وإنـمـــــا أولادنــــا بينـنــــا
أكبادنـا تمشـي على الأرض
لو هبّت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمـض
لم أقع على مثل بلاغة هذين البيتين من الشعر في قوة تعبيرهما وبساطتهما عن الولد والوالدين. أوليس من معناهما استمد الناس القول السائد: (الولد فلذة الكبد)!
نعم، إنه كذلك، فبإمكان الوالدين فعل الكثير من أجل سعادة ابنهما، من أجل راحته، ومن أجل تعلمه أيضاً، وهو المهم في هذه القضية، خصوصاً ونحن على أبواب العطلة الصيفية التي يتحدث عنها الناس بمختلف شرائحهم سواء في البيت أو في الشارع، أو في المقاهي، أو في وسائل النقل العمومي، أو في أماكن العمل بلهفة شديدة أو بتذمر في أحيان كثيرة.
من منا لم يسمع هذه الكلمات: في العطلة سأفعل كذا، وكذا.. سأذهب إلى.. سأشتري لك هدية إذا نجحت.. سأمنحك مبلغاً من المال تفعل به ما تريد.. ولكن من الصعب أن يتذكر أولياء الأمور أنه من واجبهم حماية أطفالهم، وخاصة المعاقين منهم، من نسيان ما تعلموه خلال قضائهم العطلة الصيفية في بيوتهم.
الصغار يترقبون قدوم العطلة بفارغ الصبر، وقد تتحقق الوعود والأمنيات، وقد تبقى مجرد كلام لا غير الهدف منه إلهاء الطفل عن طلب ملح يريد أن يتحقق له، كشراء دراجة مثلاً أو ساعة.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه طوال العطلة الصيفية كل مرة على ذهن معلمي ومعلمات التربية الخاصة هو مقدار ما يتذكره الأطفال المعوقون من معلومات درسوها أو ممن تدربوا عليها في العام الدراسي المنقضي وذلك بعد انتهاء العطلة الصيفية الطويلة.
إن القلق حول هذه القضية يتمثل في أن معظم أولياء الأطفال المعاقين يتصورون أن العطلة الصيفية جعلت أساساً للراحة واللعب والمرح والابتعاد عن أجواء الدراسة، وأن ما تعلمه ابنهم المعاق يعد كافياً لاستمراره في التعلم السنة الماضية بشكل جيد.
وإذا ما سلّمنا بصحة هذا الرأي فإن الفروق الفردية بين الأطفال المعاقين أنفسهم تفنده وتأكد خطأه إذا ما توهم أولياء الأمور مثل ذلك، لأن قدرات الأطفال المعاقين واحتياجاتهم التعليمية تختلف باختلاف نوع الإعاقة ودرجة شدتها والظروف الاجتماعية والنفسية المحيطة بها. من هنا تتضح لنا قيمة المساعدة التي يقدمها أولياء الأمور لأبنائهم المعاقين في العطلة الصيفية بمراجعة ما تعلموه سابقاً والمحافظة عليه وإعدادهم للسنة الدراسية القادمة بأقل صعوبات في التعلم.
ويبدو واضحاً أن تعب معلمي ومعلمات التربية الخاصة يزداد كلما تخلى أولياء الأمور عن واجباتهم تجاه أطفالهم المعاقين في مطلع كل سنة دراسية وبعد انقضاء عطلة الصيف الطويلة، ولأن تواصل الطفل المعاق مع كل ما تعلمه وبالقدر الذي تسمح به قدراته يجنبنا الكثير من المشكلات أو الصعوبات نحن في غنى عنها، ويجنبنا الاتهامات المجانية التي تبحث عمن يتحمل مسؤولية ما يتعرض له الطفل المعاق حين يعود إلى المدرسة أو المعهد بعد انقضاء العطلة الصيفية.
الاتهامات المجانية التي تبدو قاسية في بعض الأحيان مصدرها اثنان، أولياء الأطفال المعاقين من جهة والإطار التربوي المشرف على تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم من جهة أخرى.
وكلنا يعلم أن هذه المشكلة تمس الأطفال العاديين أيضاً، حيث يعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن العطلة الصيفية جعلت أساساً للراحة، للعب، للتجوال والترحال، لمساعدة الأهل في المنزل، وغير مهم أن يراجع الطفل دروس السنة الماضية أو يتهيأ للسنة الجديدة.
وهذا ببساطة كل شيء، والكتاب في الصيف يذهب للخضار والعطار ليمزق أوراقه ويضع فيه حبات عباد الشمس المملح وغيرها.. إنها نظرة جُسدت واقعاً هو في الأصل حقيقة.
ولكن لماذا ننظر إلى هذه المسألة بهذا الشكل وبهذا الاتهام الخفي أو المعلن على الرغم من أن واجب أولياء الأطفال المعاقين والمعلمين معروف! فكلاهما مكمل للآخر.
أليس باستطاعتنا أيضاً، خلق تواصل فعال بين البيت ومراكز التربية الخاصة واعتبار الجميع مسؤولين عن تربية الطفل المعاق وتعليمه؟
إن طرح هذه القضية دعوة لتجاوز الشكوى الدائمة والاتهام المستمر ـ بسبب أو بدون سبب في أحيان كثيرة ـ بين مراكز التربية الخاصة والبيت (الأسرة) واعتبار أن الجميع مسؤولين عن تعلم الأطفال المعاقين والعاديين على حد سواء. ولنكن صريحين مع أنفسنا كمربين أو أولياء، ففشل الأطفال المعاقين في الإقبال على التعلم لهو فشل الكبار إذا ما اعتبرنا أن كل عائلة في المجتمع العربي نصف أفرادها على الأقل متعلمون ويجيدون القراءة والكتابة، وهذا مبرر كاف لهذا الفشل إذا لم نقدم المساعدة للطفل المعاق حتى نحميه من نسيان ما تعلمه خلال العام الدراسي المنصرم، وطبعاً يتم كل هذا في العطلة الصيفية.
ولنعد قليلاً إلى ما يقال دائماً ويكرره علماء النفس والتربية باستمرار: إن مكانة الأسرة ودورها عامل مهم في نجاح أو فشل الطفل المعاق ـ مهما كانت إعاقته ـ في اكتساب العرفة.
وإذا كنا جادين فعلاً في منع تدهور ما تعلمه الطفل المعاق خلال السنة الدراسية، وكل سنة دراسية لابد أن نتخذ بعض الخطوات الصغيرة، ولكنها مهمة داخل البيت لحل هذه المشكلة القضية:
- بعد أن يكون الطفل المعاق قد تمتع بالراحة واللعب لمدة من الزمن، يراجع الكبير معه ما تعلمه خلال السنة الدراسية المنصرمة شيئاً فشيئاً، وهذا كاف ـ على الأقل ـ لأن يتذكر الطفل المعاق ما تعلمه فيما مضى ويؤهله من جديد بأقل صعوبة أيضاً للتعلم بعد انقضاء العطلة الصيفية والعودة إلى المدرسة أو المعهد. وعادة، في مثل هذه الحالات إذا كانت العناية الأسرية جيدة يحس الطفل المعاق بأن له مكانة خاصة في قلب من يحيطون به ويقبل على التعلم ليحافظ على هذه المكانة.
- ·شيء آخر هو الحوار، فالحوار ليس معناه التحدث عن المتنبي أو طه حسين أو المعتزلة، ويمكن أن يكون عما تعلمه الطفل وفهمه، وما لم يفهمه من درس اليوم الماضي، بإمكان الأب أن يسأل ابنه: (ماذا تعلمت اليوم؟ ).. (اشرح لي ذلك).. فالحوار من شأنه أن يقع في اتجاهين، وتكون فيه للطفل فرصة رابحة، إذ ليس من شيء أنفع للفهم من الشرح. ومن هنا فإن من الأهمية بمكان أن يبسط ما يقرأ له عن طريق الحديث معه حول معاني المفردات وطريقة نطقها، وفائدة هذه العملية أنها تثري مفردات الطفل اللغوية التي تعلمها، ومن ناحية أخرى تزيد متعة التعلم لديه عندما يعيد قراءة ما تعلمه مرة ثانية وثالثة.·إن استخدام الكتاب كأداة لتخفيف التوتر في مواقف حياتية غير ممتعة كانتظار الطفل المعاق في زيارة له لعيادة طبية أو مستشفى يراجعها بين فترة وأخرى، يولد المحبة في التعلم، فما أجمل أن ينسى الطفل المعاق قلقه من زيارة الطبيب المعالج بالاستغراق في مغامرة مع شخصية طريفة يحبها تقرأ له أو يقرأها بمساعدة أحد الوالدين أو الإخوة.·
- من هنا.. وعند مساعدة الطفل المعاق على التعلم، يجب العمل معه بوسائل بسيطة ومحببة لديه في التعلم وخاصة في المراجعات اليومية للدروس، وبذلك يقف الولي على مدى التقدم أو الضعف الذي يعاني منه الطفل في اكتساب المعلومات. وعلى الأسرة أن تراعي قدرة طفلها وألا تدفعه نحو ما هو غير مستعد له أو تكلفه بإنجاز ما لا طاقة له عليه.·
- من الأهمية بمكان أن يرى الطفل المعاق أفراد عائلته الكبار منسجمين متفاهمين، وطبعاً، من خلال هذا الدفء العائلي يستطيع أن يجد مكاناً له لا يقل عن بقية إخوته، وهذا يساعده على المضي في التعلم.
هكذا نكون قد ساعدنا الطفل المعاق نفسه والمربي أيضاً في سير عملية التعلم نحو الأفضل وبدون اتهامات، خصوصاً إذا ما تم اتباع بعض هذه الخطوات البسيطة والأولية لحل معضلة نسيان ما تعلمه الطفل المعاق وهو يقضي عطلته الصيفية، وبالتالي مساعدته للاستعداد لسنة دراسية خالية من بعض العقبات والصعوبات ما أمكن ذلك.
قائمة المراجع
- بن عمر، المختار، أطفال اليوم وكيف نربيهم، ط 3، 1989، نشر وتوزيع عبد الكريم بن عبد الله، تونس.
- حسين، زهرة أحمد، خطوات صغيرة لحل معضلة كبيرة، الطفولة العربية (مجلة)، عدد 1، أكتوبر 1999، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية.
- الطيبي، عكاشة عبد المنان، التربية الاجتماعية للطفل، ط 1، 1999، دار الجليل، بيروت، لبنان.
مرب مختص