إعداد : د. روحي عبدات
تعرّف منظمة الصحة العالمية مفهوم جودة الحياة على أنه ” إدراك الفرد لوضعه في الحياة ضمن سياق الثقافة وأنساق القيم التي يعيش فيها ومدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع: أهدافه، توقعاته، قيمه، واهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، حالته النفسية، مستوى استقلاليته، علاقاته الاجتماعية، اعتقاداته الشخصية، وعلاقته بالبيئة بصفة عامة. وبالتالي فإن جودة الحياة بهذا المعنى تشير إلى تقييمات الفرد الذاتية لظروف حياته” ((WHOQOL Group, 1995
من هذا المنطلق اهتم الباحثون بجودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، على اعتبار أنهم يتعرضون لضغوط قد ترتبط بصحتهم البدنية، أو النفسية أو علاقاتهم الاجتماعية مع أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه، وقد اهتمت هذه الدراسات بأسر الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة على وجه الخصوص لأنهم يواجهون هذه الضغوط أكثر من غيرهم.
فمن خلال دراسة (Ncube, Perry, & Weiss, 2018) حول جودة حياة أسر الأطفال ذوي الإعاقات النمائية الشديدة التي طبقت على (246) من الآباء والأمهات لأطفال من ذوي الإعاقات النمائية الشديدة، مقابل (2010) من آباء وأمهات الأطفال من غير ذوي الإعاقة، تبين أن جودة الحياة لديهم أقل من غيرهم وفقاً لمقياس جودة الحياة الذي استجاب له الوالدان. ومن العوامل الهامة التي تحسن في ارتفاع جودة الحياة عند أسر الأشخاص ذوي الإعاقات النمائية الشديدة:
صغر السن (وهذا يدل على أن الضغوط ترتفع مع كبر سن الشخص من ذوي الإعاقة الشديدة)، المهارات التكيفية الأعلى التي يتمتع بها الطفل، شدة السلوكيات، تعليم أفضل للطفل، مشاعر الحزن التي يمر بها الوالدان.
وخلصت الدراسة إلى أن التدخلات اللازمة لهؤلاء الأطفال ترتبط ليس بالأطفال فقط وإنما بالبيئة المحيطة بهم بما فيها البيئة الأسرية.
وبينت دراسة (Rodrigues et al., 2019) التي أجريت على أمهات الأطفال ذوي الإعاقة الشديدة والعميقة، أنهن لا يحصلن على الخدمات والدعم فيما يتعلق بالرعاية الصحية والنقل والاستجمام. تأثرت جودة حياة الأسرة سلبًا بالقيود المالية وصعوبات التفاعل الاجتماعي. وتقتصر رعاية الطفل على الأم التي بدورها تقوم بمختلف الأعباء والمهام، اتبعت الأمهات التكيف الديني كاستراتيجية مشتركة مع التكيف النفسي.
ومن أهم استنتاجات الدراسة، ضرورة تحسين الرعاية العاطفية والنفسية ، فضلاً عن التدابير الاجتماعية والعملية التي تشمل دعم الدخل والحصول على الرعاية الصحية المناسبة، وهي ما تعتبر من أولويات الأمهات لتحسين نوعية حياة أسرهن.
فيما تبين دراسة Joni Taylor Mcfelea and Sharon Raver وجود تدني في جودة حياة أسر الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة من ذوي الإعاقة الذهنية من شديدة إلى عميقة ممن لديهم صعوبات كبيرة في التواصل، وتحديات في الحركة والتنقل، وتعود العوامل المرتبطة بجودة حياة هذه الأسر إلى الدعم المرتبط بالإعاقة، والتفاعل الأسري بين أفراد الأسرة، البيئة المادية المحيطة ومدى تهيئتها.
ولعل من أبرز الضغوط التي تواجهها أسر ذوي الإعاقات الشديدة، والتي لها تأثير مباشر في جودة حياتهم:
الضغوط الاجتماعية:
تنظر معظم المجتمعات إلى وجود طفل من ذوي الإعاقة على أنه نقمة على الأسرة. وهناك بعض المجتمعات التي تؤمن بالخرافات وتعتبر الإعاقة عقاباً للأسرة، ومثل هذه المعتقدات تؤثر على الوالدين والأسرة بأكملها، وقد يؤدي ذلك إلى استبعاد و/ أو انسحاب الطفل والأسرة من الحياة الاجتماعية لتلافي التعليقات المحرجة والتذكير الدائم بحالة إعاقة الطفل.
وقد ينشأ الضغط أيضًا عندما يخاف الأقارب والجيران من الإعاقة وهذا قد يؤدي بهم ليصبحوا قساة وينأون بأنفسهم عن الأسرة. وفي بعض الحالات ، يشعر الجيران والأقارب بالشفقة على الأسرة. والنظر إلى أفرادها على أنهم غير طبيعيين (Ali, 2012).
الضغوط الاقتصادية:
غالبًا ما تشكل الإعاقة الشديدة عبئًا ماليًا على الأسرة ما يؤثر على تقليص النفقات وتوجيهها نحو الأولويات، والتقليل من الترفيه، وهذا يضع الأسرة أمام ضغط جديد للحصول على مصدر دخل وعمل آخر لتلبية الاحتياجات المادية المتنامية.
وتتحمل الأسرة الكثير من النفقات الطبية، ومصاريف المعدات الخاصة وشراء الأجهزة التعويضية وتكلفة العلاج والتنقل ما يضيف عبئًا ماليًا على الأسرة وتؤدي في النهاية إلى إهمال الطفل واحتياجاته. ونتيجة عدم القدرة على التعامل مع هذه الاحتياجات الكثيرة يشعر معيل الأسرة دائمًا بالقلق إزاء عدم قدرة الطفل على التعلم، والتحول المستقبلي إلى سوق العمل ليصبح مدراً لدخل إضافي للأسرة (Oluremi, 2015)
الضغوط الناجمة عن نقص المعلومات:
تشكل الإعاقات الشديدة والمتعددة تحدياً أمام الأسرة من حيث تفسير الحالة وطبيعتها واحتياجاتها، وكذلك مستقبلها التعليمي والصحي، ونقص المعلومات هذا يؤدي إلى الإجهاد والقلق، وتساؤلات عن كيف يمكن للأسرة مساعدة الطفل للعيش.
وتشكل التعقيدات الصحية للحالة والظروف الملازمة لها كمشكلات التنفس، عدم القدرة على التنقل، عدم الاستقلالية في تناول الطعام العادي، مهارات العناية الذاتية، ومشكلات صحية أخرى، كلها تشكل تحدياً أمام الأسرة للتعرف عليها والتعامل معها بشكل يومي. وهذا يتطلب كماً معلوماتياً كبيراً عن طبيعة الجسم وتفاعله مع البيئة المحيطة، والتنبؤات المستقبلية بالحالة.
إن نقص المعلومات وتشتتها من شأنه أن يجعل الأسرة ضحية لخدمات غير مناسبة أو ليست ذات جودة عالية، وبالتالي إصابتها بالإحباط جراء عدم إحراز تقدم مع الطفل ذي الإعاقة الشديدة.
تبين دراسة (Kruithof, 2020)حول المعارف التي يمتلكها أولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية العميقة والمتعددة، أن الكثير منها يتراكم بمرور الخبرة والتجارب التي يعيشونها مع أطفالهم، فيما أن الكثير من المعلومات والمعارف تلزم الآباء في المراحل المبكرة من عمر الطفل، وهو ما يرتبط بالضغوط التي تواجهها الأسر نتيجة البحث عن المعلومات الصحيحة المناسبة لأبنائهم. وأوصت الدراسة بضرورة نقل التجارب والخبرات التي يمتلكها الآباء إلى آباء آخرين لتسريع فترة التكيف مع الإعاقة، وعدم المرور بخبرات ضاغطة مشابهة.
الضغوط النفسية:
يرتبط ميلاد طفل من الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة في الأسرة بضغوط نفسية يواجهها الوالدان، من حيث الاحتياجات الشديدة المطلوبة من الأسرة التي تتطلب منها مجهوداً مضاعفاً في الانتباه والإشراف المستمر، والتتبع المستمر للحالة واحتياجاتها على مدار الساعة، إضافة إلى شعور الأسرة بالإحباط نتيجة عدم التطور أو التطور البطيء للحالة، أو وجود انتكاسات بين فترة وأخرى، أو كثر المراجعات الطبية، وهذا الجهد البدني والعقلي من تفكير مستمر بالحالة، وما يرافقه من انتباه مستمرين وقلة الاسترخاء والترفيه والتأمل والتفكير في الاحتياجات الذاتية، كله مدعاة لتوليد هذه الضغوط النفسية. إضافة إلى ما يرافقه من لوم للذات والآخرين أحياناً كلما حدثت أية انتكاسات صحية في حالة الطفل (Luijkx, van der Putten & Vlaskamp, 2019).
ونظراً لارتباط الضغوط النفسية والاجتماعية والمادية التي تواجهها أسر الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة بمستوى جودة حياتهم، فمن المهم تقديم برامج تأهيل موجهة لمختلف أفراد الأسرة بمن فيهم الوالدان والأخوة، والتي من شأنها التخفيف من حدة هذه الضغوط، الأمر الذي بدوره يساعد في رفع جودة حياة أفراد هذه الأسر أسوة ببقية أفراد المجتمع.
المراجع:
- Kruithof, K., Willems, D., Etten-Jamaludin, F., & Olsman, E. (2020). Parents’ Knowledge of Their Child with Profound Intellectual and Multiple Disabilities: An Interpretative Synthesis. Journal of Applied Research in Intellectual Disabilities, 33(6), 1141–1150.
- Luijkx, J., van der Putten, A. A. J., & Vlaskamp, C. (2019). A Valuable Burden? The Impact of Children with Profound Intellectual and Multiple Disabilities on Family Life. Journal of Intellectual & Developmental Disability, 44(2), 184–189.
- Ncube, B. L., Perry, A., & Weiss, J. A. (2018). The Quality of Life of Children with Severe Developmental Disabilities. Journal of Intellectual Disability Research, 62(3), 237–244.
- Rodrigues, S. A., Fontanella, B. J. B., Avó, L. R. S., Germano, C. M. R., & Melo, D. G. (2019). A Qualitative Study about Quality of Life in Brazilian Families with Children Who Have Severe or Profound Intellectual Disability. Journal of Applied Research in Intellectual Disabilities, 32(2), 413–426
- WHOQOL Group (1995). The World Health Organisation Quality of Life Assessment.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011