عملية قياس وتقييم أداء العاملين كإحدى الوسائل لإعادة تصميم الوظائف وبما يعزز استخدام الأساليب العلمية في الأداء، وعكست مدرسة العلاقات الإنسانية اهتماماً خاصاً بعملية إدارة الأداء وتقيييم الأداء من خلال إيمانها بالمبادىء التي تدفع المؤسسة للنظر إلى الموارد البشرية فيها بإعتباره إنسان أولاً، وفرد عامل ثانياً، وإعتمادا على ذلك فإن المدرسة دعت إلى ضرورة المزج ما بين المعايير الموضوعية والسلوكية عند تقييم الأداء من قبل إدارة الأداء ويقصد بهما:
- إدارة الأداء: هو إدارة ومتابعة اداء المؤسسة ومهام كل موظف حسب طبيعة العمل المكلف بها.
- تقييم الأداء: هو تقييم هل تم أداء العمل بالطريقة الصحيحة أم لا ؟ وتقييم كفاءة وأسلوب الموظف فى أداء هذا العمل.
لذا فإن إدارة الأداء هي عملية إدارية تم تصميمها للربط بين أهداف المؤسسة وأهداف الفرد بطريقة يمكن من خلالها ضمان أن يتم توحيد أهداف الفرد وأهداف المؤسسة قدر المستطاع، كما أن عملية إدارة الأداء لا تمثل العصا السحرية لحل كل المشاكل التي تواجه المؤسسة، ولكنها تمثل واحدة من أهم الأنظمة التي لابد من استخدامها بكفاءة في أي مؤسسة في حالة الرغبة في تحقيق النجاح على المستوى القريب والبعيد.
كما إن إدارة الأداء ليست موضة أو تقليداً ففي أي مؤسسة يتم تكوين آراء بشأن العمل على أساس طريقة الأشخاص في الأداء وكيفية الوصول إلى بعض النتائج وفي الواقع فإن الأمر يتعلق بما إذا كان يتم بناء هذه الآراء على أساس عمليات تقييم صحيحة وموضوعية أو لا، وإذا كانت النتائج أو المخرجات تطابق النتائج المرجوة وإذا كانت تتفق من حيث الكم مع المستوى الصحيح.
وتتولى إدارة الأداء عملية تقييم الأداء من خلال أداة أو أسلوب لقياس الأداء، وكان الغرض من استخدام هذه الأنظمة يكمن في قياس الأداء الفردي بشكل منهجي، إلا أن هذا المنظور رغم ذلك يتجاهل العديد من المؤثرات على عملية إدارة الأداء، ومن ثم فإن البداية الصحيحة تتمثل في التعرف على أغراض إدارة الأداء من وجهة النظر التنظيمية بدلاً من منظور الأداء ذاته، ويستلزم ذلك فهم عملية الأداء ومحدداتها الرئيسية.
ومن أهم الشروط الواجب توافرها في مقاييس الأداء الفعالة والتي تفيد في التحليل الوظيفي وتحديد مكونات الأداء الفعال يجب أن يوجد إتفاق حول ضرورة توافر خمسة شروط أو معايير وتتضمن:
- التوافق الإستراتيجي،
- والصلاحية،
- الإعتمادية،
- القبول،
- التحديد أو التمييز
ويقصد بالتوافق الإستراتجي المدى الذي تستطيع فيه إدارة الأداء استنباط تمييز الأداء الوظيفي الذي يتسم بالتوافق أو الإنسجام مع إستراتيجيات وغايات أهداف وثقافة المؤسسة. على سبيل المثال إذا كانت المؤسسة تركز ثقافتها أو إستراتيجيتها على خدمة العملاء، فإن نظام إدارة الأداء لديها يجب أن يظهر كيفية ومستوى وجودة قيام الموظفين على خدمة العملاء.
أما الصلاحية فيقصد بها المدى الذي يستطيع فيه مقياس الأداء تقييم كافة الأبعاد ذات العلاقة بالأداء الجيد للوظيفة، ويشار إلى ذلك عادة بصلاحية في أنه لا يجب أن يكون معيباً أو فاسداً بمعنى أنه يعكس الأداء الوظيفي الحقيقي والذي يتضمن كافة الأبعاد التي تمكن من النجاح في أداء الوظيفة، ومن ناحية أخرى يجب على المؤسسات إستخدام بعض مقاييس الأداء والتي تحتوي على مجموعة من الأبعاء التي تظهر النتائج الموضوعية للوظيفة، ومن هذا المنطلق نرى أن الصلاحية تهتم بتعظيم التداخل أو التطابق بين الأداء الفعلي للوظيفة ومقياس الأداء الوظيفي، على سبيل المثال استخدام إحدى المدارس مقياس لتقييم أداء أعضاء هيئة التدريس والذي يستند على الجهود التربوية وليس التعليمية ومن هنا فإن المقياس يتجاهل أحد أبعاد الأداء الحاكمة او الرئيسية.
والشرط الثالث الإعتمادية ويتعلق بمدى اتساق مقياس الأداء، ومن أهم أشكال الإعتمادية تلك الخاصة بإعتمادية المقيمين والتي تشير إلى مدى الإتساق بين الأفراد الذين يعهد إليهم بمهمة تقييم أداء العاملين، وتتحق الإعتمادية من هذا المنظور إذا ما تمكن إثنان أو أكثر من المقيمين من التوصل إلى نفس التقييم أو قريبا منه لأداء شخص واحد، وبالنسبة لبعض المقاييس فإن الإعتمادية الداخلية والتي تعني مدى توافق كافة العناصر أو الأبعاد الداخلية للقياس تعتبر هامة، علي سبيل المثال إذا لم يكن هناك إتفاق بشان مستوى أداء الموظف فكيف يمكن إتخاذ قرار مناسب حول الزيادة أو الترقية، فقد يرى أحد المقيمين أنه يجب ترقيته، بينما يرى الآخر أنه لا يستحق علاوة على المرتب، ومن هنا نرى أهمية ان تتمتع مقاييس الأداء بدرجة كبيرة من الإعتمادية.
وبالنسبة للشرط الرابع القبول ويتعلق هذا الشرط بمعيار مدى قبول الأفراد الذين يستخدمون المقياس أو أداة التقييم له وإقتناعهم به، والواقع أنه توجد العديد من المقاييس المحكمة والتي تتسم بوجود درجة عالية من الصلاحية والإعتمادية ولكنها تستهلك جزءاً ملموساً من وقت المديرين مما يجعلهم يرفضون استخدامها.
كذلك فإن الأفراد موضع التقييم أو العاملين الذي يقيم أداؤهم قد يرفضون بعض المقاييس، وفي كلتا الحالتين فإن المقياس الذي لا يتمتع بالقبول هو مقياس غير مفيد وربما أسوأ من عدم وجود مقياس على الإطلاق، وهنا نؤكد على نقطه هامة وهي أن هناك حاجة ماسة لإشراك كافة المعنيين من المديرين والعاملين عند تطوير مقاييس الأداء مما يزيد من إحتمالات قبولها والتعاون في استخدامها.
أما الشرط الأخير فهو التحديد ويقصد به المدى الذي يوفر فيه المقياس المستخدم إرشادات أو توجيهات محددة للعاملين بشأن ما هو متوقع منهم وكيف يمكنهم تحقيق هذه التوقعات، ويتعلق التحديد بالأغراض الإستراتيجية والتنموية لإدارة الأداء، فإذا لم يتمكن المقياس من تحديد ما يجب على الموظف عمله لمساعدة المؤسسة في تحقيق أهدافها الإستراتيجية فإنه يصبح من الصعب تحقيق مثل هذه الأهداف، علاوة على ذلك إذا فشل المقياس في تشخيص المشكلات التي يواجهها الموظف في أدائه الوظيفة فإنه يصبح من غير الممكن للموظف أن يصحح أداءه.
ومما سبق يتضح أن عملية قياس وتقييم الأداء تعد من العمليات المهمة التي يجب أن تمارسها إدارة الموارد البشرية، فعن طريق القياس والتقويم تتمكن المنظمة من الحكم على دقة السياسات والبرامج التي تعتمدها، سواءً كانت سياسات استقطاب واختبار وتعيين، أو برامج وسياسات تدريب وتطوير ومتابعة لمواردها البشرية.
وعلى مستوى العاملين أنفسهم تعتبر عملية القياس والتقييم وسيلة يتعرف من خلالها الفرد العامل على نقاط القوة والضعف في أدائه، وخاصة عند الإعلان عن نتائج تقييم الأداء من قبل المنظمة، وعن طريقها يتمكن الفرد من تطوير نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، وبالتالي فإن العملية تعتبر مهمة لجميع المستويات في المؤسسة ابتداءً من الإدارة العليا وإنتهاءً بالعاملين في أقسام ووحدات الإنتاج.
بالرغم من أن الفرد العامل يستطيع أن يطلع بشكل غير رسمي على أدائه من خلال زملاء العمل أو الرؤساء، إلا أن تقييم الأداء أسلوب رسمي ونظامي قد يخلق الشعور بالثقة لدى العامل بجدية المؤسسة التي يعمل فيها، مما يزيد من ولائه لمؤسسته وعمله بشكل أكبر، وبسبب هذا التأثير فقد أولت المؤسسات إهتماماً خاصاً وخصصت الكثير من الموارد لدعم وتوجيه عملية قياس وتقييم عامليها، وهذا ما حدا بالكثير من الكتاب والباحثين في وظائف الموارد البشرية إلى الدراسة والبحث في عملية تقييم الأداء باعتبار العملية مفتاح النجاح للمؤسسة، ووسيلة من وسائل سد الفجوة بين الأداء والعاملين.
وختاماً،.. دعوة لمؤسساتنا لتطبيق تقييم الأداء بمقاييس منهجية هادفة لما لها من آثار إيجابية على مستوى المؤسسة والعنصر البشري فيها حيث يعتبر بمثابة الأصول الرئيسية للمؤسسة، كما أنها عملية حيوية تهدف إلى الوقوف على أداء وسلوك العامل في عمله وتعريفه بمدى كفاءته أو قصوره في أداء واجباته ومسؤولياته، كما أنها عملية موجهة لتحسين وتطوير العاملين مبنية على الكشف عن نقاط القوة وفرص التحسن، بهدف تطوير الأداء للعامل وبالتالي أداء المؤسسة ككل، وتتيح الفرص للعاملين للترقية والحصول على تقديرات ومكافآت عادلة والبروز والتميز فيما لو أتبع نظام تقييم عادل يسود العاملين ويراعي الدقة والموضوعية في التقييم، ومن خلال ذلك يساهم تقييم الأداء في رفع الروح المعنوية للأفراد وخلق مناخ تسود فيه مبادىء العلاقات الإنسانية، وذلك نتيجة شعور العاملين بأن مختلف سياسات وإجراءات الأداء في التوظيف والتوزيع والتدريب والترقية والتحفيز تقوم على أسس موضوعية وعادلة مما يوطد العلاقة بينهم وبين الإدارة.
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة